Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فتوى دستورية" لتأجيل موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر

المؤسسة العسكرية ليست مستعدة لتحمل تبعات الفراغ الدستوري لذلك يتمسك قائد الأركان بتنظيم الاستحقاق في موعده

تظاهرات حاشدة في الجمعة الـ 14 في الجزائر العاصمة (اندبندنت عربية)

بعد مرور ثلاثة أشهر على بداية الحراك الشعبي في الجزائر، الذي دفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستقالة بقوة المادة 102 من الدستور، يستمر الغموض بشأن موعد اختيار الرئيس المقبل. يتمسك قائد أركان الجيش أحمد قائد صالح بالإطار الدستوري لتاريخ 4 يوليو (تموز) 2019، وهو موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، غير أن الشارع والطبقة السياسية يرفضون الموعد لاعتبارات عدة، الأمر الذي خلق نوعاً من الانسداد في الأفق، بدأت غيومه تنقشع مع إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية، بعد تجاهل رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح وقائد الأركان، التطرق إلى موعد 4 يوليو في خطاباتهما.

تحاشي الحديث عن 4 يوليو

فسرت جهات فاعلة في المشهد الجزائري عدم خوض قائد الأركان في خطاباته الأخيرة لموعد اختيار الرئيس المقبل للبلاد، بأن "موضوع تاريخ تنظيم الانتخابات الرئاسية يتجه إلى الحل"، بينما رأت جهات أخرى أن "التراجع مقصود لمزيد من الانقسامات داخل الحراك الشعبي التي من شأنها إضعافه"، وربطت ما حدث خلال تظاهرة الجمعة الـ 14، "من تضييق واعتقالات في صفوف المتظاهرين، وما سبقه من تسييج الرمز ممثلاً في مبنى البريد المركزي، بأنها دلائل على أمر يدبر لتخفيف الضغط على قيادة الأركان، خصوصاً في ما يتعلق برفض تاريخ 4 يوليو لإجراء الانتخابات لرئاسية، إضافة إلى مطلب رحيل فوري لرموز النظام البوتفليقي كافة".

تخوف من تدخل المجتمع الدولي؟

بحسب النائب السابق في البرلمان الجزائري خوجة الأرقم الذي تحدث لـ "اندبندنت عربية"، فإن "الحل الأمثل يكمن في الذهاب في أقرب وقت ممكن إلى تنظيم انتخابات رئاسية تكون شفافة ونزيهة ومفتوحة أمام الجميع". واعتبر أن تاريخ 4 يوليو لم يعد مناسباً لإجراء الاستحقاق، بسبب ضيق الوقت وعدم توفر الشروط، لكن من الممكن إذا صدقت النيّات، تنظيمها في فترة لا تتعدى الثلاثة أو أربعة أشهر على أكثر تقدير، وخلال هذه المدة يجري إدخال تعديلات طفيفة على الدستور، تسمح بإنشاء هيئة الإشراف على العملية الانتخابية التي أشار إليها قائد الأركان لأول مرة في خطابه الأخير"، وتابع قائلاً إن "الشروط تبرز ضرورة مراجعة الهيئة الناخبة التي تحوم حولها شبهات التضخيم، وحياد الإدارة والمؤسسات الحيوية للدولة، فضلاً عن استقلالية السلطة القضائية"، وخلص إلى أنه "من دون الخوض في النوايا، أعتقد أن الحل الأمثل للأزمة لتجنيب الجزائر مخاطر جمة، إمكانية تدخل المجتمع الدولي".

تأجيل الانتخابات الرئاسية

على الرغم من "تجاوز" قائد الأركان موعد 4 يوليو في خطاباته، سواء عن "حسن نية" أو بشكل "مشبوه"، فإن الجمعة الـ 14، جاءت لتجدد المطالب برحيل بقايا رموز نظام بوتفليقة، ورفض أية انتخابات تُنظم بوجود "الباءات"، إلى جانب رفع شعارات معتادة مثل "لا لإجراء الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو" و"لا انتخابات يا العصابات" و"لا انتخابات مع الباءات" و"نعم لمحاسبة الفاسدين" و"جيش شعب خاوة خاوة"، ما يجعل موضوع اختيار رئيس البلاد في 4 يوليو، يتجه نحو الحل والتأجيل عبر "فتوى دستورية" تمزج بين الحلين السياسي و الدستوري.

وقال الناشط السياسي فاتح ربيعي في تصريح لـ "اندبندنت عربية" إن "المؤسسة العسكرية ليست مستعدة لتحمل تبعات الفراغ الدستوري، لذلك تمسّك قائد الأركان بالانتخابات الرئاسية في موعدها، غير أنه لم يشر إلى تاريخ 4 يوليو في خطاباته الأخيرة، ما يعطي الانطباع بإمكانية تأجيلها استجابة لمطالب الحراك"، لافتاً إلى أن "ما يعزز هذه القراءة، دعوته للإسراع في تشكيل الهيئة المشرفة على الانتخابات".

 الإعلامي حكيم مسعودي اعتقد من جانبه في تصريح لـ "اندبندنت عربية" أن "الحديث عن رئاسيات 4 يوليو في ظل المعطيات الراهنة، وبعد الجمعة الـ 14، فيه نوع من التهور وإنكار لأمر واقع، من الخطورة في مكان تجاهله"، مبرزاً أن "هناك تسريبات حول تأجيل مرتقب للرئاسيات إلى نهاية العام، على أن تُنظم ندوة وطنية للحوار مفتوحة على الأطياف كافة، خصوصاً الشخصيات التي تحظى بقبول شعبي". وأوضح أن "تعامل المؤسسة العسكرية مع الحراك الشعبي منذ الخرجة الأولى المثيرة لقايد الأركان وصولاً إلى خطابه الأخير، تسير بمنطق الأمر الواقع، خصوصاً أن الحراك أظهر أن الراغبين في التغيير الجذري للنظام ليسوا أقلية، مثلما حاولت فرضه الدعاية المؤيدة للتقيد بالحدود الدستورية، ما يجعلنا نتوقع تنازلات من المؤسسة العسكرية تصب في صالح الحراك". وخلص إلى أن "تأجيل الانتخابات هو الأقرب إلى التوقع، خصوصاً أنها لا تتخطى القيد الدستوري الذي تشترطه المؤسسة العسكرية".

عودة الاعتقالات والتضييق... إدانات ومخاوف

وفي سياق مسيرات الجزائر العاصمة، تفاجأ الحراك بالتعزيزات الأمنية التي كانت مهيأة لتغيير طريقة التعامل مع المتظاهرين، وقد أقدمت قوات الأمن على اعتقال المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى مبنى البريد المركزي "الرمز"، الذي سارعت المصالح المعنية إلى تسييجه وأحاطته بعوازل إسمنتية، بحجة الحفاظ على سلامة المتظاهرين والمواطنين، بعد تعرضه لاهتراءات وتشققات تهدده بالانهيار، ما أفرز مشاهد تضييق وعنف طغت على "سلمية المسيرات" التي عرفتها الجزائر منذ 22 فبراير (شباط)، وفتحت أبواب التخوف على مستقبل الحراك الشعبي، من عنف وفوضى بستهدفانه.

وأدى هذا الوضع إلى حالة من الشجب والرفض، إذ عبرت جهات عدة عن "إدانتها واستنكارها لاستعمال العنف والتضييق والاعتقال بحق متظاهرين، خرجوا في مسيرات سلمية يطالبون برحيل النظام الفاسد وبالحرية والديمقراطية وجزائر قوية". وقال المحامي مصطفي بوشاشي "نتأسف لأن الشعب الجزائري يخرج بطريقة سلمية حضارية، لهذا النوع من الاعتقالات"، مضيفاً أن التعزيزات الأمنية والاعتقالات تكشف "ألا نية صادقة للذهاب إلى تحقيق مطالب الشعب"، كما أشار الحقوقي مقران آيت العربي إلى أنه "من حق الشعب أن ينظم المسيرات السلمية وأن يتنقل عبر التراب الوطني بكل حرية، ولكن اليوم حاولت قوات الأمن احتلال الشوارع والساحات بقوة فاقت الأسابيع السابقة، كما تم إيقاف عشرات الأشخاص واقتيادهم إلى مراكز الأمن".

وبينما يتجه الغموض السياسي نحو الحل، فتح الأسلوب الجديد الذي اعتمدته عناصر الأمن، باب التساؤل عمن يدفع إلى الانزلاق نحو الفوضى ومن المستفيد؟ غير أن تحذير قائد الأركان في كل خطاباته من "العصابة" و"أذرعها وأبواقها"، كفيل بالإجابة عن كل التساؤلات، خصوصاً في ظل تجديد قايد صالح دعوته إلى الشعب بضرورة اليقظة من "الذين يكنون الحقد والضغينة للجزائر والجزائريين".

المزيد من العالم العربي