Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشرعية اليمنية تطلب دعما عاجلا من السعودية لإنقاذ عملتها

تجري الحكومة تغييرات على إدارة المنظومة المالية لوقف الفساد والاستفادة القصوى من دعم الرياض

يسعى الرئيس اليمني لإنقاذ العملة المحلية المنهارة التي تسجل تراجعاً غير مسبوق (أ ف ب)

في ترجمة للانعكاسات المريعة التي بلغها الوضع الاقتصادي في اليمن، ناشد الرئيس عبد ربه منصور هادي، الجارة السعودية بتقديم دعم اقتصادي عاجل لحكومته في مسعى لإنقاذ العملة المحلية المنهارة التي تسجل تراجعاً غير مسبوق في البلد الذي أنهكته الحرب، وسط موجة احتجاجات شعبية غاضبة مناوئة للحكومة الشرعية.

ففي اليمن، تتعدد أوجه المشكلات وتتخذ أبعاداً شتى تتجاوز العسكري نحو الاقتصادي والإنساني، وهو الأسوأ في العالم بحسب الأمم المتحدة. هذه الأزمات التي أسهمت في تعقيدات الصورة المأساوية القاتمة منذ نحو سبعة أعوام حينما انقلبت الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران على الدولة والشعب.

على وقع الغضب

وسلّم هادي سفير السعودية لدى اليمن محمد آل جابر، رسالة إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تتضمن طلباً لدعم اقتصادي عاجل، على وقع تصاعد الاحتجاجات الشعبية الغاضبة في مدن عدة خاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، تنديداً بتردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع أسعار السلع الغذائية بفعل استمرار تهاوي قيمة الريال اليمني.

وخرجت تظاهرة حاشدة في عاصمة محافظة تعز وسط البلاد كبرى المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان. وتتفاقم المشكلة اليمنية وتتنوع معززاتها بتسارع الانهيار الاقتصادي المتزايد في ظل عجز حكومي عن السيطرة على القطاع المصرفي في البلاد بانخفاض العملة اليمنية بشكل حاد لتصل إلى أدنى مستوى على الإطلاق أمام الدولار.

وسجّل سعر صرف الدولار 1675 ريالاً للشراء و1705 ريالات للبيع في التعاملات المسائية في انهيار تاريخي، مقارنة بنحو 215 ريالاً قبل اندلاع الحرب، الأمر الذي يدفع إلى دخول الملايين موجة مجاعة حقيقية بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستوى لا يمكن لغالبية اليمنيين تحمّله.

غلاء وجوع

ونتيجة لهذا الانهيار، تعيش الأسواق في عدن ومحافظات الجنوب موجة غير مسبوقة من الغلاء وزيادة حادة في أسعار كل السلع الغذائية الأساسية وغير الأساسية.

ولهذا، قرّرت جمعية المخابز والأفران في العاصمة المؤقتة عدن رفع أسعار الروتي "رغيف الخبز" 50 في المئة جراء انهيار العملة.

ويأتي بلوغ القيمة الشرائية للعملة اليمنية أدنى مستوى لها مع استمرار هبوطها الحاد والقياسي أمام العملات الأجنبية نتيجة اعتماد البلاد على استيراد السلع الأساسية والكمالية بالعملة الصعبة التي تتم تغطية فارق قيمتها مع العملة المحلية برفع الأسعار، وهو ما تسبب في موجة غلاء فاحش غير مسبوق في السلع الغذائية والضرورية بالعاصمة المؤقتة عدن والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، الأمر الذي يزيد المخاوف من شبح مجاعة تلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى.

ومع مواصلة الريال اليمني تسجيل مزيد من الانخفاض، تتزايد التحذيرات المحلية والدولية من نذر كارثة اقتصادية وشيكة في ظل أزمة إنسانية تشهدها البلاد هي الأسوأ عالمياً وسط توقعات بمزيد من التدهور خلال الأيام المقبلة، جراء غياب المعالجات الاقتصادية الفاعلة للحكومة التي بدت كالعاجزة عدا بعض الإجراءات الآنية.

وحذرت منظمات إغاثة دولية ووكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات محلية وغرفة التجارة والصناعة في عدن من أن الاقتصاد اليمني يقف على شفا الانهيار، مما سيدفع البلد إلى حافة المجاعة.

غليان الشارع

في المقابل، تحرّك الرئيس اليمني بطلب دعم اقتصادي عاجل من السعودية بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية في مدن عدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأفادت مصادر محلية وسكان بأن محتجين ردّدوا هتافات تندّد بتقاعس الحكومة وعدم تحركها لوقف الانهيار الاقتصادي وانهيار العملة وتردّي الأوضاع المعيشية والخدمات.

وتظاهر العشرات في محافظتي عدن وحضرموت، ونفذ القطاع التجاري في مدن عدة واقعة تحت سلطة الحكومة الشرعية، إضراباً جزئياً احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية وانهيار العملة المحلية.

وأعلن موظفون في جامعة عدن أن كليات الجامعة أغلقت أبوابها أمام الطلاب بسبب بدء أساتذة الجامعة إضراباً شاملاً عن العمل يوم الأحد (5-12-2021) استجابة لدعوة مجلس نقابة هيئة التدريس في الجامعة، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار سعر العملة. كما بدأت جامعتا تعز وأبين إضراباً مماثلاً.

ومنتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، اشتعلت احتجاجات شعبية في كل شوارع العاصمة المؤقتة عدن الساحلية، تنديداً بتردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيار الخدمات الأساسية والتدهور المتسارع لقيمة العملة المحلية، في ظل غياب شبه تام للدور الحكومي المفترض، إلى جانب الخلاف الذي لا ينتهي مع المجلس الانتقالي الجنوبي المسيطر بالقوة على الأرض. 

معالجات إدارية

من بين المساعي الرئاسية لمعالجة الأداء الإداري للمنظومة المالية في البلاد وحسن التصرف بالودائع السعودية في ظل اتهامات للشرعية بالفساد، أصدر الرئيس هادي قراراً جمهورياً بشأن "إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي اليمني، وتعيين أحمد غالب المعبقي، محافظاً له".

وذكرت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" أن القرار الأول تضمن تعيين الدكتور محمد عمر باناجة، نائب محافظ البنك المركزي اليمني نائباً للرئيس، وتعيين هاني محمد حزام وهاب، نائب وزير المالية ممثلاً عن وزارة المالية اليمنية، وعضوية كل من: سيف محسن عبود الشريف والدكتور جلال إبراهيم فقيرة وعلي محمد الحبشي وخالد إبراهيم زكريا .

رقابة مالية

للمرة الأولى في تاريخ البلاد، تضمن القرار الجمهورى الثاني تكليف الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (جهاز الرقابة على الأموال العامة) العمل على مراجعة وتقييم أعمال البنك المركزي اليمني كافة منذ تاريخ نقله ومباشرة عمله من العاصمة المؤقتة عدن، على أن يكون لرئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حق اختيار مدقق حسابات متخصص وخبير اقتصادي وعضو من الجهاز القضائي المتخصص لمساعدة الجهاز في أداء هذه المهمة، في مسعى وصفه مراقبون بمحاولة رئاسية للحد من الفساد المستشري في الأجهزة المالية للدولة.

كما تضمن القرار أن تمتثل القيادة التنفيذية للبنك المركزي اليمني خلال هذه الفترة لما يقتضي هذا التكليف وعلى البنك توفير البيانات المطلوبة كافة، وأن ينجز الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أعماله خلال تسعين يوماً من تاريخ هذا التكليف، ويرفع تقريره النهائي لرئيس الجمهورية.

وضع لا يطاق

وعلى وقع الغضب الشعبي المتنامي، قال وزير الصحة العامة والسكان قاسم بحيبح في تغريدة نشرها على حسابه في "تويتر"، إن "الوضع الاقتصادي في الجمهورية اليمنية أصبح لا يُطاق ويحتاج إلى تدخل عاجل وإنقاذ بدعم داخلي وخارجي عاجل في ظل الظروف الصعبة". وأضاف بحيبح "إذا كانت الاستقالة سبيلاً لحل الأزمة فكثير من الوزراء مستعدون لذلك".

تدارس الحلول 

في سياق متصل، دعت الغرفة التجارية جميع التجار والمستوردين والمصنعين الوطنيين للسلع الغذائية إلى اجتماع عاجل لتدارس الحلول الممكنة لضمان استمرار تدفق السلع الغذائية للمواطنين وسط الانهيارات المتسارعة للعملة.

ضغط بلا جدوى

وفي حديث سابق عن الإجراءات الحكومية المتخذة إزاء إضراب الشركات المصرفية وانهيار العملة، قال أحمد با فقيه، مدير الإعلام في البنك المركزي اليمني، إنه "لم تُتّخذ حتى الآن أي إجراءات رسمية من البنك المركزي"، وأوضح أن "البنك حاول الضغط على الصرافين أمس الأول طالباً منهم خفض سعر الصرف. وفي المقابل، أوقفوا عمليات البيع والشراء، ثم أعلنوا الإضراب"، احتجاجاً على قرارات البنك بخفض أسعار الصرف.

غياب الحكم الرشيد

في قراءته لجدوى الوديعة السعودية، يقول الباحث الاقتصادي اليمني عبد الواحد العوبلي إن الحكومة الشرعية للأسف تعوّدت طلب الهبات الجاهزة من دول التحالف من دون أن تقدم نموذجاً للحكم الرشيد.

وأضاف أن اكتفاء الشرعية بالاستعانة بالسعودية في كل مرة لن يحل المشكلة أو آخر تدهور ما لم تتبعه جملة من الإجراءات السليمة التي تتعلق بعمل الشرعية نفسها ومنها إيقاف فساد مسؤوليها.

وعن هذه الإجراءات، أوضح العوبلي أنها تتضمن في مجملها تدعيم مستوى الإيرادات وتقنين النفقات ووقف النفقات غير اللازمة التي تسبب التضخم الكبير والفارق في الميزان التجاري، كما أن تغيير إدارة البنك من دون عوامل اقتصادية ومالية فاعلة لن يغيّر في الواقع كثيراً.

وأشار إلى أن تحسن سعر صرف الريال مرهون بشكل أساسي بالحصول على ودائع مالية كبيرة وحسن إدارة لها، أو الحصول على عائد مالي من العملة الصعبة عبر تنشيط صادرات اليمن من النفط والغاز ومنتجات أخرى.

وحذّر العوبلي من مماطلة الرئاسة في اتخاذ معالجات حقيقية تلجم فساد مسؤوليها لأنه بمجرد انتهاء الوديعة السعودية سيعود انهيار الريال على نحو أشد.

معالجات الشرعية

وفي محاولة لوقف هذا الانهيار المتسارع غير المسبوق، أقرّت الحكومة الشرعية، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، جملة من القرارات تتضمن الإيقاف المؤقت لعمليات التحويلات عبر الشبكات المالية الداخلية، إضافة إلى حزمة من الإجراءات الاقتصادية العاجلة.

وقالت الحكومة اليمنية في بيان صحافي، إنها "اتخذت خلال اجتماع مشترك مع البنك المركزي اليمني برئاسة رئيس الوزراء معين عبد الملك في مدينة عدن، قراراً يقضي بإيقاف تراخيص مزاولة أعمال الصرافة لعدد من الشركات غير الملتزمة بقانون تنظيم القطاع". وشدد الاجتماع على "أهمية اتخاذ كل الإجراءات الهادفة إلى منع الاختلالات والمضاربة في سعر الصرف والإضرار بحالة الاستقرار في السوق، وضرورة المتابعة الميدانية من البنك المركزي للتنفيذ وتقييم الوضع بشكل مستمر، والعمل على التطبيق الصارم لقانون شركات الصرافة، وما يتضمنه من إجراءات الفحص والتدقيق في العمليات المالية أولاً بأوّل".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير