تراجعت أسعار النفط خلال جلسة الخميس 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، إلى أدنى مستوياتها المسجلة خلال ستة أسابيع، وسط توجه مستهلكين كبار، مثل الولايات المتحدة والصين، نحو الإفراج عن احتياطياتهم الاستراتيجية من النفط. وهبطت أسعار العقود الآجلة لخام "برنت" القياسي بنسبة 0.1 في المئة، أو 8 سنتات إلى 80.25 دولار بحلول الساعة (13:15 بتوقيت غرينتش). ولم تكن العقود الآجلة للخام الأميركي أحسن حظاً من سابقتها، إذ تراجعت بنسبة 0.47 في المئة، مسجلة 78.17 دولار للبرميل. وكانت أسعار النفط نزلت بنحو 3 في المئة في جلسة الأربعاء، لتسجل أدنى مستوى منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، مع صدور البيانات الرسمية لمخزونات النفط في الولايات المتحدة.
الطلب الأميركي
وتأثرت أسعار النفط سلباً بالطلب الأميركي من مستهلكين كبار للخام كالصين واليابان.وطلبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من بعض أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم، ومنها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، دراسة استخدام احتياطياتها من الخام، في مسعى منسق لخفض الأسعار وتحفيز التعافي الاقتصادي، عبر الالتفاف حول تحالف "أوبك+". وتأتي محاولة الإدارة الأميركية بعد تجاهل التحالف الذي يضم 23 دولة (13 دولة في "أوبك" و10 غير أعضاء في المنظمة) بقيادة السعودية وروسيا، دعوات واشنطن المتكررة الإسراع بزيادة إمدادات النفط.وأكد تحالف "أوبك+" مطلع نوفمبر الحالي الاستمرار في خطط الإنتاج، متمسكاً بخطة الزيادة التدريجية بمقدار 400 ألف برميل يومياً في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وخفضت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" الأسبوع الماضي توقعاتها على الطلب العالمي خلال الربع الرابع بمقدار 330 ألف برميل يومياً من تقديراتها أكتوبر الماضي، بينما تعرقل أسعار الطاقة المرتفعة التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا.
ضغوط متزايدة
وجاء هذا الطلب غير المعتاد في ظل الضغوط السياسية المتزايدة التي تواجه الإدارة الأميركية جراء ارتفاع أسعار البنزين، وغير ذلك من التكاليف الاستهلاكية الأخرى، ما دفع بايدن إلى الطلب من لجنة التجارة الفيدرالية التحقيق في ما إذا كانت كبريات شركات النفط والغاز الأميركية ترفع الأسعار بشكل مصطنع في محاولة لخفض تكاليف الإنتاج. الخطوة شهدتها البلاد سابقاً في عهد الرئيسين باراك أوباما وجورج بوش الابن، ولكن من غير المرجح أن تؤدي إلى أي إجراء فوري، أو أن تؤثر على أسعار البنزين قريباً. وأثار ارتفاع أسعار الطاقة حفيظة بايدن قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2022، التي ستحدد إذا ما كان حزبه الديمقراطي سيحتفظ بالأغلبية الضئيلة في مجلسي الكونغرس. وبلغ متوسط أسعار البنزين في الولايات المتحدة 3.4 دولار للغالون في الآونة الأخيرة، وفقاً لجمعية السيارات الأميركية، بزيادة تتجاوز 60 في المئة عن العام الماضي مع انتعاش الاقتصاد من جائحة كورونا.ويعزو عديد من معاوني بايدن انخفاض معدلات التأييد له في الأشهر القليلة الماضية، إلى زيادة التضخم من الطاقة إلى الغذاء وقطاعات أخرى. وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 6.2 في المئة خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، مع ارتفاع مكونات الطاقة في المؤشر 30 في المئة. وكان بايدن عبر عن وجود حاجة إلى مزيد من الإجراءات بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، مؤكداً أنه لا يقبل أن يدفع الأميركيون مزيداً من المال مقابل ارتفاع الأسعار. وكان من بين الإجراءات الأخيرة المتخذة، الإفراج عن جزء من الاحتياطيات الاستراتيجية للخام الأميركي.ويقول محللون، إنه ربما لا يكون لمثل هذه الخطوة أثر على المدى البعيد في تهدئة ارتفاع أسعار النفط في السوق الأميركية، التي بلغت أعلى مستوى منذ سبع سنوات متجاوزة 85 دولاراً للبرميل في أواخر أكتوبر الماضي.
الصين تدخل على الخط
وبعد ساعات من دعوة الولايات المتحدة، دخلت بكين على الخط، حيث ذكر مكتب الاحتياطيات الحكومي الصيني أنه يعمل على السحب من احتياطيات النفط الخام، غير أنه رفض التعليق على الطلب الأميركي، وذلك في أعقاب التقارير الصحافية التي تطرقت لكون الرئيس الأميركي ناقش في القمة الافتراضية التي أجرها في مطلع هذا الأسبوع مع نظيره الصيني شي جين بينغ إمكانية السحب من احتياطيات النفط الاستراتيجية في أكبر دولتين مستهلكتين للنفط في العالم، من أجل تحقيق الاستقرار في سوق الطاقة عالمياً.وكانت الصين سحبت من احتياطياتها الاستراتيجية مرتين على الأقل خلال العام الحالي، في تدخل غير مسبوق في سوق النفط العالمية ضمن مساعيها لخفض الأسعار. وفي اليابان، قال مسؤول في وزارة الصناعة، إن الولايات المتحدة طلبت تعاون طوكيو في مواجهة ارتفاع أسعار النفط، لكنه لم يؤكد إذا ما كان الطلب شمل سحباً من الاحتياطيات لخفض الأسعار.وفي سياق متصل، أكد مسؤول كوري جنوبي طلب واشنطن من سيول استخدام بعض احتياطها النفطي. وقال "نراجع بعناية الطلب الأميركي، غير أننا لا نسحب من الاحتياطي النفطي بسبب ارتفاع الأسعار... وقد نستخدم بعض الاحتياطي النفطي في حال وجود اختلال في الإمدادات، لكننا لا نواجه بذلك زيادة الأسعار". وهذه ليست المرة الأولي التي تشهد تنسيقاً بين الولايات المتحدة وحلفائها، إذ سبق أن نسقت واشنطن السحب من احتياطيات النفط الاستراتيجية، على سبيل المثال مع بداية الحرب في ليبيا في 2011.
اللجوء إلى المخزون
وتاريخياً، لم تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار استخدام مخزونات وقود الطوارئ سوى ثلاث مرات منذ 1975، عندما وقع الرئيس الأميركي جيرالد فورد قانون إنشاء مخزون النفط الخام الاحتياطي الأول للطوارئ في البلاد، بعد أن أصيبت بصدمة كبيرة بسبب حظر نفطي قبل بضع سنوات.آنذاك، كانت تسيطر منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" على إمدادات العالم من النفط الخام. واليوم، تعد الولايات المتحدة الأميركية واحدة من بين أكبر المنتجين في العالم ومصدراً رئيساً، وليس مجرد مستورد للنفط. ولا يستطيع أحد سوى رئيس الولايات المتحدة إصدار أمر للسماح باستخدام احتياطي النفط الاستراتيجي الذي يتجمع في أربعة مواقع على طول سواحل خليج تكساس ولويزيانا التي تحوي كهوف تخزين عميقة تحت الأرض، يبلغ عمقها ما بين ألفين و4 آلاف قدم تحت السطح. وبلغت كمية النفط الأكبر الذي احتفظ به الاحتياطي الاستراتيجي على الإطلاق 727 مليون برميل عام 2009. فيما بلغ احتياطي البترول الاستراتيجي في الولايات المتحدة 612.5 مليون برميل من النفط الخام اعتباراً من 29 أكتوبر الماضي، بما في ذلك حوالى 40 في المئة فقط من الخام "الحلو" أو منخفض الكبريت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد أصدر رؤساء أميركيون تفويضاً بطرح مبيعات للطوارئ من الاحتياطي الاستراتيجي ثلاث مرات كان أخرها في يونيو (حزيران) 2011، عندما أدت الاضطرابات المدنية في ليبيا إلى زعزعة صادرات النفط العالمية، إذ طلبت الحكومة الأميركية، (التي كانت تشعر بالقلق من تعطل الإمدادات في اقتصاد عالمي هش لا يزال يتعافى من ركود اقتصادي كبير) بيع 30 مليون برميل.واستخدم الاحتياطي الاستراتيجي أيضاً في عام 2005، بعد أن دمر إعصار "كاترينا"، الأكثر ضرراً من كل الأعاصير المدارية في المحيط الأطلسي، البنية التحتية للنفط في البلاد على طول خليج المكسيك، بينما كان الاستخدام الأول للاحتياطي في عام 1991، إبان حرب الخليج الثانية التي أثرت على صادرات الخام في الشرق الأوسط. وبخلاف الولايات المتحدة يتعين على الدول الأخرى الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية وعددها 29 دولة، من بينها بريطانيا وألمانيا واليابان وأستراليا الاحتفاظ باحتياطيات من النفط للطوارئ تغطي صافي الواردات لفترة 90 يوماً. وتملك اليابان واحداً من أكبر الاحتياطيات بعد الصين والولايات المتحدة. أما الصين العضو المنتسب لوكالة الطاقة الدولية، فهي ثاني أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم. وكونت احتياطيها النفطي الاستراتيجي قبل 15 عاماً، وأجرت المزاد الأول لبيع كميات من الاحتياطي في سبتمبر (أيلول).وتحتفظ الهند العضو المنتسب أيضاً في وكالة الطاقة الدولية وثالث أكبر الدول المستوردة والمستهلكة للنفط باحتياطي استراتيجي. ووفق بيانات وكالة الطاقة الدولية، فإن إجمالي الاحتياطيات لدى حكومات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تجاوز 1.5 مليار برميل في سبتمبر (أيلول) الماضي.
هل يمكن أن تسحب الدول من احتياطياتها في آن واحد؟
وفق وكالة "رويترز"، فإنه يمكن لرؤساء الولايات المتحدة تنسيق السحب من الاحتياطي الاستراتيجي مع خطوات مماثلة من الدول الأخرى الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية في آن واحد. أما مشاركة الصين والهند في السحب من الاحتياطي فستكون المرة الأولى من نوعها التي تنسق فيها الولايات المتحدة عملية السحب بمشاركة هاتين الدولتين. وفي ما يتعلق بكيفية وصول النفط من الاحتياطي الاستراتيجي إلى الأسواق، فإنه لقرب موقعه من مراكز تكرير النفط والبتروكيماويات الكبرى في الولايات المتحدة، يمكن ضخ ما يصل إلى 4.4 مليون برميل يومياً من الاحتياطي الاستراتيجي. وتقول وزارة الطاقة، إن وصول النفط إلى السوق الأميركية يمكن أن يستغرق 13 يوماً فحسب من صدور قرار رئاسي.وعادة ما تُجري وزارة الطاقة الأميركية مزاداً عبر الإنترنت تتقدم فيه شركات الطاقة بعروض لشراء النفط. وبمقتضى ترتيب مبادلة، يمكن لشركات النفط تسلم النفط الخام، لكنها تكون مطالبة برده، إضافة إلى فائدة. وتسهم وكالة الطاقة الدولية في الاحتياطيات الاستراتيجية الوطنية، في تنسيق السحب من الاحتياطي في الدول الأعضاء وتوفر بيانات عن مستويات المخزونات وتؤدي أدواراً أخرى. وتوجد ثلاث طرق للاحتفاظ باحتياطيات استراتيجية تفي بمعيار التسعين يوماً وفقاً للموقع الإلكتروني للوكالة. وتتمثل في الاحتياطيات التجارية لدى شركات التكرير والاحتياطيات لدى الحكومات والوكالات الحكومية. ولكل دولة أن تختار توزيع الكمية المطلوبة على أنواع الاحتياطيات الثلاثة.وتقول الوكالة، إن من الممكن العمل بتدابير للحد من الطلب أو المساعدة في توفير الإمدادات. وقد تشمل هذه التدابير دعوات للحد طوعاً من استهلاك الوقود، أو الانتقال من نوع من الوقود إلى نوع آخر، ومن ذلك التحول من النفط إلى الغاز في توليد الكهرباء، أو زيادة الإنتاج للاستفادة سريعاً من المخزون في باطن الأرض. وتقول الوكالة، إن تخفيف المعايير البيئية يمكن أن يسهم أيضاً في تحقيق مزيد من المرونة في الإمدادات.