اتخذت دول "آسيان" خطوات جديدة لمكافحة الإرهاب والحد من مخاطر اندلاع الهجمات الإرهابية، بالتزامن مع الوضع المتأزم في أفغانستان وموجات النزوح الجماعية، فيما أكد مسؤولون أن على دول الخليج وآسيا أن تكون متيقظة لمحاربة التطرف، إذ إن التطورات الأخيرة في أفغانستان رفعت معنويات الجماعات المسلحة. وطالب وزراء في حوار المنامة بإيجاد قواسم مشتركة خليجية - آسيوية لرسم مستقبل آمن للأجيال المقبلة. كما اتخذت دول "رابطة آسيان" خطوات عملية جديدة، فاستحدثت الفيليبين كتيبة جديدة لتعزيز قدراتها للتصدي للإرهاب، فيما أكدت الرابطة الآسيوية سعيها المتواصل لزيادة التعاون مع المجتمع الدولي من أجل وقف خطر الإرهاب في المنطقة.
الإرهاب في آسيان
ولم تكُن منطقة جنوب شرقي آسيا بعيدة من الهجمات الإرهابية طيلة الأعوام الماضية، فتعرضت مع بداية الألفية لحوادث إرهابية دموية مثل تفجيرات مانيلا التي نفذتها حركة أبو سياف عام 2000 وأسفرت عن مقتل 20 شخصاً، وتفجيرات بالي في إندونيسيا التي نظمتها "الجماعة الإسلامية" وراح ضحيتها 200 شخص.
وتعرضت إندونيسيا خلال العام الحالي إلى حادثين إرهابيين في مارس (آذار) الماضي، كان الأول تفجيراً انتحارياً عند بوابة كاتدرائية قلب يسوع الأقدس في ماكاسار، سولاويسي الجنوبية، وخلّفت 14 مصاباً. والحادث الثاني عندما صوّبت امرأة تبلغ من العمر 25 سنة بندقية على مقر شرطة جاكرتا، وقتلت على الفور.
وفي حين تحاول الحكومات الآسيوية التصدي للإرهاب من خلال ضربات استباقية، أعلن الجيش الفيليبيني في مايو (أيار) الماضي، مقتل ثلاثة عناصر من حركة أبو سياف في مقاطعة باسيلان التابعة لإقليم مندناو، تلاه مقتل أحد قياديي الحركة الإرهابية وثلاثة من أنصاره في جزيرة سولو التابعة للإقليم ذاته. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تمكّن الجيش من إطاحة أحد كبار القادة الإرهابيين في البلاد، إذ قُتل قائد الجماعة الإرهابية "داعش- الفيليبين" صلاح الدين حسن في مواجهة مع الجيش في ماغوينداناو.
ومع نشوب الهجمات وانتشارها في الشرق الآسيوي خلال العقود الماضية، بدأ تركيز دول المنطقة على التعاون معاً لصد هذه الهجمات ومنعها. فتعاونت دول "آسيان" في مواجهة الإرهاب من خلال مشاركة أفضل الممارسات وتبادل المعلومات والمعرفة والخبرة والتقنية، وتفعيل آليات التعاون القائمة بين بلدان الرابطة في مجال مكافحة الإرهاب في عامي 2001 و2002. كما أقدم قادة الرابطة عام 2003 على إنشاء "مجموعة أمن آسيان"، التي تهدف إلى إنشاء خط دفاع مشترك للحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين.
وفي العام ذاته، بدأ المركز الإقليمي لجنوب شرقي آسيا لمكافحة الإرهاب (SEARCCT) العمل في العاصمة الماليزية كوالالمبور. ويهتم المركز بأسباب نشوء وتشكيل المنظمات الإرهابية وكيفية أدلجة عناصرها ومراكز عملياتها وخصائصها، كما يولي مركز مكافحة الإرهاب في الشرق الآسيوي مزيداً من الاهتمام لأمن الحدود الإقليمية والتدريب المشترك لمكافحة الإرهاب ودعم إدارة ما بعد الكوارث أو أي حادث إرهابي.
عودة "طالبان"
وتسببت عودة حركة "طالبان" إلى الحكم مجدداً في أفغانستان باستنفار ومخاوف على مستوى العالم، بخاصة مع علاقتها بتنظيم "القاعدة" وإمكانية تمددها إلى منطقة جنوب شرقي آسيا، تحديداً في تلك الدول التي تعرضت مسبقاً للهجمات الإرهابية كالفيليبين وإندونيسيا وماليزيا. ففي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، كانت الجماعات الإرهابية التي ظهرت في جنوب شرقي آسيا متمركزة في أفغانستان وتدرب بعضها هناك، ما جعل الحالة الأفغانية محط اهتمام "آسيان" وحكوماتها.
كما أن موجات النزوح للمواطنين الأفغان الجماعية خارج بلدهم، تنبئ بحدوث اضطرابات في الدول المجاورة ومنها جنوب شرقي آسيا، بحسب رأي باحثين.
وتنعكس المخاوف الدولية والآسيوية من تأثير "طالبان" في "آسيان"، إذ أصدرت السفارة اليابانية منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي بالتزامن مع وصول الحركة إلى الحكم، تحذيراً لرعاياها في الفيليبين وإندونيسيا وسنغافورة وتايلاند وماليزيا وميانمار بالابتعاد عن المرافق الدينية والمناطق المزدحمة، خوفاً من تهديد إرهابي محتمل في المنطقة. وعلى الرغم من اعتبار عدد من المسؤولين في "آسيان" أن تحذير اليابان لا أساس له، إلا أن جهات أمنية عدة أخذت بيان طوكيو على محمل الجد بتشديد الرقابة على المعالم التاريخية والدينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن جانب آخر، يرى مراقبون أن خطر الإرهاب في "آسيان" يظل على حالته السابقة قبل وبعد سيطرة "طالبان" على الحكم، فقد أكد تقرير حديث صادر عن معهد تحليل السياسات للنزاع (IPAC) أن خطر الهجمات الإرهابية في إندونيسيا - وجنوب شرقي آسيا على نطاق أوسع - بعد انتصار الحركة الأخير في أفغانستان "منخفض نسبياً" ولكنه لا يزال مدعاة للقلق.
كتيبة ووحدة جديدة
وعلى ما يبدو، فإن "آسيان" ما زالت تنظر بعين حذرة لوصول "طالبان" إلى سدة الحكم وآثار ذلك المحتملة في المنطقة، على الرغم من تفاوت التوقعات بتأثيرات حكمها والنزوح الجماعي. فأقدمت بعض دول "آسيان" على اتخاذ خطوات جديدة قبل وبعد حكم الحركة للتصدي للإرهاب وجماعاته.
وسعت الحكومة الفيليبينية إلى تطوير قدراتها الأمنية وتعزيز جهودها ضد الإرهاب، فشكّلت فرقة المشاة الحادية عشرة المعروفة باسم "العقرب"، المتمركزة في سولو، خلال الشهر الحالي، كتيبة جديدة لتعزيز عمليات الجيش لمكافحة الإرهاب في محافظات باسيلان وسولو وتاوي تاوي. وسُمّيت الكتيبة بـ"الأمل"، وأعلن رئيسها أن التسمية تعكس الموقف الحالي لشعب سولو، والأمل والثقة بشأن مستقبلهم.
كما استحدثت وزارة الأمن العام الفيتنامية إدارة جديدة للأمن الجوي، وكلفتها منع الإرهاب وضمان أمن الطيران. وستكون الإدارة الجديدة مسؤولة عن التعامل مع كل المواقف المتعلقة بأمن الطيران إلى جانب التعامل مع حالات التدخل غير القانوني بالتنسيق مع طاقم الطائرة. كما يمكن للإدارة الجديدة اتخاذ القرارات بشكل مستقل بالنسبة إلى المواقف غير المتوقعة التي تهدد أمن الطائرات المتحركة. وأعلنت الوزارة أنه سيُسمح لها باستخدام القوة مثل الأسلحة أو أدوات الدعم أو القوة أو الوسائل التقنية لتحييد الهجمات على الطائرات، في إشارة من السلطات الفيتنامية إلى كون البعثات التمثيلية في البلاد معرضة لخطر أن تصبح هدفاً لهجمات المنظمات الإرهابية الدولية.
وتعمل وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة الإندونيسية على تكثيف حملاتها لضبط العناصر التابعة للتنظيمات الإرهابية. وذكر الإعلام المحلي أن تلك الخطوة تأتي للحد من تداعيات سيطرة "طالبان" المحتملة على المنطقة، فأعلنت الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب والقسم الخاص بالإرهاب في الشرطة الوطنية بذل الجهود لإزالة التطرف عن السجناء الإرهابيين من المدانين.
وكشفت شرطة مكافحة الإرهاب الإندونيسية الشهر الحالي عن القبض على أحمد زين النجاح، أحد كبار أعضاء مجلس العلماء الإندونيسي لجمعه تمويلات لتنظيم الجماعة الإسلامية المرتبط بـ"القاعدة"، وهو التنظيم المسؤول عن هجوم بالي الدموي في 2002.
وعلى جانب آخر، يرى نشطاء وحقوقيون أن الاعتقالات التي حدثت خلال الأيام الأخيرة في إندونيسيا، تشكّل ذريعة لبسط النفوذ على رجال الدين الإسلاميين والنشطاء الذين شاركوا في تظاهرات مع "جبهة المدافعين عن الإسلام"، وتقليصاً لحق المعارضة من الجماعات الإسلامية في التعبير بحرية عن معتقداتهم السياسية.
تعاون عربي ودولي
لا يقتصر عمل "آسيان" في مكافحة الإرهاب على التعاون داخل الرابطة، بل يمتد ليشمل تعاوناً دولياً مع منظمات ودول كبرى.
وأوضح وزير الدفاع الماليزي في حوار المنامة أن التطورات الأخيرة في أفغانستان ربما تكون بمثابة رفع لمعنويات الجماعات المسلحة النائمة في جنوب شرقي آسيا.
يُذكر أن هناك تحالفات وتعاونات مع عدد من دول "آسيان" وأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية في الحرب على الإرهاب، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتحدثت وزيرة الخارجية الإندونيسية عن وجود تعاون وثيق بين جاكرتا والرياض في مجال مكافحة الإرهاب، ووصفته بأنه معيار للتعاون بين البلدين في المنطقة. ووقّعت الإمارات مع إندونيسيا اتفاقيات عدة العام الماضي، من بينها في مجال مكافحة الإرهاب. ومن جانب آخر، أكدت السعودية وماليزيا رفضهما للإرهاب وعملهما سوياً على محاربته باعتباره أحد النقاط المحورية في العلاقة بينهما. وشددت مانيلا والرياض أخيراً على أهمية تكثيف التعاون في مكافحة التطرف العنيف، من خلال تبادل أفضل الممارسات في مواجهة تهديد الفكر المتطرف. كما أعلنت دول "آسيان" في اجتماع مع روسيا عزمها تكثيف التعاون مع موسكو في مجال مكافحة الإرهاب. كذلك تتعاون الرابطة مع الصين في التصدي لخطر التهديدات الإرهابية باعتباره خطراً مشتركاً بين الجانبين. وتربطها التزامات مع اليابان والولايات المتحدة في المجال ذاته، إضافة إلى تعاونها مع دول الاتحاد الأوروبي في التصدي للإرهاب والجريمة العابرة للبلدان.