Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السوريون والحبل السري... حكايات شعبية وجهل بأهميته

في حال وقوعه في أيدي شريرة قد يؤثر ذلك في مستقبل المولود وربما موته باكرا

حديثو ولادة في مستشفى سوري (اندبندنت عربية)

شغل الحبل السري بال السوريين لارتباطه بموروثهم الشعبي والحكايات حوله، وتأثيره سلباً أو إيجاباً في حيواتهم في المستقبل. تسقط هذه القطعة اللحمية بعد قص الطبيب الحبل، وتركه قطعة صغيرة منه لتجف وتسقط وحدها. وهي بنظر كثيرين لا أهمية لها ولا حاجة. فيما تتوجس فئة من إلقائها في الشارع حيث تنضح الحكايات الشعبية باعتقادات كثيرة، ومنها أن حياة المولود ستكون في خطر وسيموت قريباً، إذا أكلت قطة أو حيوان آخر القطعة الجافة والتي سقطت من الحبل.

لا يأكله الكلب والقطة

ومع أن الحبل السري الممتد من فتحةٍ في بطن الجنين وصولاً للمشيمة الموجودة في رحم الأم والملتصقة به، إلا أنها تبقى قطعة لحم لها وظيفتها على الرغم من فائدتها الطبية مستقبلاً لصاحب الحبل السري. وترمي الكثير من العائلات الشعبية الحبل الصغير بعد سقوطه من صرّة الطفل في أماكن، كالمساجد أو الكنائس لاعتقادهم بأن ذلك سيحمي الطفل، ويساعده على أن يصبح هادئاً وعاقلاً ومتديناً وعالماً. وفي سياق متصل، درجت عائلات على وضع الحبل في عيادات الأطباء، ليصبح المولود طبيباً، أو في مكاتب المهندسين ليصبح مهندساً، أو يدفنون الحبل السري في الأتربة حفاظاً عليها من القطط والكلاب الشاردة.

الجنيّة الزرقاء

بدأ مصير المولود بحبله السري قديماً ويعود إلى الرُقم الطينية في أوغاريت ونينوى. ويرى المؤرخ والباحث الشعبي سمير طحان، أن هذه المعتقدات قديمة وليست طارئة على مجتمعاتنا "هناك اعتقاد قديم يعتبر أن الحبل السري فيه ملخص عن حياة المولود ومستقبله، ومن هذه المعتقدات عدم جواز أن يقع في يد العدو". ويوضح الباحث الشعبي، أن الخطورة تكمن في وقوع الحبل السري بيد أشرار، إذ من الممكن استخدامه في أعمال كالسحر، وله قدرة على ترك تأثير سلبي في مستقبل الطفل، كنقص بالنمو أو عجز أو عمى.

ويشير طحان إلى حكاية أنثى عفريت، تسمى الجنية لاما موجودة في الحضارتين السومرية والأكادية، لون شفتيها أزرق وكانت تحب أكل الأطفال وتصيدهم. ولإبعاد خطرها عن أولادهم، كان الأهالي يضعون الحبال السرية في هياكل تابعة للجنية. واستمرت هذه العادة حتى بعد وصول الديانات التوحيدية، وبات المسلمون يدفنون الحبل السري في الجامع، والمسيحيون في الكنيسة واليهودي في الكنيس، ومع الوقت تضاءلت هذه الحالة لتصبح موروثاً شعبياً ليس إلا، بحسب طحان.

فوائد علاجية

لا يحتوي الحبل السري على أعصاب، وبالتالي فإن قصه بعد الولادة لن يتسبب للمولود بأي ألم، ومن وظائفه إمداد الجنين بكل ما يحتاجه، وهو شريان دموي ينقل الدم المحمل بالأوكسجين والمواد الغذائية من الأم إليه. ويقول أخصائي التوليد، الدكتور محروس الشحنة أن فوائده كثيرة، إذ تستخرج الخلايا الجذعية السرية (المأخوذة من دم الحبل السري عند الولادة) وتستخدم في عمليات زرع النخاع العظمي، ولمعالجة حوالى 60 نوعاً مختلفاً من أمراض جهاز المناعة والدم.

ويضيف الشحنة، أن أهمية هذه الخلايا الجذعية شجعت على تأسيس العشرات من بنوك الدم السري في مختلف أنحاء العالم "لحفظ الدم لسنوات طويلة مقبلة، واستخدامه عند الحاجة إليه في معالجة الكثير من الأمراض". وتساعد الخلايا الجذعية في شفاء مرضى سرطان الدم (اللوكيميا)، ومرض أنيميا فانكوني وهو وراثي شديد الندرة، وثمة اعتقاد علمي سائد أن المستقبل القريب سيشهد مساهمة هذه الخلايا في معالجة أمراض أخرى مثل السكري، ألزهايمر والباركنسون، وتجديد الخلايا المصابة والمتضررة وترميمها.

زرع الخلايا

تحولت عمليات زرع الخلايا إلى اقتصاد، إذ يوضع الحبل السري في بنوك مقابل مبالغ مالية لاستخدامها لاحقاً بعمليات، وتبلغ نسبة عمليات زرع الخلايا الجذعية أكثر من 50 في المئة وهي آخر صرعة وأحدث ابتكارات واكتشاف عالم التكنولوجيا البيولوجية. وقدر المختصون حجم العلاجات بواسطة زرع الخلايا الجذعية بأكثر من 21 مليار دولار خلال عام 2007 وحده، حيث كان ثلث هذه العمليات من عمليات زرع الخلايا الجذعية المأخوذة من الحبل السري.

بين الشرق والموروثات الشعبية التي ما زالت متداولة، وبين الغرب بتقدمه العلمي ما زال الحبل السري يترنح بين الإهمال والاستفادة، والشيء الوحيد المشترك بينهما هو المستقبل، فيما يتطلب عربياً التفكير جدياً ببناء بنوك لحفظ الحبل السري.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات