Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تصل إثيوبيا إلى حرب بين القوميات؟

انفصال تيغراي سيحفز أقاليم أخرى على تحقيق الهدف نفسه

توسع القتال بين أقاليم إثيوبية عديدة (أ ف ب)

في ظل ما يتراءى من احتمال لانفصال إقليم تيغراي، بعد فشل طرفي الصراع في إثيوبيا في تحقيق نصر سريع، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن "الولايات المتحدة ملتزمة دعم وحدة إثيوبيا". لكن هل يشكل إخفاق الجانبين واقعاً جديداً؟

أقلية وطموح

تعد قومية تيغراي، على الرغم من كونها أقلية (7 ملايين نسمة) وسط القوميات الكبيرة مثل الأرومو والأمهرة (70 مليون نسمة)، ذات طموح عبر التاريخ، إذ لعبت دوراً بارزاً في منطقتها على الحدود الشمالية المتاخمة لأريتريا والبحر الأحمر، منذ مملكة أكسوم التاريخية (منذ نحو عام 80 قبل الميلاد إلى عام 825 ميلادي)، وخلال الدولة الإثيوبية الحديثة. 

كان لهذه القومية زعامتها الإقليمية المنافسة لقومية الأمهرة، إلى أن توحدت الدولة بجميع أرجائها في الإمبراطورية الإثيوبية، بكل ما شهدته من ظروف محلية وانعكاسات خارجية.

وعلى الرغم من الهيمنة الممتدة لقومية أمهرة على السلطة في إثيوبيا، التي امتدت لما يقارب القرنين من الزمان خلال العهود الملكية، كان عهد الرئيس الاشتراكي منغستو هيلا ماريام اختباراً حقيقياً لقومية تيغراي، التي عانت مع قوميات أخرى بما فيها قومية أمهرة، المحسوب عليها منغستو في الانتماء القومي، من الاضطهاد. 

لم يكن النظام الاشتراكي متصالحاً مع واقع إثيوبيا القديم، المتمثل في هيمنة الكنيسة وبقايا الإقطاع، بما حمله من فلسفة اشتراكية ورؤية سياسية ضمن مناخ عالمي مثلت فيه الاشتراكية توجهاً دولياً مدعوماً من الاتحاد السوفياتي. فضرب النظام الشيوعي الكنيسة والإقطاع، وتسبب بغبن لدى كافة القوميات بما ارتكبه من تجاوزات سياسية واجتماعية.

نظام فيدرالي

نتيجة ذلك، اجتمعت الإرادة السياسية لكل القوميات بقيادة رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي، واستطاعت الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية، وهي التحالف المشكل بقيادة جبهة تيغراي، من اقتلاع النظام الاشتراكي، وتأسيس نظام فيدرالي جديد يُحقق آمال القيادة السياسية الجديدة، وهي حفظ مصالح القومية في أدوات الدولة ونفوذها.

كانت رؤية عهد زيناوي تقوم على تأسيس نظام يجمع بين مصالح القومية والدولة، ولذلك اختار "النظام الفيدرالي"، الذي يحقق الغايتين ويضعف هيمنة قومية الأمهرة على السلطة، إلى جانب تحقيق هدف حيوي مستقبلي لقومية تيغراي في التمهيد لأي انفصال إذا دعت الضرورة، من خلال المادة 39 من الدستور الفيدرالي الذي وضعه النظام في 21 أغسطس (آب) 1995، ولا يزال ساري المفعول حتى الآن.

العلاقة بالسودان

ضمن التوجهات السياسية المحسوبة على الواقع الإقليمي تميزت العلاقة مع السودان، الذي لعب دوراً إيجابياً بمساعدة قيادة تيغراي في إسقاط الرئيس منغستو. وكان لهذه العلاقة دوافع أخرى، ذات أبعاد سياسية استراتيجية تصب في مصلحة الإقليم، الذي ينشد جواراً آمناً له عند تبدل الأحوال. وعلى الرغم من حدود الإقليم الضيقة مع السودان، إلا أن الأخير ظل البوابة الخلفية للقومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى جانب ذلك، شهدت سنوات النظام السابق إطلاق يد المصالح الخاصة للأفراد التغراويين في ثراء شرعي وغير شرعي، إضافة إلى استئثار الإقليم ببناء المصانع والمشاريع العسكرية والحيوية والبنى الاستراتيجية.

ووفق هذه الحيثيات، يُقرأ الواقع الإثيوبي الحالي الذي تشكل فيه جبهة تحرير تيغراي تحدياً مهدداً للحكومة.

معطيات الحاضر

تشير معطيات الحاضر إلى أن إثيوبيا مقبلة على التوسع في حرب يمكن وصفها بالقومية كما تُؤكد الدلائل، لشمول القتال أماكن متعددة. كما أن طرفيها لم يعودا الجبهة والحكومة فحسب، بل دخلت قوات منظمة من قوميات أخرى، بدلالة تحالف "الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفيدرالية الإثيوبية"، الذي يضم عدداً من القوميات. أما في الجانب الحكومي، فتكونت ميليشيات قومية مساعدة للجيش لحماية أقاليمها من تهديدات جبهة تيغراي.

ويُعد توجه الجبهة إلى إقليمي أمهرة وعفار، بعد استعادتها تيغراي في يونيو (حزيران) الماضي، انتقاماً قومياً على موقفهما الداعم للحكومة إبان احتلال الإقليم ودخول العاصمة ميكيلي، وما تخلل ذلك من أعمال وصفت بغير الإنسانية.

كما يرى المراقبون أن التوجه إلى خلق تكوينات عسكرية للأقاليم، الذي تتبعه الحكومة، ربما يكون عاملاً مساعداً في تفشي حروب قومية، بخاصة أن هناك تداخلات ونزاعات حدودية في ما بينها.   

انفصال إقليم تيغراي، إذا تم، سيشكل حافزاً للأقاليم الأخرى ذات الدوافع المشابهة، يهدد بتفكك الدولة. ويتساءل المراقبون إلى أي مدى ستقود الولاءات القومية إثيوبيا؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير