Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إبراهيم عيسى والصيدلي والقرآن... أحدث حلقات تجديد الخطاب وتجميده

فريق يباهي بالعقل والمنطق وإعمال العقل وطرح الأسئلة وآخر يمسك بتلابيب النقل والتسليم وإعمال الإيمان من دون نقاش

تبدو أوصال الحوار بين مناصري تجديد الخطاب الديني والداعين إلى تجميده مقطوعة (أ ف ب)

حلقة جديدة من الحلقات المسلسلَة المأزومة لمحاولات مبعثرة لتجديد الخطاب الديني، وفي أقوال أخرى تحديثه، وفي ثالثة تطهيره، ومحاولات وردود مضادة ودفاعات هجومية مرتدة، لا لإبقاء وضع الخطاب على ما هو عليه، بل لدفعه في مسارات أشد أصولية وأكثر تشبثاً بقصص وحكايات الأولين وأعتى تعلقاً بخيوط الخطاب الذي يصفه الفريق الأول بـ"المتشدد الذي يسير بمصر نحو الهاوية" ويراه الثاني "أصولياً يضمن طريق المصريين إلى الجنة".
ربما تكون إعلانات "قناة تلفزيونية تأخذك إلى الجنة" أو "درس الشيخ فلان يساعدك على نبذ الدنيا والتوق إلى الآخرة" قد اختفت من على الجدران في الشوارع ومن الحديث العلني في جنبات المساجد ومنابر الزوايا، لكن أيديولوجيا هذا النوع من الخطاب مهيمنة وسطوتها بائنة. فما مُنِع من على جدران الفضاءات العامة الواقعية، ذاع صيته على أثير الفضاءات العنكبوتية الافتراضية حيث لا صوت يعلو فوق صوت احتقانات تجديد الخطاب وانتقاد أوضاع التدين "الزاعق" من جهة والدفاع عن الخطاب والإبقاء عليه مع تقوية أواصره وتعزيز أوصاله.

أوصال مقطوعة

أوصال الحوار بين الجبهتين مقطوعة ومنصات النقاش مبتورة، حيث فريق يباهي بالعقل والمنطق وإعمال العقل وطرح الأسئلة وآخر يمسك بتلابيب النقل والتسليم وإعمال الإيمان من دون نقاش والتصديق بلا جدال واعتبار طرح السؤال كفراً والعياذ بالله.

أحدث الحلقات تفجرت أحداثها في حلقة تلفزيونية من برنامجه "حديث القاهرة" الذي يقدمه إبراهيم عيسى على قناة "القاهرة والناس". موضوع الحلقة كان التعليم الجامعي ومشكلاته في مصر. أغلب الـ120 دقيقة، مدة الحلقة، دارت حول منظومة التعليم العالي التي وصفها بأنها "تُدار بعشوائية". وعرض خلال الحلقة كماً كبيراً من الأرقام والإحصاءات الخاصة بأعداد الجامعات والتخصصات وتوزيعها في أنحاء مصر. وأشار إلى غياب أو نقص التخصصات العملية التي من شأن خريجيها أن يخدموا محافظاتهم بدراستهم عقب تخرجهم حيث ربط سوق العمل واحتياجات المحافظات بنوعية التخصصات الجامعية. وانتقد عيسى المقررات النظرية القائمة على الحفظ والتلقين، وهنا، تفوه بما تسبب في توالي القنابل الدفاعية والألغام الهجومية واستنفار الهمم واستحضار ذخائر الاتهام بالعداء للدين والتربص بالمتدينين. فقد انتقد عيسى المقررات النظرية القائمة على الحفظ والتلقين، وعدم تدريسها بطريقة صحيحة للطلاب، إذ -حسبما قال- لا تساعد الطلاب على التحلي بـ"عقل نقدي يسأل ويفكك ويطرح نقاطاً ويعرف أن يختلف ويناقش". ووجّه حديثه إلى القائمين على التعليم العالي قائلاً "أنتم تبنون كليات نظرية تجعل الطالب يحفظ صماً ويكون أطرش ثم يتخرج، ولذلك يكون في استطاعة أي متطرف بخسمة قروش أن يضحك عليه ويحشو دماغه بأي شيء"، وذلك في إشارة إلى سهولة غسل دماغ وجذب مَن لم يحصلوا على تعليم ذي جودة يمكّن صاحبه من التفكير النقدي والعلمي للانخراط في التطرف واعتناق التشدد لسهولة التأثير فيه.


"سلك كهرباء عريان"

ومضى عيسى مقترباً من الوتر الحساس أو كما يصفه البعض بـ"سلك الكهرباء العريان"، إذ قال "مثلاً عندما يتخرج طالب كلية العلوم بعقل ميكانيكي ينتهي به الأمر أنه.."، ثم توقف عن إكمال الجملة وفجّر قنبلته، "أحياناً أدخل صيدلية لأجد الشاب الصيدلي جالساً يقرأ القرآن، هذا شيء جميل بلا شك. لكن من باب أولى لماذا لا يقرأ كتاباً عن الدواء؟ ولماذا لا يشاهد برنامجاً وثائقياً عن أحدث الأدوية والأمراض؟".

وبينما يجري تجهيز الدفاعات، ويتم ترتيب خطط الهجوم، والأقلام تُسنّ والألسنة تستعد لدرء ما سمته جموع من المصريين بـ"محاولة هجوم على الدين ومحاربة المتدينين"، إذ بعيسى يضيف "هل يلتحق الطلاب بكلية الطب ليدرسوا أن علم الحديث النبوي أهم (من علوم الطب)؟ إذا كان الأمر كذلك، فكان الأجدر بهذا الطالب أن يلتحق بكلية أصول الدين ويداوم على دروسه في الحضرة"، أي مجالس الذكر والتعليم الديني.

غضب وهلع

لكن ما حضر عقب دقائق من الحلقة كان صباً للغضب وتأجيجاً للهلع على ما أصاب الدين ولحق بالمتديّنين من ضرر، جراء مطالبة عيسى بأن يقرأ الصيدلي في علوم الصيدلة ويركّز الطبيب في علوم الطب.

فالطب والصيدلة والصحافة والهندسة والزراعة والتجارة والآداب والفنون والمواصلات العامة والنوادي الرياضية والفعاليات الثقافية وحفلات الزواج ومناسبات الطلاق والسفر والسياحة وركوب المصعد وشراء فستان جديد وبيع سيارة مستعملة والالتحاق بالمدرسة والانخراط في سوق العمل وجرائم الشرف والرشوة والذهاب للمصيف وإنجاب العيال وطلاق المدام وتحميل حمولة الميكروباص من البشر وتنزيل حمولة البضائع وتحميل مقاطع الفيديو وإقلاع الطائرة وهبوط الأسهم وغيرها من تفاصيل الحياة الصغيرة ومتناهية الصغر قبل الكبيرة في مصر، أصبحت منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي خليطاً من الدنيا والدين أو بالأحرى من الدين والدنيا.

محنة الدنيا والدين

"محنة الدنيا والدين في مصر" ليس عنوان كتاب لأستاذ الاقتصاد والكاتب الراحل جلال أمين بقدر ما هو توصيف لحال المجتمع المصري على مدى عقود طويلة. ولأن قلة قليلة جداً من المصريين تقرأ خارج إطار القرآن الكريم، فقد نجا أمين من اتهامات معاداة الدين ومحاربة المتدينين، إذ ظل كتابه حبيس ثلة من القرّاء من غير الخالطين لشؤون الدين والدنيا خلطاً يسيء فهم الأول ويكبّل قدرات الأخيرة.

تناول أمين في الكتاب، "الحجم الطبيعي" و"غير الطبيعي" للدين في الحياة، وأثر هذه العلاقة في المصريين، وكيف يمكن للخلل في هذه العلاقة أن يحوّل الدين من قوة دافعة للنهوض والتقدم إلى عقبة تحول بين المجتمع وتطلعاته للازدهار. ورصد أمين في كتابه ظاهرة منتشرة بين قطاع من المصريين، "بدا أفراده وكأن قلوبهم اعترتها قسوة مفاجئة. هذا الفريق يُعلن أنه متدين على نحو مغاير لبقية المصريين، ويطالب سائر المصريين بحذو حذوه وإلا اعتبرهم كفاراً".

صحيح أن كلمة "كافر" لا يتم تداولها علناً بقدر كبير في إشارة إلى أولئك الذين يتجرأون على الخروج عن سرب الشكل الحديث للتديّن، إلا أنها تلوح ومفرداتها ومعانيها في الأفق في كل مرة. المطالَبة بخفض أصوات مكبّرات الصوت المليونية المثبتة أعلى المساجد المتلاصقة، تعتبره الغالبية "المتديّنة" كراهية للدين. الاعتراض على أصوات المؤذنين "النشاز" من غير رجال الدين، يُعدّ عداء للمتدينين. المتعجبون من أصوات القرآن الكريم والآذان المتصاعدة من آلاف الهواتف المحمولة في وسائل المواصلات العامة في الوقت ذاته، يعكس ضعف الإيمان وإفساح المجال أمام الشيطان. المتسائلون عن سبب تحويل حرَم أرصفة المترو ومواقف الباصات وساحات الوزارات إلى زوايا صلاة على الرغم من وجود مساجد متاخمة، يتحدثون بلسان أعداء الإسلام. المتعجبون من صورة رجل الدين الراحل محمد متولي الشعراوي على وسائل المواصلات العامة، على الرغم من أنها وسائل نقل مدنية يركبها المسلمون والمسيحيون وغيرهم، يقابَلون باستهجان كبير ودفاع مرير عن الشيخ الجليل.

مؤامرة كبرى

حالياً، يتم التعامل الشعبي مع تساؤل الإعلامي إبراهيم عيسى عن سبب قراءة الصيدلي القرآن الكريم في أثناء ساعات العمل وليس مرجعاً علمياً باعتباره مؤامرة كبرى على الدين والمتدينين في نظر فريق، ومعاودة لخدش قمة جبل الخطاب الديني الجليدي العصي على التجديد أو التحديث من قبل الفريق الآخر.

طوفان هادر من صبّ اللعنات وتوجيه الاتهامات يواجهه عيسى. الطريف أن نسبة غير قليلة من الجحافل المشارِكة في الطوفان لم تشاهد الحلقة أو تعرف سياق الحديث. الأكثر طرافة هو أن الإعلام التقليدي -بعض الصحف والمواقع الخبرية- لعبت دوراً ريادياً في المعركة، حيث اتخذ أغلبها من عبارة "إبراهيم عيسى: ليه أدخل أجزخانة ألاقي الصيدلي يقرأ القرآن؟" (لماذا أدخل صيدلية وأجد الصيدلي يقرأ القرآن؟) مانشيتاً لها. وكأن عيسى خرج في تلك الليلة عبر برنامجه ليعلن اعتراضه على قراءة الصيادلة القرآن الكريم.

هذا الاجتزاء الذي أثار ملايين المصريين ضد عيسى معتبرين إياه كارهاً للدين ومعادياً للتديّن وثيق الصلة بما ورد في كتاب جلال أمين. وعلى الرغم من أن أمين كان يقصد سلسلة من الأحداث العنيفة التي حدثت في مصر في السنوات القليلة التالية ليناير (كانون الثاني) 2011، فإن ما وصفه يمكن أن ينطبق على عنف التفسير وقسوة التأويل الدائرة رحاهما حالياً.


قسوة التعامل

ويقول أمين إن مصر مرت خلال العقود الأربعة الماضية بالكثير من الأحداث التي سببت شرخاً في بنيان المجتمع المصري، وظهرت آثارها في البنيان والسلوك والتفكير. ويشير إلى أن التغير الذي طرأ على التركيبة الطبقية في المجتمع دفعت بطبقات جديدة إلى سطح المجتمع يشيع بينها القسوة الشديدة في التعامل.

ومربط الفرس الذي وصل إليه أمين يتمثل في أن هذه القسوة الزائدة اقترنت وتزامنت مع رفع شعارات مستمَدة من الدين هي النقيض التام لمشاعر الكراهية. ثم يتساءل أمين "ولكن منذ متى كان ما يقوله المرء من كلام وما يرفعه من شعارات يعبر تعبيراً حقيقياً عما يحمله داخل صدره من مشاعر؟".

صفحات لا أول لها ولا آخر يختار أصحابها وصاحباتها لها شعارات دينية، صبوا غضباً رهيباً على عيسى لدرجة أن البعض يتداول منشوراً يفيد بأن عيسى وآخرين من الشخصيات التي تجرأت على الدعوة إلى إعمال العقل في الخطاب الديني جزء من مؤامرة أميركية لتقويض الدين وانتقاد الإسلام بغرض هدمه.

الحرية للجميع

الكاتبة نشوى الحوفي قالت في رسالة وجهتها عبر "فيسبوك" إلى عيسى إنه "من باب الحرية التي تعتنقها، فمن حق أي إنسان بمن فيهم الصيدلي أن يقرأ قرآن أو جرائد أو روايات طالما لم يقصّر في عمله أو أسلوب تعامله مع مرتادي الصيدلية أو في أداء مهماته اليومية".
وطرحت الحوفي على عيسى سؤالاً "لماذا دائماً لدينا قصور في توضيح المفاهيم ودلالات المعاني إلى حد عشق أزمات الحوار أو افتعالها؟".
ويبدو أن على الجبهة المهاجِمة لعيسى فريقاً يرى أن ما قاله عن الصيدلي وقراءة القرآن جاء من باب حب "الترند" وجذب الانتباه وإثارة الاهتمام ليكون الخبر الأكثر قراءة والموضوع الأعلى تعليقاً.

ترند مستمر

وبينما يظل عيسى والصيدلي وقراءة القرآن الأعلى قراءة وتشاركاً وتداولاً على المنصات الافتراضية وقريناتها الواقعية، روى الكاتب شعبان يوسف أن "تحويل أماكن العمل إلى دور عبادة مع تحول العمل الحقيقي إلى مكانة ثانوية سلوك غير سليم حتى لو أراد صاحب العمل أن يضفي على نفسه قدراً من الورع والقدسية أمام زبائنه". وأضاف أنه "تحت لافتة الدين والورع والصلاة كم من السيئات الاجتماعية تُرتكب".

الليبرالية "المبحبحة"

وقال شعبان "هكذا يبدأ الإرهاب والتنمر والتربص تحت دعاوى ظاهرها إيجابي ولكن باطنها سلبي ومغرض ويحمل أهدافاً مسمومة. ولم يكفر إبراهيم عيسى عندما قال إن ممارسة شعائر الدين ليس مكانها محلات العمل". وأشار إلى تضامن "أصدقاء ليبراليين" مع الحملة المضادة لعيسى. وحذر مما سماه "الليبرالية المفرطة وهي مثل طول النظر عند مرضى العيون، حيث الليبرالية المبحبحة".

جوانب الليبرالية "المبحبحة" والإسلاموية المتأججة ومعها جوانب سياسية كامنة وغير مبحبحة آخذة في الاختلاط في الخلاط. ويحوي الخلّاط رموزاً عدة لتيارات الإسلام السياسي. فمثلاً على سبيل المثال لا الحصر، القيادي في الجماعة الإسلامية، صاحب السجل الحافل في حوادث الإرهاب والفتنة الطائفية في مصر على مدى عقود والهارب في الخارج، عاصم عبد الماجد، كتب سلسلة تغريدات مفادها أن "الحملة القوية التي يتعرض ليها عيسى تؤكد أن الأمة الإسلامية تنتفض للدفاع عن القضايا التي تمس الدين من قرآن وسنة، وإن كانت تتغافل أحياناً عن قضايا أخرى مثل الحكم والظلم"، داعياً إلى "تحرير الأمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تحرير الأمة

الغريب أن "تحرير الأمة" تحتمل تفسيرين بالغَي التناقض. فالأول الذي يقصده عبد الماجد هو إقامة دولة دينية في مصر، والثاني الذي ترمي إليه مجموعات من المصريين الرافضين تدين السبعينيات وتجديد الخطاب الديني هو تحرير الأمة من قبضة الجمود المرتدي عباءة الدين.

مستشار الرئيس المصري للشؤون الدينية، أسامة الأزهري، دافع عن الصيدلي الذي يقرأ القرآن أو غيره من الأشخاص أثناء ساعات العمل في مواجهة عيسى ولكن بشكل هادئ. فقال إنه "إذا كان الصيدلي قصّر في إتقان تخصصه وقراءة مراجعه، فقد قصّر في هدي القرآن الذي يقرأه، وحينئذٍ واجبه أن يتقن تخصصه لا أن يهجر قراءة القرآن العظيم". لكنه عاد وأشار إلى "أننا أمام صورتين من التطرف، إخواني يقرأ القرآن فيخرج منه بقتل الناس وتكفيرهم ويواجهه تطرف مضاد يريد من الناس ألا تقرأ القرآن الكريم أصلاً".

كذلك فعل أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر والمثير للجدل بآرائه، أحمد كريمة، الذي رأى المسألة برمتها "مزايدة بالدين مرفوضة". وقال إن "إهمال الإنسان لعمله بدعوى الانشغال بالدين مرفوض، كذلك التدخل في خصوصيات الآخرين مرفوض".

خلاط الاختلاط

المثير أن "خلّاط" اختلاط الآراء وردود الفعل والأيديولوجيات حول ما قاله عيسى، اتسع لعلاء مبارك نجل الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي فاجأ الجميع بتغريدة مهاجِمة لعيسى ومدافِعة عن الصيدلي وقراءة القرآن. فكتب "حقيقة، لا أفهم ما يغضب الأستاذ إبراهيم عيسى ويثير أعصابه إلى هذه الدرجة من رجل صيدلي يقرأ القرآن في الصيدلية! وهل هذا موضوع يستحق كل هذا الصخب؟! الحقيقة كلام غريب جداً، الرجل يقرأ قرآناً أو يصلي، هو حر وشيء جميل طالما لا يقصّر في عمله. مع كل الاحترام للأستاذ إبراهيم، وانت مالك؟!".

الطريف أن الجماعات والمجموعات والأفراد الذين كانوا يهاجمون نظام مبارك وأسرته ويستنكرون أحكام البراءة التي حصلوا عليها في المحاكمات أو تصريحات يدلي بها أحدهم، احتفوا احتفاءً تاريخياً بتغريدة علاء مبارك وتعاملوا معها باعتبارها إنجازاً عظيماً، حتى إن أحد المتعجبين قال "يتعاملون مع علاء مبارك كأنه حقق فتحاً إسلامياً بعد ما كان فاسداً ومفسداً".

ودخل على الخط أعضاء في نقابة الصيادلة لم يبخلوا على الإعلام بتصريحات ترفع راية قراءة القرآن ولا تفسد للصيدلة قضية. فبين مدافع يقول إنه لا يوجد قرار يمنع قراءة القرآن في أي مكان، وداعٍ لعيسى إلى مراجعة أفكاره، وثالث يؤكد أن الصيدلي إن كان يحفظ القرآن الكريم فإن هذا يعني بالضرورة أنه يعرف أصول الدين في التعامل مع المرضى، ورابع يشير إلى أن عيسى لا يعرف ما الذي يعنيه القرآن للمسلمين.

المسلمون والمسيحيون ورجال الدين والمتدينون بدرجاتهم والإسلاميون والمعارضون والمؤيدون والمواطنون العاديون، جميعهم غارق تماماً في ثالوث عيسى والصيدلي والقرآن الكريم. الغالبية المطلقة تبحث في أغوار تدين عيسى وتنقب في أسانيد قراءة القرآن في أثناء ساعات العمل وتطالب بحماية الدين والمتديّنين من براثن المتربصين والمتنمرين بالدين. قليلون فقط قادرون على عدم الفصل بين سياق حلقة عيسى عن التعليم العالي وتخصصات الدراسة وحصيلة التعليم وموقع مصر من العلم والبحث من جهة، وما قاله عن قراءة القرآن طيلة الوقت بديلاً عن العلم والاطلاع من جهة ثانية.

الاطلاع على ما قاله جلال أمين في شأن "محنة الدنيا والدين في مصر" يحوي وجهة نظر مفادها أن "الدين ليس هو الحياة كلها على الرغم من غرام الكثيرين بالتظاهر بعكس ذلك. وما ابتدعه الإنسان من تكنولوجيا وآداب وفنون تنضم إلى الدين في تلبية احتياجات الإنسان المتنوعة".

لكن تظل هناك وجهة نظر أخرى لمفكرين رحلوا أيضاً ولكن بقيت كتاباتهم وأفكارهم ومنهم المفكر الإسلامي المتحول من الماركسية الراحل محمد عمارة، الذي ظل عقوداً يؤكد أن "الإسلام منهج شامل للحياة بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وليس مجموعة من الأحكام الشرعية أو رسالة روحية فقط". وتشير كتاباته كلها إلى أن الدين فيه كل ما هو صالح للقياس عليه في كل جانب من جوانب الحياة في كل وقت وفي كل مكان.

وتستمر حلقات محاولات فريق للتجديد وجهود الفريق المضاد في الدرء والذود والمقاومة.

المزيد من تقارير