Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم "أضواء المدينة" لشارلي شابلين يتمسرح مصرياً

"حلم جميل" عن رجل مشرد وفتاة عمياء تسترد بصرها بفضل الحب

من المشهد الختامي في المسرحية المصرية (مدحت صبري - الخدمة الإعلامية)

هناك بعض العروض المسرحية التي ربما لا تلبي حاجاتك من المسرح كمتخصص أو مهتم، لكنها في الوقت نفسه تلبي حاجات آخرين لا تربطهم بالمسرح صلات قوية، فمفهومهم له يقتصر على فكرة التسلية والإضحاك. أما المعيار في تقديرك لهذه النوعية من العروض فيتوقف على مهارة صناعها وقدرتهم على تقديم عرض متماسك درامياً، وعدم انجرافهم إلى " شغل السوق" ومغازلتهم للجمهور بأعمال سطحية أقرب إلى" الاسكتشات الكوميدية الساذجة"، منها إلى المسرح بعناصره المعروفة، سواء أكان كوميدياً أم تراجيدياً أم غير ذلك.

"حلم جميل" عرض كوميدي استعراضي غنائي ينتمي إلى تلك النوعية من العروض التي تقدم لجمهور عام، لكن وفق شروط المسرح، ومن دون الانزلاق إلى الاستخفاف أو الافتعال بهدف إشاعة الضحك في الصالة، يقدم موضوعاً إنسانياً بسيطاً ممزوجاً بالغناء والاستعراض، يضحك ويسلي ويُمتع، ويقدم فكرة بسيطة يستوعبها المشاهد العادي.

بديل جيد

العرض من إنتاج المسرح الكوميدي التابع للبيت الفني للمسرح في مصر( مؤسسة رسمية)، وهو أمر له دلالته، فالمسرح هنا غير هادف للربح بمعناه الواسع، ويقدم خدمة ثقافية بأسعار زهيدة، فأعلى سعر للتذكرة لا يتجاوز 100 جنيه (سبعة دولارات)، وهو يُقدم في مواجهة عروض تدعي انتماءها للمسرح أغرقت السوق وشوهت فكرة الجمهور عن المسرح الكوميدي، وبالتالي فبدلاً من الاكتفاء بمهاجمة مثل هذه العروض يتم طرح البديل الذي يقوم عليه صناع مهرة يدركون مدى الخطورة التي يتعرض لها هذا النوع بعد أن شوهه آخرون بهدف الكسب المادي وحسب.

الكاتب طارق رمضان قام بدور الـ "دراماتورجيا"، إذ عمل على تمصير قصة فيلم "أضواء المدينة" الذي قدمه شارلي شابلين عام 1931 كأول فيلم ناطق له، واعتبره عديد من النقاد واحداً من أعظم الأفلام على مر التاريخ، وفيه استطاع شابلين بمهارته ولمسته الإنسانية أن يمس قلوب المشاهدين ببساطة وتلقائية من خلال قصة الفيلم الذي قامت ببطولته معه الممثلة فيرجينا شيريل في دور "الفتاة العمياء" والتقى بها الشاب الفقير "شارلي شابلن" ووقع في حبها، وقدم كثيراً من التضحيات لكسب المال من أجل علاجها ورد بصرها إليها.

لم ينقل الكاتب الفيلم بحذافيره، بل أدخل بعض الإضافات لتقريبه إلى الواقع المصري، وتعمد فكرة الإبعاد الزمني حتى لايصطدم بأي عراقيل رقابية، بخاصة أن نص العرض يسخر من أولئك الأثرياء، وبعضهم رجال دولة، الذين يتاجرون بآلام الفقراء ويدعون انحيازهم إليهم ،وهم أبعد ما يكونون عن الرأفة بهم أو التعاطف معهم. كما يتحدث عن الفقروالتفاوت الرهيب بين الطبقات، لذلك جرت الأحداث عام 1945، أي قبل قيام ثورة 1952.

نص العرض الذي أخرجه إسلام إمام يدور حول شاب مشرد يلتقي فتاة عمياء تبيع الزهور في إحدى الحدائق، تنشأ بينهما قصة حب، ويعمل الشاب في أكثر من مهنة لجمع كلف جراحة تعيد إلى الفتاة بصرها، لكنه لايستطيع جمع المبلغ المطلوب، وفي الوقت نفسه يلتقي بأحد الأثرياء وكان يحاول الانتحار وهو في حال سكر، نظراً لضيقه من حال الرفاهية التي يحياها، ويبدي الثري تعاطفه الشديد مع الفقراء لدرجة أنه يدعوهم إلى الإقامة في قصره، لكنه عندما يفيق من حال السكر يتحول إلى كائن آخر يكره هؤلاء الفقراء ويعتبرهم غير جديرين بالحياة ويطردهم من قصره. وتتوالى الأحداث والمواقف الكوميدية، ويستطيع الشاب المشرد الحصول على مبلغ مالي من الرجل الثري وهو في حال سكر، ليجري الجراحة للفتاة، فيتم اتهامه بسرقة الرجل ويدخل السجن، وبعد خروجه يلتقي فتاته مرة أخرى، ويتم استئناف قصة الحب.

ثرثرات زائدة

الأحداث لا تخلو من بعض السذاجة وكذلك من الحشو، لكنها طبيعة الأعمال الكوميدية الموجهة إلى جمهور عام، بخاصة أن هذا الملل الذي قد تبعثه الثرثرات الزائدة تقطعها استعراضات صممها بمهارة ضياء شفيق، ووضع موسيقاها هشام جبر. وثمة أغان مبهجة كتبها طارق علي تعيد وصل ما انقطع، وتعيد إلى الدراما التي كادت تترهل وترها المشدود، وكل ذلك يتم بوعي وبحسابات دقيقة. فالمخرج الذي تمرس على الأعمال الجادة وتعامل مع نصوص عالمية شهيرة، يدرك أن لكل مقام مقالة، ولذلك قدم وجبته المسرحية بمقادير منضبطة، واستطاع الخروج بعرض يلبي حاجات الجمهور العام، ولا يأنف منه المتخصصون من أصحاب الأفكار المرنة الذين يرون أن المسرح لا يكمن في أشكال أو أفكار محددة سلفاً يجب عدم تجاوزها، كما أن الضحك والتسلية يقعان ضمن أهداف المسرح، والشرط في كيفية تقديمهما.

نجح المخرج كذلك في اختيار فريق عمله، وبعضهم تعامل معه في عرضه السابق" المتفائل" الذي حقق نجاحاً كبيراً واستمر ثلاث سنوات، ومنهم الفنان سامح حسين الذي قام بدور المتشرد، وهو فنان له حضوره وجمهوره، ولعب دوره ببساطة متناهية وأفسح لغيره من الممثلين مساحات واسعة، من دون أن يستحوذ على كل شيء كما يفعل غيره من نجوم المسرح، وكان بمثابة رمانة الميزان في العرض والطاقة التي تغذيه، لا افتعال ولا استظراف أو محاولة استجلاب "السوكسيه". أما الفنان عزت زين الذي لعب دور الرجل الثري، فهو يعيد اكتشاف نفسه كطاقة كوميدية هائلة، فمن يعرف هذا الممثل، وهو مخرج مسرحي رصين في الأصل، لا يمكن أن يتصوره في هذا الدور الكوميدي الذي يذكرنا أداؤه له بأداء كبار ممثلي هذه النوعية، بخاصة أنه لعب من قبل دور جلال الدين الرومي في عرض "قواعد العشق الأربعون" للمخرج عادل حسان، بكل ما يتطلبه هذا الدور من رصانة، فكانت المفاجأة هنا في الاختلاف البيّن بين طبيعة الدورين، والقدرة على تجسيد الدور الكوميدي ببراعة تجسيد دور الرومي نفسه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كان عزت زين يعيد اكتشاف نفسه في هذا الدور، فإن سارة درزاوي التي لعبت دور الفتاة العمياء تعيد اكتشاف نفسها هي الأخرى، وهي التي قدمت من قبل عشرات المسرحيات الخفيفة مع إحدى الفرق المسرحية، وشتان الفارق هنا، بين هذا وذاك، فأدوارها السابقة لم تبرز موهبتها وإمكاناتها مثلما أبرزها دورها في هذا العرض، وأدته بوعي وإدراك لطبيعة الفتاة العمياء في حركتها وإيماءاتها وطريقة كلامها وتعبيرها عن مشاعرها، فكان هذا الدور هو الميلاد الحقيقي لها كممثلة يمكنها تقديم الكثير. فريق التمثيل الذي ضم كذلك رشا فؤاد وجلال الهجرسي وناجح نعيم وطارق راغب وبعض الشباب، كان في العموم على قدر كبير من التناغم، ولعب كل منهم دوره بشكل جيد في حدود المساحة المتاحة له.

مرونة الديكور

العرض الذي تجازوت مدته أكثر من ساعتين تضمن ستة مناظر، الحديقة وقصر الرجل الثري السجن والمشفى ومحل بيع الزهور والمولد، وتطلب براعة من مصمم الديكور حازم شبل للانتقال من هذا المنظر إلى ذاك، من دون اللجوء إلى الإظلام بكثرة، ومن دون إحداث خلل في إيقاع العرض. وقد نجح في ذلك على الرغم من إمكانات مسرح فاطمة رشدي الضعيفة، وأضفى مزيداً من الجمال والشاعرية على العرض بتصميماته وحلوله البسيطة والمرنة التي جاءت مزيجاً بين الواقعي والتعبيري. وأسهمت إضاءة أبوبكر الشريف في إبراز هذه الجماليات، وكذلك في التعبير الواعي عن بعض اللحظات الدرامية المفعمة بمشاعر الحب، وإن خذلته الإمكانات المحدودة للمسرح في بعض اللحظات.

أما الملابس التي صممتها نعيمة عجمي فكانت هي الأخرى واحدة من أبرز عناصر العرض، وجاءت معبرة عن طبيعة العصر الذي تدور فيه الأحداث، وكذلك عن طبيعة ومكانة الشخصيات الاجتماعية، وهو أمر ليس غريباً على واحدة من أمهر مصممي الأزياء في المسرح المصري الآن.

في مشهد العرض الأخير استجمع المخرج، وكذلك سامح حسين وسارة درزاوي كل خبراتهم، وقدموا لحظة مملوءة بالشاعرية والشجن، وهي لحظة لقاء الشاب المشرد بحبيبته بعد خروجه من السجن. وجاء تجسيدها دالاً على مهارة صناع العرض وقدرتهم على تقديم مشهد ختامي مؤثر، جاء وفق تسلسل درامي جعل الجمهور يخرج راضياً فرحاً ودموعه تتساقط من شدة التأثر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة