Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحول تمثال أميركا إلى شعلة الحرية حول العالم؟

يقف صامداً على مر السنين بينما يمر به ملايين المهاجرين إلى الولايات المتحدة

ألهم تمثال الحرية عدداً لا يحصى من النسخ المقلدة للهدايا التذكارية في أنحاء العالم (أ ف ب)

لطالما حاول البشر تحويل مشاعرهم إلى شيء ملموس. مثلاً، أقواس النصر للتعبير عن النصر، تماثيل الحزن والفرح والموت والخلود، كلها للتعبير عن مشاعر تداخلهم، لكن ليست ملموسة، فيأتي النصب التذكاري أو العمل الفني أو الإعلان والإعلام ليعبّر ويملأ هذا النقص. الأمر ينطبق تماماً على فكرة الحرية، فأن تكون حراً هو أمر تتشارك فيه الأمور الملموسة والمشاعر، أي أن تتصرف بحرية وتعبر عن رأيك من دون رقابة وتحترم حرية الآخرين بالقدر اللازم، وأن تقول رأياً قد يكون مخالفاً لرأي الأكثرية وأن تنتخب رئيساً ونواباً يمثلونك بسبب تطلعاتهم لك ولبلادك التي تشبه تطلعاتك. حتى بالشعر والأدب عبرنا عن الحرية بأمور فعلية نقوم بها باليد، كما قال شاعر العرب أحمد شوقي "وللحرية الحمراء باب/ بكل يد مضرّجة يدق"، أو كما قال أبو القاسم الشابي في شعره المعروف في كل العالم العربي "ومن يخف صعود الجبال/ يعش أبد الدهر بين الحفر"، في هذه الأشعار أعمال جسدية تدلّل على عبارة الحرية وشعورها.

لكن الشعور بالحرية نفسه يحتاج إلى ما يمثّله، لذا كانت الأنصاب التي تدلّل على هذا الشعور وعلى رأسها تمثال الحرية في نيويورك في الولايات المتحدة المهدى إليها من فرنسا. وهذا التمثال لم يعد حكراً على التعبير عن الحرية الأميركية وحدها، بل بات شعاراً عالمياً، كل من يطالب بالحرية يحمله أو يصوّره على لافتة أو يرتديه أو يحمل مشعلاً في يده وكتاباً تحت إبطه، أو يضع الإكليل على رأسه كإكليل نصب الحرية الأميركي.

فما هذا النصب وكيف تحوّل مثالاً للحريات في العالم؟

عربون صداقة أولاً

في البداية، كان تمثال الحرية عربون صداقة دائمة بين الشعبين الفرنسي والأميركي. صنعه النحات الفرنسي فريدريك أوغست بارتولدي من صفائح من النحاس المطروق، بينما صمم ألكسندر غوستاف إيفل الهيكل الفولاذي للتمثال، وهو نفسه مصمم برج إيفل المعروف في باريس. سلّم تمثال الحرية إلى الولايات المتحدة وتم رفعه فوق قاعدة في خليج نيويورك العلوي فوق جزيرة عرفت من بعده باسم "ليبرتي"، وتم تكريسه من قبل الرئيس جروفر كليفلاند تمثالاً للحرية عام 1886. 

كان التمثال يقف صامداً على مر السنين بينما يمر به ملايين المهاجرين إلى أميركا في الهجرات المتتالية من أوروبا إلى الأرض الجديدة أو أرض الأحلام. خضع عام 1986 لعملية تجديد واسعة النطاق تكريماً للذكرى المئوية لوقوفه شامخاً في مكانه يقوم بدوره في التعبير عن كونه مثالاً للحرية المكرّسة في الأرض الجديدة، فضلاً عن كونه أحد أكثر المعالم شهرة في العالم.

قبيل عام 1865 مع اقتراب الحرب الأهلية الأميركية من نهايتها اقترح المؤرخ الفرنسي إدوارد دي لابولاي أن تنشئ فرنسا تمثالاً تقدمه للولايات المتحدة احتفالاً بنجاح تلك الأمة في بناء نوع جديد من الديمقراطية القائمة على تعدد الأعراق والديانات والسياسات والثقافات العالمية. 

كان الهدف هو تصميم التمثال في الوقت المناسب للاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان الاستقلال عام 1876. ونظراً إلى ضخامة التمثال وتكاليف صناعته ونقله ثم إيقافه في مكانه، كان كمشروع مشترك بين البلدين ورمزاً للصداقة بين الشعبين، فكان على الشعب الفرنسي صناعة التمثال وتجميعه، بينما يبني الأميركيون قاعدته التي سيقف عليها، ثم يرفعونه فوقها ويهتمون به طالما بقي موجوداً، وهكذا كان. وصمم قاعدة التمثال المهندس الأميركي ريتشارد موريس هانت، وتم تشييدها داخل فناء فورت وود، وهي قلعة تم بناؤها لحرب عام 1812 وتقع في جزيرة بيدلو التي صار اسمها جزيرة "ليبرتي".

تواريخ وظروف

انتهى العمل على جمع الأموال للتمثال عام 1875. وضع النحات بارتولدي اسماً له "تمثال الحرية ينير العالم"، وهو يصور امرأة تحمل شعلة في يدها اليمنى المرفوعة ولوحاً في يسراها الذي نقش عليه "4 يوليو (تموز) 1776" تاريخ إعلان الاستقلال الذي اعتمد منذ ذلك الحين. دقَّ بارتولدي، الذي صمم وجه المرأة على غرار وجه والدته، صفائح نحاسية كبيرة لإنشاء "جلد" التمثال. يقول مؤرخ الجامعة الأميركية آلان كراوت في بودكاست "كان لابولاي معجباً جداً بالولايات المتحدة. لقد كان متحمساً بشكل خاص لنتائج الحرب الأهلية الأميركية، وتحرير أربعة ملايين من العبيد، وكذلك العلاقة الطويلة بين الولايات المتحدة وفرنسا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لإنشاء الهيكل العظمي الذي سيتم تجميع الجلد النحاسي عليه، طلب تصميمه من إيفل. 

في عام 1901، قام مجلس المنارات الأميركية بتشغيل تمثال الحرية ليكون كمنارة ملاحية للبحارة. بعد ذلك التاريخ تم وضعه تحت الولاية القضائية لوزارة الحرب الأميركية، لأن موقع فورت وود صار عسكرياً حينها ولا يزال كذلك حتى اليوم. في عام 1924، جعلت الحكومة الفيدرالية التمثال نصباً وطنياً، وتم نقله إلى رعاية دائرة الحدائق الوطنية في عام 1933. في عام 1956 تم تغيير اسم جزيرة لجزيية من "بلداو" إلى "ليبرتي".

في أوائل القرن الـ20 أدت أكسدة الجلد النحاسي لتمثال الحرية بسبب التعرض للمطر والرياح والشمس إلى تحول لون التمثال نحو الأخضر المؤكسد، يُعرف باسم "الزنجفر". في عام 1984، صنفت الأمم المتحدة تمثال الحرية موقع تراث عالمي. بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أغلقت جزيرة "ليبرتي" لمدة 100 يوم. لم يتم إعادة فتح تمثال الحرية نفسه أمام الزوار حتى أغسطس (آب) 2004. في يوليو 2009، أعيد فتح تاج التمثال للجمهور مرة أخرى بعد إغلاقه منذ الحرب العالمية الثانية بعد مهاجمة الألمان قاعدة عسكرية قريبة منه. 

ألهم هذا التمثال عدداً لا يحصى من النسخ المقلدة للهدايا التذكارية في أنحاء العالم، وتمت الإشارة إليه في كل شيء بدءاً من ملصقات الحرب إلى المشهد الأخير من فيلم "كوكب القرود" (عام 1968)، حيث اكتشف رائد فضاء يعود إلى الأرض في المستقبل البعيد أن تمثال الحرية مدفون جزئياً في الرمال. وفي كل الأفلام التي تتناول نهاية العالم سواء بنيازك أو تسونامي ضخمة أو عصر جليدي، نرى الشعلة ظاهرة من التمثال، بينما باقي أجزائه مطمورة، للدلالة على حجم الدمار الذي أصيبت به الأرض وبالطبع للدلالة على رمزية هذا التمثال الذي يعرفه كل البشر في أنحاء العالم.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات