أغلقت مؤشرات الأسهم الرئيسة في السوق الأميركية بنهاية تعاملات أمس الأربعاء على ارتفاع بعد قرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي بدء خفض برنامج شراء الأصول، كما كان متوقعاً. وأضاف مؤشر "أس أند بي" للشركات الكبرى نصف نقطة مئوية، بينما ارتفع مؤشر "داو جونز" للشركات الصناعية بنسبة 0.3 في المئة. وكان مؤشر "ناسداك" لشركات التكنولوجيا في المقدمة ارتفاعاً بما يقارب نقطة مئوية (0.8 في المئة).
ذلك على الرغم من أن سوق السندات شهدت ارتفاعاً في العائد على سندات الخزينة وصل إلى نسبة 1.6 في المئة، ما يعني انخفاض أسعار السندات (التي تتناسب عكسياً مع العائد). لكن الأسواق اهتمت أكثر بإشارات الاحتياطي الفيدرالي الواضحة بشأن أسعار الفائدة، أكثر من تأثرها بقرار بدء خفض شراء البنك السندات.
وأبقى الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة من دون تغيير في نطاق من صفر إلى 0.25 في المئة، بينما أعلن أنه سيبدأ خفض شراء السندات بمقدار 15 مليار دولار شهرياً، بدءاً من هذا الشهر وفي الشهر المقبل. وكان البنك بدأ برنامج شراء الأصول في مارس (آذار) من العام الماضي لدعم وتحفيز الاقتصاد في مواجهة أزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19). ويشتري البنك سندات بقيمة 120 مليار دولار، أغلبها سندات خزينة.
وعلى الرغم من أن بعض المعلقين سارعوا إلى اعتبار أن قرار التخفيض لبرنامج شراء الأصول لم يرقَ إلى مستوى التوقعات من حيث الحجم، فإن ذلك انعكس على سوق السندات بارتفاع العائد على سندات الخزينة قليلاً.
إشارات الاحتياطي
كرر بيان الاحتياطي الفيدرالي المصاحب لإعلان قرار خفض التحفيز الكمي الإشارات المتكررة من مسؤولي البنك على مدى الأشهر الماضية بأن ارتفاع معدلات التضخم هو "مسألة انتقالية" وليس مستداماً. لكنه في الوقت نفسه أكد أن البنك مستعد لتغيير سياسته إذا استمرت معدلات التضخم في الارتفاع لفترة أطول وبدت غير مؤقتة.
وجاء في بيان البنك أن "التضخم مرتفع. يعكس ذلك عدة عوامل أغلبها عوامل مؤقتة. فقد أسهم الاختلال في جانبي العرض والطلب نتيجة الوباء ثم إعادة فتح الاقتصاد في ارتفاع الأسعار بقدر كبير في بعض القطاعات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في المؤتمر الصحافي الذي أعقب بيان البنك، أشار بوضوح إلى أنه لا يخشى من "غليان الأجور"، الذي ربما يجعل التضخم أعلى وأكثر بقاءً. وأوضح أن سوق العمل لا تزال أمامها وقت كي تصبح في وضع جيد تماماً، على الرغم من تحسن أداء الاقتصاد ومعدلات النمو القوية.
وفي إشارة عالية الوضوح للأسواق، قال جيروم باول إن "قرارنا اليوم ببدء خفض حجم شراء الأصول لا يعني أي إشارة من قريب أو بعيد فيما يتعلق بسياستنا حول أسعار الفائدة. إننا نواصل العمل على أساس اختبارات مختلفة تماماً وأكثر صرامة للوضع الاقتصادي يتعين علينا اجتيازها قبل رفع سعر الفائدة".
واعتبر باول أن من أهم العوامل التي تجعل معدلات التضخم مرتفعة بشكل انتقالي ما يعانيه العالم من مشاكل في سلاسل التوريد. وأضاف "من الصعب التنبؤ بمدى استمرار الضغوط من قبل سلاسل التوريد وتأثيرها في التضخم. فسلاسل التوريد العالمية أمر في غاية التعقيد. ستعود للعمل على طبيعتها، لكن موعد عودتها تلك يظل غير محدد بشكل كبير".
سعر الفائدة
ونتيجة تلك الإشارات المتعلقة باحتمال عدم تسريع البنك المركزي الأميركي برفع سعر الفائدة، انخفض سعر صرف الدولار الأربعاء أمام العملات الرئيسة في العالم، بخاصة أن معدل خفض حجم شراء الأصول الذي أعلن عنه يعني أن البنك لن يوقف برنامج التيسير الكمي إلا قرب نهاية عام 2022. وذلك هو الموعد المقدر مسبقاً ليبدأ فيه الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية برفع سعر الفائدة.
ويقارن كثير من المحللين بين قرار تخفيض التحفيز النقدي هذه المرة بعد أزمة وباء كورونا وقرار مماثل عام 2014. وكان الاحتياطي الفيدرالي بدأ في ذلك العام برنامجاً مماثلاً لشراء سندات شهرياً بقيمة 85 مليار دولار لدعم الاقتصاد الذي تضرر بشدة من الأزمة المالية العالمية في 2008-2009.
وبينما واصلت البنوك المركزية في اقتصادات رئيسة مثل أوروبا واليابان وغيرها برامج التحفيز النقدي، أعلن الاحتياطي الفيدرالي وقف برنامجه في العام نفسه. أما هذه المرة، فإن الواضح أن البنوك المركزية في أغلب الدول الرئيسة تواجه مشكلة ارتفاع معدلات التضخم وقد تبدأ في تشديد سياستها النقدية بخطى أسرع من الاحتياطي الفيدرالي.
كما أن الاحتياطي بدأ منذ أشهر تحضير الأسواق لقراره بخفض برنامج شراء الأصول، كما أعلن عن الخفض على مدى عدة أشهر لتفادي إحداث اضطراب في الأسواق.