Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دايمون غالغت الفائز بـ"بوكر" ناهض العنصرية في جنوب أفريقيا

الرواية الأفريقية الجديدة تختطف الجائزة البريطانية بعد نوبل العالمية وغونكور الفرنسية

الروائي الجنوب أفريقي دايمون غالغت الفائز ببوكر البريطانية (أف ب)

يمكن اعتبار عام 2021 أدبياً، عام أفريقيا بامتياز، نتيجة الفوز الساحق الذي حققه أدباؤها على مختلف الصعد. فمن جائزة نوبل التي نالها التنزاني عبد الرزاق قرنح (أو جرنة)، مروراً بالجائزة الفرنسية العريقة غونكور، التي نالها السنغالي محمد مبوغار سار، يتوج الكاتب دايمون غالغت من جنوب أفريقيا فائزاً بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "الوعد" (Damon Galgut, The Promise, 2021).

وقال غالغت في خطاب حفلة تسلمه الجائزة وحضرها المرشحون الخمسة الآخرون وعدد قليل من المدعوين "يسرني أن أتسلم هذه الجائزة عن القصص المروية وتلك التي لم تروَ بعد، عن الكتاب الذين سُمع صوتهم وأولئك الذين لم يصلكم صوتهم بعد، أولئك القادمين من القارة العظيمة التي أنا أشكل جزءاً منها. أرجوكم ابقوا على إصغائكم لنا، فلدينا الكثير لنقوله بعد".

ويحمل الرقم ثلاثة للفائز هذا العام كل الحظ، فهو الفائز الثالث ببوكر البريطانية من جمهورية جنوب أفريقيا، كما أن ترشيحه لهذا العام هو ترشيحه الثالث للجائزة لكونه بلغ القائمة القصيرة مرتين سابقاً (عام 2003 وعام 2010). ورواية "الوعد" هي عمل الستيني دايمون غالغت التاسع والأول بعد انقطاع عن النشر دام سبع سنوات. والجدير ذكره أن غالغت بدأ الكتابة في سن صغيرة، ونشر روايته الأولى وهو بعد في السابعة عشرة من عمره، وهو يعمل حالياً على مجموعة قصصية ستصدر قريباً بحسب مقابلة أجرتها معه جائزة بوكر.

وجائزة بوكر البريطانية، التي تحمل اسمها أيضاً جائزة الرواية العربية الممنوحة في أبو ظبي، هي أكثر الجوائز البريطانية أهمية ومكانة وتأثيراً في أرقام المبيع، وتلاحظ في هذه الدورة سيطرة الأدب الأميركي عليها بوجود ثلاثة مرشحين أميركيين وصلوا القائمة القصيرة من أصل ستة، أي النصف. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن جائزة بوكر التي أُسست عام 1969 والتي قدمت للقراء أفضل الروايات الإنجليزية المعاصرة، كانت محصورة لسنوات في كتاب من بريطانيا وإيرلندا ودول الكومنولث، إنما تم تغيير قوانين الجائزة الداخلية في عام 2014 لتشمل دولاً أخرى وكتاباً من مختلف الجنسيات، ليصبح الشرط الأساسي للترشح هو كتابة العمل باللغة الإنجليزية ونشره في بريطانيا مهما كانت جنسية صاحبه. وظهرت سيطرة الكتاب الأميركيين منذ عام 2014 على مشهد الجائزة بفوز كاتبين أميركيين وترشح عدد كبير منهم ووصولهم إلى التصفيات النهائية. وبمقابل النقاد الذين أشادوا بهذه المشاركات الكثيفة وبهذا الانفتاح والتوسع الذي شهدته الجائزة، أبدى نقاد وروائيون بريطانيون كثر تخوفهم من هذه الهيمنة الأميركية الجديدة على الجائزة، ومن المسار الذي سيحدثه دخولهم في الأدب الأنجلوساكسوني المعاصر.

وعد المستعمر الأبيض

تدور أحداث رواية "الوعد" في مدينة بريتوريا Pretoria، وهي العاصمة التنفيذية لجمهورية جنوب أفريقيا وتعتبر من العواصم الثلاث الرئيسة للدولة، وهي كذلك المدينة التي نشأ فيها الكاتب دايمون غالغت. ويعترف هذا الأخير أنه استوحى أحداث روايته من صديق له هو آخر الناجين من عائلته. فيخبره صديقه عن عائلته وعن علاقته بها وعن جنازات أمه وأبيه وشقيقه وشقيقته، وكيف أثرت فيه هذه الجنازات الأربع وكيف كانت تراجيدية وكوميدية في الوقت نفسه.

وفي ساغا عائلية تمتد على أربعة أجيال، يرافق السرد في رواية "الوعد" عائلة أفريقية ثرية بيضاء وخادمة فقيرة سوداء في ظل سنوات نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) الذي شهدته جمهورية جنوب أفريقيا بين عامي 1948 و1993. ويختار الكاتب أن يمسك بزمام فضائه السردي عبر حصر السرد في أربع مناسبات حزينة، أربع جنازات تكثف السرد وتمحو ما بينها من تفاصيل ليكون التقدم في الزمن والأحداث كثيفاً وثقيلاً ومنحصراً في أربع مناسبات فقط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تبدأ الأحداث بوعد العائلة البيضاء للخادمة السوداء بإدخالها في الميراث ومنحها بيتاً وأرضاً، إنما مع مرور الزمن يتلاشى الوعد ويروح أفراد العائلة المالكة يحاولون التملص من الوعد الأول المقطوع للخادمة وعائلتها. وعد عالق بين عائلة ثرية بيضاء وعائلة الخادمة الفقيرة السوداء يحرك السرد على مدى أربعة أجيال، ويروح يتضاءل احتمال وقوعه مع مرور السنوات. وقد وجد النقاد في العمل رمزية كبيرة لمعاني "الوعد" و"البيت" و"الأرض"، وقرأوا في الرواية مرآة للنزاع العرقي والعنصري الواقع في دولة جنوب أفريقيا بين الأقلية البيضاء والأكثرية السوداء، وهي قضية شغلت حيزاً كبيراً من تاريخ البلاد وسياستها ومسيرتها نحو المزيد من الديمقراطية.

ومع تطور الأحداث وتزايد النزاعات الاجتماعية والانشقاقات الطبقية، يتحول الإيفاء بالوعد إلى أمر صعب وخطر وشبه مستحيل. فهل تفي العائلة البيضاء بالوعد المعطى للخادمة السوداء؟ وهل تعطي عائلة الخادمة بيتاً وأرضاً؟ وهل يتحقق الوعد في النهاية؟

 وجدت لجنة تحكيم الجائزة أن أسلوب كتابة هذه الرواية شكل ظاهرة جميلة وجديدة، وهو أسلوب يقترب كثيراً من أسلوب وليم فوكنر وفيرجينيا وولف وجايمس جويس، وهم الكتاب المفضلون لدى الكاتب غالغت باعتراف منه. بالإضافة إلى ذلك، وظف الكاتب ضمير المتكلم "أنا" وضمير الغائب "هو"، لنقل الأحداث، رغبةً منه في جعل السرد يتأرجح بين القريب والبعيد، ككاميرا تقترب من الشخصية ومن مشاعرها وأفكارها لتعود فتبتعد وتلتقط المشهد بأسره.

رواية مرور الوقت

يجد دايمون غالغت أن النهايات السعيدة هي نهايات مريبة، فالحياة ليست سهلة ولا واضحة، ولا شيء يحصل كما يجب أن يحصل، ويؤكد أنه وضع الوقت ومروره في صلب عمله، فهو أراد أن يظهر ثقل السنوات ومرورها على الإنسان وما تخلفه من آثار وجروح. يقول في مقابلة حول روايته "مضي الوقت هو ما جذبني ودفعني إلى الكتابة، قضية الوقت ومروره هي القضية المحورية في نصي. أردت أن أبني نصي حول أربع جنازات تكثف الأحداث من دون ملء الثغرات بينها سوى بما هو ضروري. من هذا المنطلق اخترت أن تقع الجنازات الأربع في عقود مختلفة لتشكل قفزات زمنية مثيرة وشيقة بما تحمله من تفاصيل عن السياسة وأيضاً عن حيوات الناس".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة