Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة السياسية في السودان تتسبب بـ"فوضى الأسعار"

حركة تجارية بطيئة وشح في السيولة مع دعوات العصيان والإضراب العام وتحذيرات من آثار اقتصادية مدمرة في ظل استمرار المشكلة

أرخت الأزمة السياسية المتفاقمة الناتجة من الإجراءات الأخيرة التي اتّخذها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة، بإعلان حال الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء وتعليق عدد من مواد الوثيقة الدستورية المتعلقة بالشراكة مع "قوى إعلان الحرية والتغيير"، واعتقال عدد من وزراء الحكومة والقيادات السياسية، بظلالها على الوضع الاقتصادي والمعيشي على المستويات كافة، خصوصاً في ظل دعوات الإضراب والعصيان المدني من قبل نقابات واتحادات عدة وأجسام مهنية مناهضة لتلك القرارات التي اعتبرتها انقلاباً عسكرياً على الحكومة المدنية.

ونتيجة لإغلاق الجسور الرابطة بين الخرطوم ومدن العاصمة الأخرى وقطع أوصال الشوارع الداخلية بأكوام الحجارة والإطارات المشتعلة في كل من أمدرمان وبحري وأحياء الخرطوم نفسها على مدار الأيام السابقة، بدت الأنشطة التجارية عقب فتح الجسور صباح الثلاثاء 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي هادئة وكسولة متثاقلة على غير وضعها الطبيعي وحالتها المعهودة، لا سيما في قلب الخرطوم معقل النشاط التجاري وعاصمة البلاد، في وقت تشهد الأسواق فوضى ضاربة في أسعار معظم السلع الضرورية، واختفاء وظهور مفاجئ لبعضها بأثمان خيالية، في ظل الغياب التام لأي رقابة أو متابعة حكومية ملموسة تذكر.

هدوء وتحذيرات

وأرجع متخصصون ومتابعون الهدوء غير المعهود لشوارع الخرطوم وحركتها التجارية إلى حالة الترقب والتوجس التي تسود القطاعات الاقتصادية، في انتظار ما ستسفر عنه المشاورات السياسية القائمة بشأن تشكيل الحكومة المرتقبة، وإلى دعوات الإضراب والعصيان المدني التي كان لها أيضاً أثرها الواضح في حركة المحال التجارية المفتوحة على نحو محدود.

في الأثناء، حذر المتخصصون من أن طول أمد الأزمة السياسية الراهنة وما تسببت به من شلل اقتصادي، ستكون لهما انعكاساتهما السالبة العميقة على مجمل النشاط الإنتاجي الاقتصادي السوداني، الذي يعيش أصلاً كساداً وتضخماً تراكمياً قد يتفاقم إلى كساد تام يقود إلى الانهيار.

أوضح الاقتصادي عبد العظيم سليمان المهل أن عدم الاستقرار السياسي سيقود بالضرورة إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، خصوصاً في ظل الشلل الذي يعيشه القطاعان العام والخاص بسبب الإجراءات والأحداث الأخيرة وضبابية الرؤية بالنسبة إلى الوضع السياسي، فضلاً عن إغلاق معظم الشوارع والجسور الداخلية الرابطة بين مدن العاصمة الثلاث، والإقفال الذي استمر طويلاً لميناء بورتسودان في شرق البلاد، ما خلق ندرة في السلع دفعت عدداً من التجار إلى استغلال الوضع والتوقف عن البيع والاحتكار، مستغلين الارتفاع المستمر للأسعار.

ويشير إلى أنه على الرغم من الاتفاق الذي تم مع مجلس نظارات البجا والإعلان عن فتح الميناء لمدة شهر بينما يجري التعامل مع مطالبهم، لكن الأسعار لم تشهد انخفاضاً ملموساً بشكل يوازي ما كانت عليه في السابق أي  قبل الإغلاق، لأن ندرة السلع أحدثت فوضى في الأسواق، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية اليومية الكبيرة التي يتكبدها كل من المواطن المستهلك والدولة والقطاع الخاص.

ويضيف المتخصص الاقتصادي، "الإضراب الذي تشهده مصارف عدة نتيجة إعلان اتحاد المصارف العصيان المدني، والذي استجابت له مصارف كثيرة معظمها من القطاع العام، فضلاً عن توقف بعض المصارف لمخاوف أمنية، يضفي على الوضع المتأزم تعقيدات جديدة، نتيجة ظهور مشكلة توافر السيولة النقدية، وأصبح معظم التعاملات عبر التطبيقات البنكية الإلكترونية.

ويتابع "كما يبدو أن هناك إشكالية حقيقية حول مصير موازنة الدولة لعام 2022 التي لم تتضح ملامحها حتى الآن، بينما العام المالي يشارف على نهاياته، فضلاً عن التهديد الحقيقي الذي تواجهه نتيجة إعلان تجميد المعونات من المجتمع الدولي، ما يحتم سرعة الوصول إلى اتفاق سياسي يجنب الوضع الاقتصادي الانزلاق، بالتالي نكون أمام تأزم أكبر وأخطر يضع البلاد في مواجهة انهيار مباشر، يدفع ثمنه المواطن الذي وصل إلى مرحلة الصعوبة في إمكانية توفير أكله وشربه وتنقلاته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شلل الإنترنت

وعلى الصعيد ذاته، أوضح رجل الأعمال مصطفى الضو، الذي يزاول نشاطه في مجال السفر والسياحة والتعاقدات الخارجية من قلب الخرطوم، أن نسبة حركة النشاط التجاري في السوق خلال يوم الاثنين لا تتجاوز 50 في المئة، إذ لم يفتح حوالى نصف المحال التجارية أبوابه، كما أن بعض المصارف مغلق وبعضها القليل مفتوح بسبب العصيان المعلن من الاتحاد العام للمصارف.

ويشير الضو إلى أن استمرار انقطاع خدمة الإنترنت تسبب أيضاً في شلل كامل لمعظم الأنشطة المرتبطة بها، خصوصاً خدمات الأونلاين التي توقفت تماماً عن العمل.

من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي والأكاديمي محمد الناير أن الانفراج النسبي الذي حدث في شرق السودان، سيكون له انعكاسه الإيجابي على الوضع الاقتصادي من خلال انسياب السلع الضرورية، بعدما استغل التجار الإغلاق ورفعوا أثمان السلع الضرورية كالسكر والدقيق بصورة غير مسبوقة، كما ظهر الاحتكار والمغالاة في فرض أسعار غير حقيقية.

ويردف، "المشهد السياسي الضبابي وغير الواضح حتى اليوم ومبارحة الأزمة محلها، كلها عوامل ستلقي بظلالها على الواقع الاقتصادي إلى حين التوافق على تشكيل الحكومة المدنية الجديدة، لا سيما أن الاقتصاد لا يزال يعاني من الركود التضخمي أو حالة من الكساد، ما يؤدي إلى تفاقم أوضاعه كلما طالت الأزمة السياسية الحالية.

المواطن الضحية

واعتبر الناير أن الحضور الضعيف في دواوين الحكومة ليس مرتبطاً فقط بالدعوة إلى العصيان المدني المعلن، بل هو موجود أصلاً بسبب ضعف الرواتب، لكن الحكومة ظلت تغض النظر عن ذلك منذ بداية أزمة جائحة كورونا.

ويتابع "لا يتجاوز راتب الموظف الكبير في الدولة مبلغ 30 ألف جنيه سوداني، ما يعادل حوالى 67 دولاراً، وهو مبلغ لا يكاد يكفي مصاريف المواصلات اليومية ذهاباً وإياباً، ناهيك عن الحاجات الأخرى له ولأفراد أسرته"، مرجحاً "استمرار هذه الظاهرة ما دامت رواتب الموظفين لا تكفي حتى لتأمين الحد الأدنى من ضروريات الحياة".

ويؤكد الخبير الاقتصادي أن أي إجراءات تتخذها الحكومة في شأن ضبط حضور الموظفين الحكوميين، لن تكون مجدية في ظل الرواتب الضعيفة حالياً، داعياً إلى ضرورة تعديل تلك الرواتب لتكون مشجعة ومحفزة.

ويشير إلى أن انفراج الأزمة السياسية على نحو مرضٍ، من خلال تشكيل حكومة ترضي الجميع وإكمال مؤسسات الفترة الانتقالية وعلى رأسها الحكومة المدنية (مجلس الوزراء) والمجلس التشريعي المراقب للأداء التنفيذي والمدافع عن قضايا الشعب على الرغم من كونه غير منتخب، ستكون له انعكاساته الإيجابية على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، بعدما أصبح المواطن السوداني ضحية الصراع السياسي الحالي، الذي هو ليس من أولوياته المتمثلة في الحصول على حاجات معيشته الضرورية.

وكان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، أعلن حال الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء وإعفاء ولاة الولايات ووكلاء الوزارات، وعلّق العمل بعدد من مواد الوثيقة الدستورية.

وقال البرهان في بيان متلفز إنه سيشكل مجلساً تشريعياً من شباب الانتفاضة، وحكومة كفاءات مستقلة (تكنوقراط)، مؤكداً في الوقت ذاته حرصه على الوصول بالفترة الانتقالية إلى نهاياتها بإجراء الانتخابات العامة في موعدها في يوليو (تموز) 2023.

لكن المواقف الدولية والإقليمية والتظاهرات والمواكب الجماهيرية الحاشدة التي خرجت في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي اتفقت كلها على رفض إجراءات القائد العام للجيش، واعتبرتها بمثابة انقلاب عسكري، مطالبة بالعودة إلى الحكم المدني، فيما لا تزال الوساطات والدعوات للحوار مستمرة للوصول إلى حل للأزمة.