Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مأزق الهيمنة على لبنان وفرصة لتغيير المسار

تعطيل الانتخابات يعني قطيعة كاملة مع العرب والمجتمع الدولي واستحالة الحصول على اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعودة الاستثمارات

يريد نصر الله المزيد من الهيمنة (رويترز)

ليس ما يطلبه الأشقاء العرب من لبنان سوى ما يطلبه لبنان لنفسه: تغيير المسار المدمر للعلاقات بين اللبنانيين وعلاقات لبنان مع العرب والغرب. وهو بالطبع مسار الانتقال بقوة السلاح من الوفاق الوطني على المصالح المشتركة في ظل العيش الواحد بالمعنى السياسي إلى فرض التسليم بمصلحة طرف واحد على حساب المصلحة الوطنية العليا. ومن محور الاعتدال العربي والانفتاح الدولي إلى "محور الممانعة" بقيادة إيران. وهذا لم يحدث دفعة واحدة بل على مراحل. ولا بالمكاشفة بل بالتقية والعمل على أمر يدعمه الجميع هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للوصول إلى أمر آخر يرفضه معظم اللبنانيين هو جعل البلد "قاعدة" لعمليات المشروع الإيراني في الداخل والخارج. كان من الصعب، وسط الحاجة إلى تحرير الأرض من الاحتلال، الاعتراض على حصر المقاومة بطرف واحد هو "حزب الله" يقود "مقاومة إسلامية" ذات صفة مذهبية وأيديولوجية في بلد من 18 طائفة.

ولم يكن صعباً إدراك الهدف البعيد لطهران من الاتفاق مع دمشق "الوصية"على لبنان في ذلك الوقت على جعل "المقاومة الإسلامية" المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني البديل من المقاومة الوطنية التي بدأتها أحزاب علمانية: الحزب الشيوعي، منظمة العمل الشيوعي، الحزب السوري القومي، وحزب البعث. فالباب الوحيد الذي رأته إيران الشيعية الفارسية للدخول إلى العالم السني العربي هو تبني قضية فلسطين وسلاح مقاومة إسرائيل. وما بعد الدخول تشكيل "ستة جيوش" هي ميليشيات شيعية تدافع عنها وتعمل لمشروعها الذي نواته حكم أربع عواصم عربية: هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

وحين انسحبت إسرائيل من الجنوب عام 2000 جرى إخراج ملف من الأرشيف السوري اسمه "تحرير مزارع شبعا" التي احتلتها إسرائيل من سوريا في حرب 1967، من أجل إعطاء شرعية للحفاظ على سلاح "حزب الله". لكن التحرير غاب عن جدول الأعمال حين لم يعد سلاح "حزب الله" في حاجة إلى غطاء. فهو صار يمارس دور قوة إقليمية مؤلفة من "مئة ألف مقاتل" باعتراف السيد حسن نصر الله من باب التهديد الداخلي والإقليمي، وتمتلك عشرات ألوف الصواريخ وسواها من طهران: قوة تقاتل في سوريا وتعمل في العراق وتدعم الحوثيين في اليمن وتقوم بأنشطة سرية في العالم، وتهيمن على مفاصل السلطة في لبنان. قوة أكبر من قدرة لبنان على التحمل لجهة العمل المتكرر على تعطيل الحياة السياسية، كما كجهة التهجم على الأشقاء العرب والتهديد بـ "إخراج" أميركا من لبنان والمنطقة. والنتيجة أزمة وطنية وسياسية ومالية واقتصادية في الداخل. وأزمة في العلاقات مع الأشقاء في السعودية ودول الخليج، حيث المصدر الأساسي لدعم البلد ومساعدته وتأمين فرص العمل لنحو نصف مليون من أبنائه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمفارقة أن السيد نصر الله ينفي هيمنة حزبه على لبنان، ويشكو من أنه لا يستطيع "قبع" قاضٍ، ولا إفراغ المازوت الإيراني في الزهراني بل في بانياس السورية. والواقع أنه يريد المزيد من الهيمنة، مقابل مطالبة الأشقاء العرب وارتفاع موجة المطالبة في الداخل بتحرير "البلد المخطوف" واستعادة الدولة من هيمنة "حزب الله". وهذا هو المأزق الذي على اللبنانيين الخروج منه مهما يكن الثمن قبل البحث عن وساطات وأدوار عربية ودولية. فالعلاقات بين اللبنانيين تكون على قاعدة التوافق والمصالح المشتركة أو لا تكون سوى محوٍ للذات. والعلاقات مع الأشقاء العرب تكون على خط مستقيم واضح أو لا تكون سوى تخلٍ عن الهوية والانتماء العربيين ومحاولات بائسة عنوانها تدوير الزوايا وتربيع الدوائر.

ولا أحد يعرف إن كنا سنشهد مفاجأة خلال أسابيع. لكن الكل يعرف أن الفرصة الكبيرة المفتوحة هي إجراء الانتخابات النيابية لتغيير الأكثرية وتعديل المسار. ولذلك يعمل "حزب الله" وبعض حلفائه على تعطيل الانتخابات للحفاظ على الأكثرية الحالية، وإلا التركيز على منع التغيير بكل الوسائل. والكل يعرف أيضاً أن تعطيل الانتخابات يعني قطيعة كاملة مع العرب والمجتمع الدولي واستحالة الحصول على اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعودة الاستثمارات، بالتالي نهاية لبنان الذي عرفناه وأحبه العرب. ولا أحد يستطيع أن يتحمل المسؤولية عن ذلك. فلا بد من "ثورة سياسية" ومواقف جريئة تضع حداً للغطاء الرسمي على الهيمنة. و "الانتخابات ثورات دستورية" كما قال ألكسيس دوتوكفيل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل