Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجيل المقبل سيرفض بريكست وآثارها التي قزمت بلدنا ــ أوروبا ستقبل بعودتنا

في أنحاء العالم هناك استهجان بسبب ما ارتكبناه بحق أنفسنا في بريطانيا

ثمة درس يمكن تعلمه من مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: عدم الاستسلام أبداً (غيتي)

يتركز إرث رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تيد هيث Ted Heath، وبشكل واضح للغاية، حول علاقاتنا الأوروبية (في ظل حكومته المحافظة في 1973 انضمت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي) وليس مبالغاً لو اعتبرنا أن هذا الإرث قد تحطم إلى حد كبير ولم يعد بإمكاننا تمييزه.

لقد استعدنا السيطرة الآن ولمدة عامين على شؤون بلادنا، ولكن الأهم، هو أن خمس سنوات ونصف السنة مضت منذ الاستفتاء على الخروج من أوروبا ــ كانت أكثر من كافية لإشعال النار بكل القوانين والإجراءات الأوروبية التي قالوا إنها كانت مسيئة لاقتصادنا.

إحدى الوعود الانتخابية المركزية التي أطلقها بوريس جونسون في حملته الانتخابية في عام 2019 هي أن انتخابه سيسمح للحكومة "بإنجاز عملية الخروج من أوروبا" get Brexit done. قد يمكننا أن نغفر اليوم لأنفسنا لو تساءلنا عما لو كانت لدى رئيس الوزراء بوريس جونسون أي فكرة عما كان ينتظر البلاد فيما نحن نتذكر طوابير السيارات أمام محطات الوقود (أخيراً)، ويجري تنبيهنا كمواطنين بضرورة شراء ما نحتاجه لفترة أعياد الميلاد باكراً، ونلاحظ بأم العين الفراغات على  رفوف المتاجر (يومياً)، ونصطف في الطوابير لرؤية الطبيب في عيادته، وكيف أننا بتنا نرجو إحسان العمال [علينا] لإيجاد الوقت كي يقوموا بإصلاح تسرب من صنبور للمياه في منزلنا، أو نافذة مكسورة، أو أن نقرأ عن مغادرة أكثر من مليون عامل أوروبي بريطانيا عائدين إلى ديارهم أو أن نرى المستوعبات التي تتكدس كل يوم على رصيف مرفأ فيليكستوي Felixstowe.  

جائحة كورونا كانت لتضع ضغوطاً غير مسبوقة على قدرات أي حكومة، لكن لا شيء يظهر طبيعة الضرر وأثره في اقتصادنا (جراء بريكست) أكثر من التقدير الذي نشره مكتب المسؤولية الحكومية للموازنة Office for Budget Responsibility الذي يؤكد أن الضرر الذي سيلحقه بريكست باقتصادنا يقدر بضعفي ما ألحقته جائحة كورونا على المدى البعيد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محاولات جورج يوستيس، وزير البيئة والغذاء والشؤون الريفية (في حكومة جونسون)، التبرير والتقليل من أهمية هذه النتائج (التي نشرها مكتب شؤون الموازنة) لكونها معروفة وهي معلومات "قديمة" old hat، لم تكن مجدية وفشلت أمام تذكير مذيع برنامج "اليوم" الإخباري (الذي تبثه بي بي سي) نيك روبينسون بأن ذلك التقييم قد نشر في اليوم الذي سبق المقابلة الإذاعية. ومن المهم لنا هنا أن نتذكر أن (عملية) بريكست برمتها كان قد تم التخطيط لها، وتصميمها وتحقيقها قبل زمن طويل من دخول كلمة "كوفيد-19" قاموسنا اللغوي المتداول.

إن الحملة للخروج من الاتحاد الأوروبي خلفت انقسامات عميقة (في المجتمع البريطاني). لقد رفعت من حدة القلق بين المواطنين، وعظمت من حجم استيائهم، واستحضرت ذكريات عهد إمبريالي مستقل كان قد ولى منذ زمن طويل. وتحديداً، كانت (حملة الخروج) قد عملت على تعظيم عدد من المظالم القائمة منذ زمن بعيد. وإذا استثنينا الحقيقة أن الكثير من الصيادين البريطانيين كانوا قد باعوا الكثير من حصصهم التي حصلوا عليها في 1973 إلى أساطيل الصيد الأوروبية، فإن فكرة استعادة السيطرة على بحارنا (الذي طرحته بريكست) استهدف تحديداً كسب دعم قطاع الصيد البحري.  وهنا سأقتبس الخلاصة التي انتهت إليها الهيئة الوطنية لجمعيات الصيادين: "إن الأعلام الرفوعة على صواري قواربنا حملت شعارات "لا نريد أن نتخلى عن حقنا في الصيد". كم كانت الشعارات على تلك الأعلام محقة لأن ذلك هو تحديداً ما جرى (بعد بريكست).

لطالما كان الهجوم على السياسة الزراعية الأوروبية المشتركة هدفاً للجماعات المشككة (بعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي). لا بد لي من الإفصاح عن مصلحتي الخاصة هنا. فالشركة التي أملكها تتعاطى نشاطات في مجالي الزراعة والبستنة. وزيرة الخارجية الحالية ليز تراس، كانت قد تفاوضت على اتفاقيات تجارية مع كل من أستراليا ونيوزيلندا وهي اتفاقات جديدة على خلاف اتفاقات مماثلة كثيرة قد تم التفاوض عليها واعتمادها عبر تمديد العمل بها. وكان لهذه الاتفاقات عوامل مشتركة: إذ يتم إدخالها حيز التنفيذ بشكل تدريجي وبطيء يمتد على فترة طويلة من الزمن.  لقد أمضيت دهراً في دهاليز السياسة البريطانية، وأنا أعرف ماذا يعني ذلك. سيعاني البعض جراء هذه الاتفاقيات. ولكن [سياسة هذه الحكومة] تعكف على تأجيل ظهور الألم إلى فترة لاحقة، على أمل أن تختفي تلك المعاناة ولا تظهر في تفاصيل أفق قطاع زراعي يلفه الغموض حتى الآن.

سألتفت الآن إلى آثار بريكست على المملكة المتحدة ككل. معاً نكون أفضل حالاً بكثير من كوننا متفرقين. أنا أتحدر من جنوب إمارة ويلز. وهي بلد سيكون دائماً موطني. تدمع عيناي فيما يستمر العزف على وتر (الاستقلال). فلم يخطر على بالي يوماً أنه يتحتم على ويلز أن تنسلخ عن المملكة المتحدة.  فأحد أسوأ ما تسببت به بريكست هو أن الحجج التي اعتمدت للترويج للخروج من أوروبا تستخدم اليوم من قبل الجماعات القومية لتقسيم المملكة المتحدة. بريكست تؤجج النزعات الانفصالية. هل يمكن لأي كان أن يزعم اليوم أن المملكة المتحدة بعائلتها الملكية، ودستورها أكثر أمناً بعد الخروج واستعادتنا للسيطرة (على مقدرات البلاد)؟

 أنا حزين جداً من إمكانية استقلال اسكتلندا. لقد قدم أهلها تضحيات مهمة في سبيل تحقيق ما وصلنا إليه (كأمة). فالعظماء من ذلك البلد وما قدموه في المجال الأكاديمي، في الهندسة والثقافة هو كله جزء من الإرث الثقافي البريطاني. عندما كنت فتياً وطالباً في المدرسة قمت بصناعة أمثلة مصغرة من الدبابات التي قادتها فرقة "المراقبين السود" Black Watch (الاسكتلندية المعروفة ببأس جنودها) خلال قتالهم في صحراء شمال أفريقيا. فقدراتنا الدفاعية هي من قدراتهم الدفاعية. بريكست سلمت السياسية الاسكتلندية نيكولا ستورجن Nicola Sturgeon سلاحاً جديداً أكثر فعالية (قد تطالب من خلاله بالاستقلال).

أما الوضع في إقليم إيرلندا الشمالية فهو أكثر هشاشة. فالنقاشات تستعر حول مسألة بناء حدود والتقيد بآليات مراقبة تقام كلها على أراضي المملكة المتحدة والتي قيل لنا في الماضي أن أياً من رؤساء الوزراء لن يمكنه حتى مجرد التفكير بإمكانية ذلك. لكن ما وقعت عليه الحكومة شيء وما يردده الوزراء فيها شيء آخر. لكن هناك تفسيراً وحيداً لذلك وهو غير مريح: فبريكست كانت أهم من الحقيقة. فكلمة بريطانيا مهمة ومصداقيتها مسألة أساسية على مستوى العالم. وعلى الناس أن يؤمنوا بأننا سننفذ ما وقعنا على تحقيقه.

الكثير من العمال الأوروبيين فضلوا العودة إلى سوق العمل في موطنهم الأصلي، على الرغم من طبيعته المركزية المليئة بالإجراءات والذي تهيمن عليه بروكسل وحيث الأوضاع الاقتصادية متحجرة تاركين وراءهم بريطانيا لتعاني من نقص فادح (في العمالة) في كل من قطاع الخدمات العامة والقطاع الخاص. رئيس الوزراء يروج لاقتصاد تميزه الرواتب المرتفعة والانتاجية العالية ــ من دون أن يشرح لنا أن الانتاجية العالية يجب أن تسبق الرواتب المرتفعة. هذا الفشل جعل من (جونسون) مسؤولاً خلال الأشهر المقبلة عن كل زيادة في التضخم وزيادة في نسبة الفوائد وتراجع مستويات المعيشة [في بريطانيا]. وهذه كلها ليست العوائد المتوقعة [المنتظرة] من عملية بريكست.

منطقة وسط لندن المالي City of London كانت قد تربعت على العرش كمركز السوق المالية الأوروبية قبل إدراج بريكست كجزء أساسي من الأجندة السياسية. ووفق شروط السوق الموحدة، كان مركزها يحظى بمناعة (حصانة لا يهددها شيء). إن المفاوضات حول الخروج لم تنجح في حماية هذا القطاع التجاري الحيوي، وأصبحت الشركات اليوم مجبرة على الإعداد لمعاملة تمييزية قد يتخذها الأوروبيون لنقل جزء من هذا القطاع التجاري المجزي إلى أراضي الاتحاد.

وورد في مقال في "مجلة التأمين" Insurance Journal   مزاعم مفادها أن رحيل 440 شركة عن بريطانيا قد أضحى محسوماً [حتمياً] من بينها 135 شركة ستنقل مقراتها إلى العاصمة الإيرلندية دبلن، تتبعها باريس باعتزام 102 من الشركات الانتقال إليها. فالجوائز أو العائدات واضحة وعلينا أن نتوقع رؤية محاولات مستمرة للنيل من موقعنا كقائد في ذلك القطاع. وسيكون هناك من سيتهم شركاءنا السابقين بأنهم غشاشون وأسوأ من ذلك، متناسيين في الوقت ذاته أن تبجحنا ببناء "سنغافورة على نهر التايمز" Singapore on Thames تعمل على خفض الضرائب إلى حد كبير، وتمزيق دفاتر الشروط، تم تصميمها لتحقيق ذلك على حساب (الشركاء الأوروبيين) الآخرين تحديداً. 

وهذا يتيح لي الحديث عن موضوع آخر كان يعتبر هدفاً سهلاً لدعاة الخروج من أوروبا: القواعد الناظمة، والتهويل الذي يرافقها حول صورة المسؤول الأوروبي الذي لا وجه له في بروكسل [الغُفل].  والسوق التجارية التي لا قيم لها [من دون أخلاق ووازع] إذا ترك السوق [على غاربه] لإقامة نظمه فسيتحول في ذلك الحين إلى غابة. والكل لنفسه [كل بلد يسعى لمصلحته]. والحضارة تعتمد على بعض القيود التي تفرض بواسطة السياسيين لحماية الضعفاء وفرض المعايير للعمل وفقها، وثبط عزيمة المجرمين.

الأنظمة لطالما كانت متطفلة ومفصلة، لكن ذلك تفرضه الخبرة والممارسة الطويلة التي تعلم المسؤولون الذين يصممونها أن هناك نسبة صغيرة من السكان الذين يستعينون بمحامين أذكياء يبحثون عن الثغرات في الأنظمة كي يقوموا باستغلالها.

في الأسبوع الماضي، كشف عن أن بريطانيا لديها الشواطئ الأكثر تلوثاً في أوروبا لأننا نسمح بالتخلص من مياه المجاري غير المكررة في مياهها. مجموعة من النواب من حزب المحافظين تنبهت لذلك وأجبرت الحكومة على التصرف. والأنظمة التي تراعي (نظافة الشواطئ) سيتم سنها. فلو كانت كل تلك الإدعاءات حول ضرورة إلغاء الأنظمة والقوانين مفيدة، لكانت المداخن في الحي الحكومي في وايتهول تنفث دخاناً أبيض هذه الأيام. على الأقل بيئتنا تستفيد من غياب تلك المداخن (التي لا تراعي الأنظمة). 

الكثير من حملة المؤيدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي أخطأوا في تركيزهم على مخاطر مفصلة تم جمعها كلها في وعاء واحد [خانة واحدة] تحت عنوان وصمه فريق الخروج بــ"مشروع الترهيب" Project Fear. الجدل الذي لم يجذب أي اهتمام يذكر كان ذلك المتعلق بشرح الإنجازات الاستثنائية التي حققتها المجموعة الأوروبية في تغيير اتجاه التاريخ في القارة الأوروبية. النقاش والتفاوض والتنازل أضحت أساس الممارسة السياسية.  ثلاثة حروب (خاضتها الدول الأوروبية) خلال 75 عاماً ولدت رؤية تأسيسية حول ضرورة الحؤول دون وقوع الحروب مرة أخرى، وهو ما أدى إلى ثلاثة أرباع القرن من السلام.  سبع وعشرون دولة يتشاركون السيادة، ولكل من تلك الدول نظامه الرقيب وفق ديمقراطيته الليبرالية الخاصة كشرط من شروط الانتساب إلى المجموعة، وأدارت هذه الدول ظهرها على قرون من العنف الدموي. وسمحت جهودهم السياسية المشتركة بتنمية أوضاع شعوبهم وحافظوا على وجود المناطق الريفية فيها.

النتيجة كانت كياناً سياسياً مع المقدرات التي تسمح له في المنافسة مع القوى العظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين وقريباً الهند، كيان يفتح آفاقه والتي ما كانت لتكون لهؤلاء ممن يعتمدون على ثرواتهم الوطنية وحدها. الصوت البريطاني في صلب (المشروع) توجه إلى الأجيال الشابة عن عالم الغد (الواعد) ونواته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية. هذا هو إرث تيد (تيد هيث- رئيس الوزراء البريطاني السابق).   

ولأي هدف فرطنا (نحن البريطانيون) بكل ذلك؟ هل تقف بريطانيا اليوم أكثر شموخاً في عالم اليوم؟ ألم يكن حري بنا أن ننصت للرئيس (الأميركي باراك) أوباما عندما حذرنا من أن سعينا للفوز باتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة (بعد بريكست) سيضعنا في نهاية الطابور؟ علاقاتنا مع الصين ملبدة بخلافات مبررة [يعكرها غياب التوافق]. السياسيون الأوروبيون يقفون على الجانب الآخر من توجيه النقد في حرب كلامية يعرفها كل من خاض غمار قطاع الأعمال وعليه التغلب عليها لو كان حقاً يهدف للفوز بالصفقة. وحول العالم هناك حال من عدم الفهم حيال ما ارتكبناه [في المملكة المتحدة]. وفي وطننا هناك إدراك متنام لأننا خُدعنا [آمالنا خابت].

أنا لم أتطرق إلى نايجل فراج Nigel Farage لأنني أردت أن أترك له الاقتباس الأخير. "ففي استفتاء خرج بنتيجة 52 في المئة مقابل 48 في المئة، يؤشر ذلك إلى عمل غير مكتمل وإلى درجة كبيرة". وهو كان يعتقد أنه سيخسر ولذلك عكف على الإعداد للمعركة المقبلة. آخر استطلاعات الرأي التي رأيتها أظهرت أن نتيجة الاستفتاء المتقاربة جداً قد حل مكانها فارق بعشر نقاط لأولئك الذين يعارضون بريكست. لذلك أنا أعتقد إذاً أن العملية لم تنتهِ بعد، وقد يتطلب الأمر وقتاً. وقد يتطلب الأمر طاقة وقيادة (رشيدة).

هناك درس يجب أن نتعلمه من دعاة الخروج من أوروبا Brexiteers: إنهم لم يستسلموا أبداً. هدفنا واضح. علينا إعادة بريطانيا إلى موقعها في أروقة صنع القرار والنفوذ الأوروبي. إنه بيتنا الطبيعي، وحيث تدور فصول تاريخنا. أي رؤية لمستقبلنا يجب أن تبنى حول واقعية توزيع القوى العالمية. لدينا الكثير الذي يمكننا تقديمه: تسامحنا، وموضوعيتنا، وإدراكنا السياسي الذي نجح بتحويل المستعمرات إلى تجمع لدول الكومونولث، وسمعتنا كعنوان للثقة، وكصديق يتكل عليه. سيتاح لنا (في حينه) لعب دور أكثر فعالية عبر مشاركتنا في صنع قوة وسيادة أوروبا الحديثة.

كل رئيس حكومة من حزب المحافظين عملتُ ضمن فريقه منذ عهد وينستون تشرشل نفسه كان يتفهم ذلك. تيد هيث أضاف المعنى إلى الكلمات. من المؤسف بشكل لا يمكن وصفه أن هذه الحكومة بالمقارنة، ستكون تركتها للجيل الشاب مقعداً خالياً، لا صوت له، ويفتقر للتأثير في الشؤون الأوروبية. وفي النهاية سيتوصلون إلى خلاصة تدفعهم لرفض هذا الدور المقزم لبلدنا. أوروبا سترحب بهؤلاء من جديد.

المقال هو نسخة ملخصة عن محاضرة عن إيدوارد هيث ألقاها مايكل هيزيلتاين في جامعة نوتينغهام الإنجليزية

مايكل هيزيلتاين هو زعيم رابطة "الحركة الأوروبية" ووزير سابق للدفاع البريطاني

© The Independent

المزيد من آراء