تقول الصحافية خولة السليتي إن "حادثة رجل يتلصّص على مطعم خلال النهار لعله يظفر بصيد ويقبض على مفطر وكأنه إرهابي، في شهر رمضان، أشعرتني بالغثيان"، وتواصل خولة "تأكدت أنه يوجد في الدولة من يريد تنصيب شرطة أخلاقية في وقت تعيش تونس فترة تاريخية لإرساء دولة احترام الحريات الفردية والجماعية".
هذه ليست الحادثة الأولى بل تكررت حادثة القبض على مفطرين في عدد من المحافظات في تونس، ووصل الأمر هذه الأيام إلى حد إشهار رجل أمن سلاحه للتعريف بصفته بعد اقتحامه أحد المقاهي بمدينة صفاقس جنوب تونس.
الفكر الداعشي
وشبه الصحافي لسعد بن عاشور وزير الداخلية الحالي بالدواعش في ممارساته، من خلال ملاحقته المفطرين في المقاهي وسعيه اليومي إلى إغلاق تلك الفضاءات في تونس، وأضاف لسعد المعروف بدفاعه المستميت عن قضايا الحريات الفردية في تونس "هكذا هو الفكر الداعشي يُلغي ويعاقب ويُنكّل بكل مُختلف عنه، وزارة الداخلية بممارساتها الحالية هي وزارة "شريعة" وشرطة "نهي عن المنكر"، ولا نستغرب أن نرى أعوانها يتجولون بالسياط لجلد المفطرين، وزارة تعيش في القرون الوسطى حيث تنتهك خصوصيات الأشخاص والدستور وأبسط حقوق الإنسان وسط صمت المجتمع المدني والسياسيين"، وأنهى بن عاشور مستنكراً "عجبي من وزارة تريد محاربة الإرهاب بتلك العقلية".
تحت التهديد
ورداً على هذه الأحداث المتكررة أصدرت 10 جمعيات ومنظمات في تونس بياناً مشتركاً عبرت فيه عن عميق انشغالها إزاء ما سمّته "تواتر انتهاكات الحريات الفردية من قبل السلطات العمومية كل سنة مع حلول شهر الصيام حيث تُقتحم المقاهي من قبل رجال الأمن ويُقتاد روادها، تحت التهديد أحياناً إلى مراكز الشرطة".
ورأت الجمعيات في بيانها "أنه لا يمكن في دولة القانون والمؤسسات أن يتحول سلاح رجل الأمن المحمول بغاية حماية المواطنين والقانون إلى هوية تشهر في وجه أي مواطن"، وحمّلت مكونات المجتمع المدني المسؤولية لوزارة الداخلية، كما عبرت عن تضامنها المطلق مع كل أولئك الذين انتهكت حقوقهم الفردية في المقاهي والأماكن العمومية بسبب رفضهم الصوم، وأكدت وقوفها إلى جانبهم إذا ما قرروا اللجوء إلى العدالة".
المواثيق الدولية
كما ذكّرت السلطات التونسية، وأساساً وزارة الداخلية، بضرورة الالتزام بالمواثيق الدولية الضامنة لكل شخص حريته وحرية فكره ووجدانه ومعتقده، ودعت كذلك إلى احترام مبادئ دستور يناير 2014، الذي يضمن فصله السادس حرية المعتقد والضمير، ونبّهت إلى أن انتهاك الحقوق الفردية وفرض مظاهر الصوم على المواطنين وإغلاق المقاهي والمطاعم باسم الالتزام بمظاهر التدين، كجزء من الرياء الاجتماعي ومضايقة غير الصائمين ومحاسبتهم، هي ممارسات تتناقض كلياً مع أسس الدولة المدنية التي يسعون إلى إرسائها.
الداخلية تنفي
نفت وزارة الداخلية من جهتها، وجود حملات مداهمة للمقاهي والمطاعم المفتوحة نهاراً في شهر رمضان والتضييق على روّادها وملاحقتهم، واصفة ما يتداول في هذا الصدد بالمزاعم التي توحي بتعدي الوزارة على الحريات الشخصية والمس بالحقوق الفردية كحرية المعتقد وحرية الضمير.
وأوضحت الوزارة أن عمليات المداهمة صارت بعد تذمّر وامتعاض ساكني حي في محافظة القيروان التونسية جرّاء ما يصدر عن رواده من تصرفات ماسة بالأمن العام والسكينة العامة وليست له علاقة بالمفطرين، وشددت الوزارة على "أنها تعمل في إطار القانون واحترام حقوق الإنسان من دون المساس بالحريات الفردية المكفولة دستورياً ولاسيما حرية المعتقد والضمير".
ممارسات خطيرة
واللافت أن بلاغ الوزارة لم يتضمن أية إشارة إلى ممارسات خطيرة على غرار إشهار أمني سلاحه في وجه مواطن بمقهى بصفاقس فتح أبوابه للمفطرين. كما نفت النائبة عن حزب تحيا تونس الموالي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد صابرين قوبنطيني "أي حادثة لغلق المقاهي بسبب إفطار روادها"، وقالت قوبنطيني التي عرفت سابقاً بدفاعها عن الحريات الفردية إن الغلق بسبب مخالفة التراتيب والقوانين لا يعني أنه بسبب فتح المقهى أو المطعم في وقت الصيام".
لا وجود لقانون يعاقب المفطرين
ودفاعاً عن حقهم في رفض الصيام خلال شهر رمضان، أنشأت مجموعة من الشباب صفحة خاصة على فيسبوك يجهرون فيها إفطارهم ويوجهون الباحثين على أماكن يمكن الذهاب إليها لاحتساء قهوة أو للأكل، وقد جمعت الصفحة آلاف المعجبين الذين يناقشون فيها مواضيع ذات صلة بحرية المعتقد.
جدير بالذكر أنه مع دخول شهر رمضان يتجدد الجدل القائم حول قانونية إغلاق المقاهي والمطاعم من عدمها خلاله، ويقول رئيس جمعية المفكرين الأحرار حاتم الإمام في هذا الصدد "لا يوجد قانون ينظم عقوبات ضد مفطرين، بل هو اجتهاد من وزير الداخلية الذي استند إلى منشور وزاري مخالف للدستور"، وأضاف "المنشور يمثل تعدياً على الحريات الفردية ويتعارض مع الحياة الطبيعية للأفراد".
قرب الاستحقاقات
ويعود إغلاق المقاهي أبوابها في شهر رمضان، إلى منشور قديم يرجع إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي، في عهد رئيس الحكومة الأسبق محمد مزالي الذي ألغاه الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بعد إصداره بفترة قصيرة قبل أن يعيد نظام بن علي العمل به بعد 1987. من جهة أخرى، يرى مراقبون للوضع السياسي التونسي إن غالبية الأحزاب السياسية لم تدخل في هذا الجدل بسبب قرب الاستحقاقات الانتخابية خصوصاً إن موضوع الحريات الفردية والجماعية من المواضيع الحساسة التي تسبب ربما في نفور بعض الأصوات.