Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجموعة العشرين: نجاحات بالجملة للدول المنتجة والمستهلكة للنفط والفحم

الفقرة 29 من البيان الختامي نقضت كل ما قبلها وركزت على أمن الطاقة

دبلوماسية النفط والفحم أتت ثمارها وخفّضت من الضغوط الرسمية (أ ف ب)

استغرب بعض الصحافيين المحسوبين على الإعلام اليساري عدم تبنّي مجموعة العشرين في اجتماعها الذي عقد في روما منذ يومين، عام 2050 للوصول إلى الحياد الكربوني. إلا أن استغرابهم يدلّ على جهلهم: كيف تعلن دول أعضاء في مجموعة العشرين عن خططها للوصول إلى الحياد الكربوني عام 2060 مثل الصين والسعودية، ثم يتم التوقع أن التاريخ سيتغيّر فجأة إلى 2050؟ 

وفي الوقت الذي أوضحت وسائل الإعلام انزعاجها من عدم تبنّي القمة لقرارات حاسمة في نظرها لمحاربة التغيّر المناخي، تجاهلت موكب الرئيس الأميركي جو بايدن المكون من 85 سيارة ليموزين، والمعروفة باستهلاكها الكبير للبنزين. كما تجاهلت قدوم أكثر من 400 طائرة خاصة إلى غلاسكو لحضور مؤتمر "المناخ 26"، الذي يأتي مباشرة بعد انتهاء اجتماعات مجموعة العشرين. ومن قبلها، تجاهلت رحلات رئيس المؤتمر ألوك شارما الذي زار نحو 30 دولة خلال سبعة أشهر. وتناست الرحلات المكوكية لمبعوث بايدن للمناخ، جون كيري. 

وكثير من المشاركين في المؤتمر، بخاصة الشباب منهم، سيقومون بتصوير عشرات الآلاف من الصور والفيديوهات، التي ستنتهي في مراكز البيانات، المشهورة باستهلاكها الكبير للطاقة. وبحسب خليط مصادر الطاقة حالياً، فإنه سينتج من تخزين هذه الصورة والفيديوهات انبعاثات كربون إضافية! 

وكانت إدارة المؤتمر قد قررت نقل المشاركين في سيارة كهربائية من شركة "رينج روفر"، كونها شريكة في المؤتمر وأحد رعاته. إلا أن مدينة غلاسكو ليست فيها شواحن كافية للسيارات الكهربائية، فقررت إدارة المؤتمرات استخدام مولدات كهرباء تعمل بالديزل الحيوي، تفادياً لاستعمال الديزل الهيدروكربوني المعروف. وهنا تكمن مشكلتان تجاهلهما الإعلام. الأولى، أن الوقود الحيوي يأتي من نباتات استخدمت السماد المصنوع من مواد نفطية وغازية، وتمت زراعتها وحصدها ونقلها بآليات تستعمل الديزل المعروف، والأنكى من ذلك أنه تم استيراده من خارج بريطانيا، وهذا يعني أنه شُحن باستخدام النفط. الثانية، أن قادة العالم ورؤساء الوفود، ولأسباب أمنية مختلفة، تتضمن الأمن السيبراني، سيتسخدمون سياراتهم الخاصة، التي غالباً تسير على البنزين والديزل، ولن يستخدموا سيارات المؤتمر.  

نجاحات بالجملة لدول النفط والفحم

جزء كبير مما نشر في البيان الختامي لقمة العشرين في ما يتعلق بالطاقة والمناخ تم الاتفاق عليه سابقاً أثناء اجتماع وزارة الطاقة والبيئة لمجموعة العشرين منذ ثلاثة أشهر تقريباً. ذلك الاجتماع، والآن الاتفاق الذي أعلن عنه يوم الأحد، يوضح أن السعودية وروسيا قدّمتا خدمة كبيرة للدول النفطية الأعضاء في "أوبك+" وخارجها، بحيث تم تحييد النفط من العداء وجعل الفحم في المقدمة. ومع أنه من الطبيعي أن يكون الفحم هو محور الاهتمام لأنه الأكثر تلويثاً للبيئة، وهو عدو حماة البيئة الأول، إلا أنه، ربما لأسباب سياسية، تم وضع النفط والدول النفطية في فوهة المدفع في الأعوام الماضية. المهم في الأمر أنه عادت الأمور إلى نصابها وأصبح الفحم هو المستهدف الأول. ولكن كونه المستهدف الأول سبّب انقساماً في مجموعة العشرين: أوروبا والولايات المتحدة تريدان وقف إنتاج واستخدام الفحم، بينما أستراليا والهند والصين لا تريد ذلك. ونتج من ذلك الاتفاق على إلغاء تحديد الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050 واستبدالها بعبارة مطاطة "نحو منتصف القرن"! كما أن الهند أصرّت على عدم وضع تاريخ محدد للتخلص من الفحم في توليد الكهرباء وكان لها ذلك.  

إلا أنه يبدو أنه تم تغيير الأجزاء التي اتفق عليها الوزراء في ما يتعلق بالفحم في النص المبدئي للاتفاق في قمة العشرين، فرفضت الدول المعنية، بخاصة الهند، الموافقة عليه. وتم تغيير النص حتى وافقت عليه الهند وغيرها. فالنص حدد الثلاثينيات من القرن الحالي... ثم أُلغي أي ذكر للتاريخ في النص النهائي وتم الاكتفاء بذكر وقف الاستثمار في محطات الفحم في "أسرع وقت ممكن"! 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد أشار البيان الختامي إلى اتفاق الدول العشرين في ما يخص المناخ وأهمية التعاون للوصول إلى الحياد الكربوني. ولكن الملاحظ أن أول فقرة تتعلق بالمناخ كانت رقم 21! أي أن الاهتمامات المتعلقة بفيروس كورونا والأمور الاقتصادية كانت لها الأولوية، مع أن بعض وسائل الإعلام حاول التركيز على الاجتماع وكأنه اجتماع حول التغيّر المناخي.  

والمثير في الأمر أن كل الجمل التي تتم عبرها مطالبة الدول الأعضاء بالقيام بفعل ما لمحاربة التغيّر المناخي، تبعتها جملة معناها "بحسب الوضع الداخلي لكل دولة"! هذه الجملة تعني أن أمور المناخ مرنة ومطاطة... وتعني عدم التزام بعض الدول مثل الهند والصين بحجة أن الوضع الداخلي فيها يتطلب تأخير التقيّد بمتطلبات محاربة المناخ.  

والملاحظ أيضاً أنه أُضيفت بعد عبارات الحياد الكربوني، التي تعني صفر انبعاثات، جملة "أو انبعاثات كربون منخفضة"... وهذه عبارة مرنة ومطاطة أيضاً. 

وبالرغم من كل ما ذُكر عن اتفاق بشأن التغيّر المناخي وتخفيض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني، إلا أن أكثر الأمور إثارة في البيان النهائي لقمة العشرين في روما هو الفقرة 29، التي نقضت كل ما قبلها وركزت على أمن الطاقة، والانتقال الطاقي "المنظم" و"العادل"، وتوضح مدى النجاح الذي حققته الدول النفطية والفحمية في هذه القمة. والحقيقة أن اعتماد المنتدى الدولي للطاقة في الرياض كمركز للحوار والتفاوض بين الدول المنتجة والمستهلكة لها لا يمكن القول عنه إلا "ضربة معلم"!   

أترككم مع ترجمة (بتصرف، مبنيّة على روح النص، وليست ترجمة حرفية) للفقرة 29 كنهاية لمقال اليوم:

29- "بينما نتعافى من الأزمة (فيروس كورونا)، نحن ملتزمون بالحفاظ على أمن الطاقة، مع الاهتمام بالتغيّر المناخي، وضمان الانتقال العادل والمنظم لأنظمة الطاقة لدينا التي تضمن كون الطاقة في متناول الجميع، بما في ذلك الأسر الفقيرة والشركات الضعيفة. في هذا المسعى، سنراقب التطورات في أسواق الطاقة عن كثب، مع مراعاة الاتجاهات التاريخية على مر السنين، وتعزيز الحوار العميق بين مختلف الأطراف. وبناءً على ذلك، ستقوم مجموعة العشرين بالتعاون مع المنتدى الدولي للطاقة (IEF) بهدف تسهيل الحوار بين المنتجين والمستهلكين لتعزيز كفاءة وشفافية واستقرار أسواق الطاقة.

نؤكد أهمية الحفاظ على استمرارية إمدادات الطاقة من دون أي انقطاع من مختلف المصادر والموردين والطرق، واستكشاف مسارات لتعزيز أمن الطاقة واستقرار الأسواق، وتشجيع أسواق طاقة دولية مفتوحة وتنافسية وحرة.

نحن ندرك دور الرقمنة في تعزيز أمن الطاقة واستقرار السوق من خلال تحسين عمليات التخطيط، مع ضمان أمن أنظمة الطاقة ضد مخاطر الهجمات السيبرانية، بما في ذلك الاستهداف المقصود لتحقيق أضرار من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

يضاف إلى ذلك الاستمرار في التصدي لتحديات أمن الطاقة التقليدية، بحيث إننا ندرك أن التحول إلى الطاقة النظيفة يتطلب فهماً معززاً لأمن الطاقة، ودمج جوانب مثل تطورات حصة مصادر الطاقة المتقطعة، والطلب المتزايد على تخزين الطاقة، ومرونة النظام، وتغيّر أنماط المناخ، والزيادة في الظواهر الجوية المتطرفة، والتطوير الذي يعوّل عليه لأنواع ومصادر الطاقة، وسلاسل إمداد موثوقة ويعول عليها ومستدامة من المعادن والمواد المهمة، وكذلك أشباه الموصلات (شرائح الكمبيوتر) والتقنيات ذات الصلة".

باختصار، دبلوماسية النفط والفحم أتت ثمارها، وخفّضت من الضغوط الرسمية على الدول المنتجة للطاقة والمستهلكة لها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء