Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جمعية الرفق بالإنسان والأرض!

أثناء متابعتي مؤتمر روما ثم غلاسكو للمناخ تلبسني الملل وكنت قلقاً

نشطاء بيئيون يحتجون ضد مجلس الإشراف البحري على هامش قمة المناخ في غلاسكو (أ ب)

1-

تابعت المؤتمرين الدوليين، في روما واسكتلندا، بلا مبالاة، ولم أكن أنتظر منهما شيئاً، كالعادة كلما كان العالم يحترق، يغص بالمؤتمرات. ومن جو اللامبالاة والفتور هذا، انحرفت إلى الذاكرة، ربما هرباً وربما اتقاءً أيضاً، من جور هذه الأيام.

الخوف من النار، هاجس كل فرد في الحي، حيث ولدت، الذي يتكون أكثره من أكواخ صفيح وخشب، والخوف من النار هاجس، لأنه قرب غابة الأشجار الميتة، تقع جبانة السيارات، هذه الجبانة مسورة، لكنها تحتوي على ما جمعه، أحد أثرياء الحرب، من بقايا هذه الحرب، سيارات، وحديد من أصناف مختلفة، من بينها قنابل متفجرة، لكن ثمة قنابل لم تُفجر وطالها الصدأ، وقد تفجر بعضها في أطفال ورجال، كانوا يحاولون فكها، للحصول على ما فيها من نحاس.

أما غابة الأشجار الميتة، فإنها زوادة فقراء الحي، الرايس كان يمنحهم، حاجتهم من حطبها، متذرعاً بأنها صدقة، غير أنه في حقيقة الأمر، كان ما يمنحه، بمثابة الحارس من السطو عليها، كان الفقراء جميعاً، يتحلون بروح حارس الغابة، يذودون عن زوادتهم، ما لم تكن العطية أثمن.

2-

اعتاد أبي في صباي، أن يزج بي، أوان العطلة المدرسية، في ورشة عمل ما، مثل ورشة نجارة، ورشة حدادة، معمل زجاج. في ظنه أني أتعلم، لأتقي قادم الأيام، وفي ذات الأيام، لا أضيع الوقت مع الصبية، كنت أول أبنائه، والكبير عليه حمل، ما تحمله الأقدار. هكذا وجدت نفسي، يوم نلت الشهادة الإعدادية، الرجل من عليه أن يقرر مصيره، فتقدمت مع زملاء طلبة، للعمل الصيفي، ما كان مشروع الدولة في السبعينيات، وحصلت على وساطة، للعمل في حقل بترول، بعمق الصحراء الليبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يا للمفاجأة، في الصحراء الليبية، في حقل بترول، لشركة "أجيب" الإيطالية، وضعنا مع العمالة الليبية في معسكر من أكواخ صفيح، "تريلات" ليس لها تكييف، في قلب الصيف، في قلب الصحراء الكبرى، كانت لنا مراوح صناعة هونغ كونغ. فيما معسكر العمالة الأجنبية، وجلها إيطالي، على عكس حالنا، ليس في التهوية وكفى، ولكن في كل شيء، من رغيف الخبز، حتى المنامة، فالمعاملة. لقد كنتُ في حال حيوان وأقل، في حقل بترول في بلادي.

أول مقالة كتبتها، بغرض نشرها، في الصحف الليبية، ما لم يحدث طبعاً، كتبتها في كراسة مدرسية في ذلك المعسكر، وذلك الزمان، تحت قيظ الصحراء الليبية، كان عنوانها وموضوعها: جمعية الرفق بالإنسان، وفحواها دعوة لتأسيس هكذا جمعية. ماذا لو كتبتها اليوم،  بالعنوان والغرض نفسيهما، أحورها لتكون: جمعية الرفق بالأرض والإنسان. بدل جمعية الأمم المتحدة، أو حتى بوجودها، وجمعية الرفق هذه، يكونها البشر لا أعداء البشرية، من أوصلوا كوكب الأرض إلى حالة مزرية، جعلت الأمين العام للأمم المتحدة، في مؤتمر غلاسكو، يعلن مكنة دمار الأرض وفناء البشرية.

3-

أثناء متابعتي لمؤتمر روما، ثم مؤتمرغلاسكو للمناخ، تلبّسني الملل، وكنت قلقاً، في زعم المتنبي: فما حاولت في أرض مقام/ ولا أزمعت عن أرض زولا، على قلق كأن الريح تحتي/ أوجهها جنوباً أو شمالاً. فما كنت المتنبي لأوجه الريح، فكان مقامي، أن أوجه محطات التلفاز، وأنا أقلبها وأقلب حالي، أقلب حال العالم. في محطة عراقية، شاهدت ويشهد الله وجهاً جميلاً. تمترست، فإذا بها، مسؤولة عراقية عن الهجرة، كنت في مقام المتأمل، مما قالت: إنها عملت من أجل نقل مهجرين، وإعادتهم إلى موطنهم، حيث وفرت لهم المقام الكريم والأفضل. وكان عملاً دؤوباً وناجحاً لأشهر، وساعة بدأت في نقل المهاجرين، فُوجئتْ كما ذُهلتُ، بتعليمات من الأعلى، أن اتركي المهاجرين في حالهم، في معسكرهم وخيامهم، وحالهم الرث.

ليس المقام، مقامات عراقية، ولا قدود حلبية، مقامات العالم الساعة، لكنها مقام رأس المال: الكوارث، ما هي رأس مال السياسي، كما هي رأسمالية الكوارث. في عصر الليبرالية المتوحشة، حيث ليست الغاية، ميكافيلية فحسب، بل وداعشية. هذا هو التقدم البشري، منذ ناغازاكي وهيروشيما، حتى كورونا. أن السبيل للتطور الاستنزاف، وأن من لا يتبع هكذا طريقة: يكون دود الأرض، من المهجرين، من يجب تركهم لحالهم الرث، أو اعتبارهم مهاجرين غير شرعيين، وما شابه ذلك من اصطلاحات، ووسم.

أكتب هذا وأقلب المحطات، وقد صدرت تصريحات وبيانات عن المؤتمرين، وما فيهما لم يغير من حالي قيد أنملة، لكن شدتني قهقهة سمعتها، في حجم ثقب الأوزون، من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب: "بايدن نام، خلال مؤتمر المناخ، في غلاسكو الاسكتلندية، لأنه لا يؤمن، في الحقيقة، بقضية التغيرات المناخية". ولعل عدم تعليقه، حول تغيب الرئيسين الصيني والروسي، عن غلاسكو، لأنه يعتبره يناصر موقفه.

المزيد من آراء