Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حراك الثقافة السعودية يطرق أبواب "نوبل"

حصلت إحدى دور نشرها الحديثة على حقوق حصرية لترجمة أعمال الفائز بالجائزة السويدية "عبدالرزاق قرنح"

استحوذت دار أثر السعودية بحقوق ترجمة جميع أعمال الروائي عبد الرزاق قرنح الفائز بجائزة نوبل للآداب 2021  (اندبندنت عربية) 

لا تزال القطاعات الثقافية في السعودية حديثة النشأة، إلا أن الحراك الذي أحدثته في السياق العربي والعالمي جعلها تثير اهتمام المنشغلين بقطاع التراث والأدب والترجمة والآثار في بلدان عدة.

غير أن ذلك لم يكن وليد الصدفة، إذ وضعت البلاد الثقافة في صميم رؤيتها 2030 التي انطلقت قبل بضع سنين، وأصبحت برامجها تسابق الخطى أيها يترجم واقعاً ملموساً أسرع. في هذا السياق، جاءت مبادرات وزارة الثقافة السعودية لتنشيط القطاع بما في ذلك "الترجمة" التي شهدت أخيراً تشكيل أول جمعية لها بقرار وزاري، وقالت إنها تستهدف أن تكون "منظومة مهنية وطنية رائدة في مجال الترجمة وتأهيل المترجمين وفق المعايير والممارسات العالمية".

لكن قبل الجمعية التي لا تزال في طور ما بعد التأسيس، أطلقت "هيئة الأدب والنشر والترجمة" في السعودية مبادرة "ترجم" التي استهدفت تشجيع الحراك الترجمي في البلاد عبر "دعم مقوماته الأساس من دور النشر والمترجمين السعوديين، وفق آلية تضمن تنفيذ مواد مترجمة عالية المستوى، وتؤكد دور المملكة الريادي في خدمة الثقافة العربية"، وهي مبادرة أشبه بمنحة تقدم لدور النشر السعودية التي سارعت إلى التقديم منذ مايو (أيار) الماضي، مما أثمر نتائج غير مسبوقة في السوق المحلية الثقافية، بدأت بترجمة دار مثل "المعنى" وحدها 30 عنواناً في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أقيم مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

مفاوضات شاقة

طموح الثقافة السعودية لم يتوقف عند هذا الحد، فمع أن قطاع النشر والترجمة لم يكن بمثل نشاط الاكتشافات الأثرية التي أبهرت العالم شمال غربي البلاد، إلا أنه هو الآخر بدأ في مغازلة العالمية عبر طرق أبواب جائزة "نوبل" هذه المرة، من خلال خوض إحدى دور النشر السعودية المغمورة وتدعى "أثر"، مفاوضات وصفتها بالشاقة للفوز بحقوق "ترجمة حصرية" لكل أعمال الفائز بفرع الآداب من "نوبل" عبدالفتاح قرنح إلى العربية.

وقال مؤسس الدار عبدالله الغبين في تغريدة له عبر "تويتر"، إنه "بعد مفاوضات صعبة نجح فريق دار أثر في الحصول على حقوق ترجمة أعمال الكاتب التنزاني الفائز بجائزة نوبل 2021 عبدالرزاق قرنح. أحب أن أقدم شكراً خاصاً لهذا الفريق الرائع الذي يبذل جهوداً عظيمة ويعمل بصمت".

ولدى سؤاله عن تفاصيل الصفقة وما إذا كانت ذات حدود جغرافية مثل السعودية والخليج، من دون بقية الأقاليم العربية الأخرى، رفض الغبين الإجابة، لكن الوكالة الأدبية للمؤلف "آر سي دبليو"، أفادت "اندبندنت عربية" قائلة، "يسعدني أن أبلغكم أننا قمنا الآن ببيع الحقوق العربية لجميع رواياته إلى دار الأثر في الرياض"، لكنها هي الأخرى لم ترغب الخوض في الأسباب التي دفعتها إلى اختيار الدار السعودية حديثة النشأة، وليس غيرها من نظيراتها السعودية والعربية ذات التاريخ العريق في النشر والترجمة.

وقال المسؤول فيها ستيفن "أنا أعتذر. لقد كان وقتاً مزدحماً للغاية مع أخبار جائزة نوبل ومعرض فرانكفورت للكتاب، لذلك ليس لدي الوقت للرد على استفسارات الصحافة الفردية. لا تتردد في الاتصال بناشري السيد قرنح العرب".

منح لدعم الترجمة

ولدى سؤال "اندبندنت عربية" رئيس هيئة الأدب والترجمة، الروائي السعودي المعروف محمد حسن علوان عما يمثله حصول دار سعودية على حقوق ترجمة حصرية لفائز بجائزة نوبل، لفت إلى أن "الهيئة لا تتدخل في عمليات الناشرين وصفقاتهم"، بيد أن الهيئة أكدت أنها تستهدف من مباردة "ترجم" إثراء المحتوى العربي بالمواد المترجمة ذات القيمة العالية من مختلف اللغات، وتقديم المحتوى السعودي إلى العالم بأفضل صورة، وتعزيز مكانة المملكة الدولية، إضافة إلى تمكين المترجمين السعوديين ودعم حركة التأليف والنشر في المملكة بترجمة الأعمال المميزة.

وقالت الهيئة على موقعها الرسمي، إن قطاع الترجمة فيها جاء "لیكون منافساً إقلیمیاً وعالمیاً ویصبح رائداً على المستوى العربي، ویسھم في تعزیز التبادل الثقافي ویتمكن من نقل سیاقات المحتوى بلغات عدة، وبما یخدم المتلقي في جمیع أنحاء العالم، وذلك إثر الاھتمام المتزاید حول اكتشاف وتلقي الثقافة السعودیة وإنتاجاتھا".

وفي وقت علمت فيه "اندبندنت عربية" أن الفائز بجائزة نوبل قرنح بين المدعوين لحضور معرض الشارقة للكتاب الذي انطلق الأربعاء الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، لا تزال الحفاوة بفوزه تتواصل بين شخصيات ثقافية يمنية وشعبية، خصوصاً من الجنوب الذي جعل الباحثون فيه يتوسعون في توثيق أصول الكاتب التنزاني الذي هاجر مع أسرته إلى زنجبار قبل أن يشد هو عصا الترحال إلى لندن التي وصفها في مقابلة له مع "فايننشال تايمز" بأنها والبريطانيين "لم يتركوا أي شخص في سلام أبداً، واستخرجوا كل شيء جيد من الجميع".

الثقافات المغيبة

ومع أن أعمال الأديب ذي الأصول العربية لم تثر اهتمام أي من الناشرين العرب قبل فوزه بجائزة "نوبل"، إلا أنه فور ذيوع خبره الذي ظنه أول الأمر مزحة، طفقت الدور من كل أنحاء العالم تتنافس أيها تظفر بحقوق ترجمة إصداراته إلى أكثر من 19 لغة، وهي أعمال تجاوزت "10 إصدارات" أشهرها "الجنة وما بعد الموت" وجميعها باللغة الإنجليزية، مما يرجح أنه سيعجل بنزولها إلى الأسواق بفضل وفرة المترجمين العرب من الإنجليزية وإليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم تكن دار "أثر" التي استحوذت على حقوق ترجمة قرنح العربية جديدة على مجال نقل الأعمال الإبداعية من اللغات الأخرى إلى لغة الضاد، إذ على الرغم من حداثة تجربتها فإنها كما قالت عن نفسها عمدت قبل قرنح إلى "طرق أبواب الثقافات المغيبة عن وعي القارئ العربي في دول لا ترد منها كثير من الإصدارات، فقدمت للمرة الأواستحوذتلى روائيين عظماء من صربيا وبلغاريا وغيرها"، وعملت على اكتشاف المواهب الكتابية في التأليف والترجمة وتقديمها إلى الساحة العربية، وهذا ما يُعد بحسب قولها "في عرف عالم الكتب مقامرة جريئة، لأن نجاح أي مؤلف قد يكون مرهوناً بشعبية كاتبه أو مترجمه، فكسرت بذلك أثر القالب".

لماذا غاب قبل "نوبل"؟

لكن لماذا لم يهتم أحد من الناشرين العرب بمن فيهم "أثر" بالنجم الجديد قبل أن يفوز بنوبل؟ يحاول رئيس مجلس إدارة جمعية الترجمة في السعودية محمد البركاتي تفسير ذلك بالقول، "ربما السبب هو أن الإعلام الجديد لم يمنح عبدالرزاق وغيره من المجيدين حقهم في الشهرة، وكما تعلم فإن الذائقة العربية التي نحن جزء منها بطبيعة الحال موجهة اليوم بالإعلام الجديد، وربما ضعف الاطلاع على الأدب العالمي غير المترجم إلى اللغة العربية، ولعل هذا يدق ناقوساً للمبدعين لتحديث أدواتهم للوصول إلى القارئ".

 

مع ذلك  فإن المثقفين السعوديين والعرب ليسوا الوحيدين الذين فوجؤوا بقرنح، فحتى بريطانيا مقر إقامته ونشر إبداعاته كان فيها مغموراً نسبياً، فلم يتحقق له الفوز بجائزة "البوكر" فيها على الرغم من ترشحه لها مرات عدة، وترؤسه إحدى لجانها ذات مرة، فضلاً عن بقية الدول واللغات، لكن الأمر تغير بعد أن أهدت الجائزة النجومية للأديب السبعيني على غير انتظار وتوقع، ليرد بذلك بعضاً من الاعتبار لزميله في المهنة والقارة الراحل "الطيب صالح"، الذي رأى كتاب عرب أنه أحق بـ "نوبل" بوصفه خير من عالج موضوع "الهجرة إلى الشمال"، إلا أن وضع أعماله بالعربية ربما كان له بعض الذنب في عدم لفت نظر الجائزة السويدية التي اتهمت مرات عدة بتحيزها، خصوصاً في الفروع السياسية والأدبية بشكل أقل، وإن كان شخصاً عربياً مثل أدونيس لا يزال عدم فوزه بـ "نوبل" حتى الآن بالنسبة إلى البعض غير مفهوم.

"يعني الكثير"

أما بالنسبة إلى ما يعنيه حصول دار سعودية على حقوق ترجمة فائز بـ "نوبل" في خطوة هي الأولى من نوعها، يرى البركاتي أن ذلك "يعني الكثير، فهو يدل على التمكين الذي حصلت عليه هذه الدور السعودية من لدن حكومة المملكة، مما جعلها تكتسب هذه الثقة العالمية للحصول على حقوق ترجمة أعمال بهذا المستوى العالمي العالي"، كما اعتبر أنه أيضاً يدل على جهوزية تلك الدور للقيام بدورها على الرغم من حداثة نشأتها.

وأضاف، "هذا إعلان قوي للعالم بأن الرهان على الناشر والمثقف السعوديين خلال الفترة الحالية قوي، وأظنه في الفترة المقبلة سيكون الخيل الرابحة في المجتمع الثقافي الدولي، وستحقق سوق النشر السعودية والترجمة رواجاً".

وينتقد على سوق الترجمة عربياً اتسامها بشيء من الارتجالية والافتقار إلى الجودة، إلا أن الناشط السعودي في تلك السوق منذ وقت مبكر بدا واثقاً من أن "تضافر الجهود بين الجهات المعنية في الرياض، الإشرافية والتنظيمية والأكاديمية والتعليمية، لإعداد وتدريب مترجمين متخصصين أكفاء، من شأنه أن يجعل المنافسة في المرحلة المقبلة في أوجها، وسيظل البقاء للأكثر إبداعاً والأفضل إعداداً، ومن لديه مقومات النجاح الضرورية".

وكانت هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية أعلنت في الـ 15 من سبتمبر (أيلول) الماضي اعتماد سبعة وكلاء أدبيين سعوديين ضمن مبادرتها "الوكيل الأدبي"، والرامية إلى الترخيص للوكلاء الأدبيين ليكونوا ممثلين للكتاب والمؤلفين، للعب دور الوسيط بينهم وبين الجهات المستفيدة من نتاجهم الفكري، مثل دور النشر أو شركات الإنتاج السينمائي أو التلفزيوني أو الموسيقي أو الإعلاني وخلافها.

تجربة "الوكيل الأدبي"

واعتمدت كلاً من إبراهيم بن هادي اليامي وسليمان بن عواض الرحيلي وجبير بن مفضي المليحان وتغريد بنت محمد العتيبي ومحمد بن علي اليامي وحاتم بن علي الشهري وعبدالله بن عيسى البطيان، ليباشروا نشاطهم في القطاع وفق مهمات تمثلت في خدمة المؤلف بعرض نتاجه على دور النشر، ومساعدته في اختيار دار النشر الأنسب، وتقديم النصح والمشورة له في ما يتعلق بحقوقه التعاقدية ومصالحه المادية والمعنوية، والتفاوض مع دور النشر حول خطط نشر الكتب وتوزيعها وتسويقها بما يحفظ حقوق المؤلف ويحقق مصلحته، وتسويق نتاج المؤلف باللغات الأخرى وللإنتاج التلفزيوني أو السينمائي أو الإعلاني وغيرها، إضافة إلى متابعة تقارير المبيعات والتوزيع والتسويق بشكل دوري واتخاذ القرارات بشأنها.

واعتبرت الهيئة التابعة لوزارة الثقافة الطموحة في البلاد أن مبادرتها المذكورة (الوكيل الأدبي) الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي، سعياً منها إلى الارتقاء بصناعة النشر المحلية عبر تطوير نموذج الأعمال في القطاع، وتقريب وجهات النظر بين المؤلفين ودور النشر وحل الخلافات الطارئة بينهما، واكتشاف المواهب الجديدة وتقديمها إلى الساحة الأدبية بصورة تليق بها وتمكنها من إنتاج أدبي مميز، وغيرها من المميزات التي ستثمر عن بيئة مثالية تسمح للمؤلفين بالتركيز على إنتاجاهم الإبداعي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة