يبدو الكلام الذي قاله الرئيس الأميركي جون إف. كينيدي في ستينيات القرن الماضي بشأن الخطر النووي، مناسباً أكثر لوصف الخطر البيئي في عشرينيات القرن الحادي والعشرين. إذ شدد كينيدي على أن كل رجل وامرأة وطفل يعيشون فيما سيف "ديموقليطس" مسلط فوق رقابهم ومعلق بأدق الخيوط. [في الأساطير الإغريقية، أعطت الألهة ديموقليطس أشياء كثيرة لكنها جعلته ينام وفوق رأسه سيف معلق بخيط واهٍ، ينقطع لو ارتكب خطأ جسيماً].
وبعد صيف تخللته عواصف مدمّرة وفيضانات وموجات جفاف وحرائق، يشكّل مؤتمر "كوب- 26"، وهو لقاء قمة ستعقده الأمم المتحدة حول المناخ في مدينة غلاسكو الاسكتلندية في نوفمبر (تشرين الثاني)، يشكّل أفضل أمل مباشر للعالم في تجنّب وقوع كارثة مناخية.
هذا الأسبوع، سلّط بوريس جونسون الضوء على الالتزامات المتعلقة بـ"الفحم والسيارات والأشجار"، ولكن بحسب ما يعرفه بنفسه، لا يمكن لمؤتمر "كوب- 26" أن ينجح إلا إذا أحرزنا تقدماً أوسع في مجالات أساسية. إذ يتوجب على جميع البلدان رفع أهدافها القريبة المدى حول تخفيض انبعاثات الكربون للعامين 2025 و2030 ورعاية صفقة خضراء جديدة توفّر ملايين الوظائف الجيدة في مجال التكنولوجيات المستقبلية المستدامة. وكذلك ينبغي على كافة البلدان أن توافق على الإفصاح عن بصمة التلوث الكربوني التي تولّدها والبدء بالانتقال نحو المحاسبة المستندة إلى التأثير، عبر تحديد مسارها باتّجاه تحقيق صفر في صافي انبعاثات كربون.
وفي المقابل، يتوقف نجاح "كوب- 26" وكذلك استعداد الدول الأفقر والبلدان النامية لإبرام اتفاق في ذلك الصدد، على وفاء الدول الغنية بعهدٍ قطعته على نفسها منذ 12 عاماً من دون أن تفي به حتى الآن، بتحويل ما يزيد على 100 مليار دولار أميركي (73 مليار جنيه استرليني) سنوياً للدول الساحلية والبلدان المتدنية الدخل، لمساعدتها على التكيّف مع تغير المناخ.
كنتُ أترأس حكومة المملكة المتحدة في 2009 حين طرحت اقتراح دفع الـ100 مليار دولار، وقد انضمت إليه الولايات المتحدة وأوروبا. وكنا نعلم بأن ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي سيجلب معه زيادة الفيضانات والحرائق وتفاقم المخاطر المحدقة بالتنوع البيولوجي، وأكبر المتضررين سيكون أفقر الأفراد في أكثر البلدان فقراً. وبعد الإعلان عنه في القمة العالمية للمناخ في كوبنهاغن [كوب 15]، ثم تكرار ذلك الإعلان في 2015 ضمن "اتفاق باريس عن المناخ" باعتباره عنصراً أساسياً في الحفاظ على مستوى الاحترار العالمي [الارتفاع في حرارة كوكب الأرض] عند زيادة 1.5 درجة سلسيوس بالمقارنة مع مستوياتها قبل العصر الصناعي، كان من المفترض تحويل المئة مليار دولار من شمال العالم إلى جنوبه.
واستطراداً، وفق ما توضح اللغة المستخدمة في الاتفاقات عن تغيّر المناخ، تتحمل الدول "مسؤوليات مشتركة لكنها متباينة وفقاً لقدرات كل جهة" من ناحية الدفع، مع الأخذ في الاعتبار الثروة وعدد السكان وانبعاثات الكربون، بغية تحديد مساهمة كل بلد في المئة مليار دولار.
ولكن، بدل أن تتوصّل الدول إلى اتفاق على تشارك العبء بالتساوي، تعاملنا مع مسألة جمع الـ100 مليار دولار كما لو أنها التماساً للتبرعات من مشاركين في حفل خيري. ومنذ 2009، لم ينجح الصندوق في تحصيل أكثر من 40 ملياراً من مبلغ المئة مليار الموعود. ولم يصل المبلغ في نهاية المطاف إلى 80 ملياراً في 2019 إلا بعدما أضيفت إلى المجموع النهائي دفعات المصارف المتعددة والتمويل الخاص، التي أتت إجمالاً على شكل قروض إلى مشاريع الطاقة المتجددة، وظل مع ذلك أقل بكثير من المبلغ الموعود.
ومن بين 23 دولة متطورة مسؤولة عن تمويل مسألة المناخ عالمياً، لم تدفع سوى ألمانيا والنرويج والسويد حصّتها المنصفة. وفي 2018، أوشكت فرنسا واليابان على تسديد حصتهما العادلة كذلك، ولكن حتى في الوقت الحالي، ما زالت أستراليا وكندا واليونان ونيوزيلندا والبرتغال والولايات المتحدة تقدّم مساهمة ضئيلة. فحتى الساعة، حوّلت تلك البلدان أقل من 20 في المئة من الحصة المناسبة لها، إذ قدّمت الولايات المتحدة مثلاً 1.9 مليار دولار في 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما تعهّدت إدارة الرئيس جو بايدن بتقديم 11 مليار دولار سنوياً بانتظار موافقة الكونغرس، ووعدت المملكة المتحدة بمضاعفة مساهمتها في تعهدات المناخ، تظهر الدراسة المفصّلة التي وضعها "معهد التنمية الخارجية" أنّ ذلك المبلغ ما زال أقل بكثير من المساهمة التي يتوجب على الدولتين تقديمها.
وحتى بعد تعهد كندا رفع مساهمتها بـ2.1 مليار، وتصريح ألمانيا أنها ستزيدها بـ2.3 مليار (مع حلول 2025)، لا يصبح المبلغ سوى 90 مليار دولار قبل قمة غلاسكو. ويشير تحليل وضعته منظمة "أوكسفام" [تعمل في مجال مقاومة الجوع عالمياً] إلى أنه استناداً إلى التعهدات الحالية، لن يتخطى المجموع في المحصّلة 95 ملياراً في أي سنة تسبق عام 2025. وإلى ذلك، مع تحويل الجزء الأكبر من التمويل نحو التعامل مع التدابير التخفيفية القصيرة الأجل، التي تشكلّ القروض 70 في المئة منها، تخصص مبالغ قليلة جداً لتمويل التكيّف مع وضعية الاضطراب المناخي على المدى البعيد، على غرار وضع دفاعات ساحلية للحماية من العواصف أو زرع المحاصيل المقاومة للجفاف.
بالتالي، ما عادت مجموعات الضغط البيئي تطالب بالالتزام النهائي بتوفير مبلغ 500 مليار خلال السنوات الخمس التي تفصلنا عن عام 2025، بل باستثمار أكبر بكثير، شبيه بتصوّر مبادرة الرئيس بايدن "إعادة بناء العالم بشكل أفضل" من أجل الاستثمار في البنية التحتية الخضراء.
بالتالي، بانتظار أن تضع البلدان المتقدّمة مساراً موثوقاً في الوفاء بتعهداتها، لن تثق الدول الضعيفة بأي تعهد بشأن تقليص الانبعاثات المستقبلية، وقد تقرّر إفشال "كوب 26". ولذا، فمن الضروري جداً تأمين الـ100 مليار دولار سنوياً أخيراً في الأيام التي تفصلنا عن بداية "كوب 26". يمكن توفير المال من إعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة، أي المبالغ الدولية التي يتلقاها كل بلد [من "صندوق النقد الدولي"]، وتوسيع تمويل "البنك الدولي".
من جهة أخرى، أرغب في أن يتخطى جهدنا حتى مسألة الـ100 مليار دولار سنوياً. فبموجب المقترحات التي طُرحت حول التمويل المستند إلى ضمانات، يمكن أن يحقق كل دولار نقدّمه إنجازاً أكبر. ومقابل كل 5 مليارات من الضمانات ومليار من المنح التي تقدمها الدول الثرية، يمكن جمع تمويل إضافي مقداره 25 مليار دولار من أجل التكيّف مع الوضع.
واستكمالاً، إذا اتفقنا كذلك على تغطية دفعات الفوائد وسداد القروض المتكبّدة في النهاية، يمكننا عندها إعادة بناء الثقة المحطّمة بين الشمال والجنوب.
وكخلاصة، لا شك في أنّ توحيد كافة مناطق العالم حول مهمة مشتركة يشكّل شرطاً أساسياً في تحقيق المزيد من التقدم. إذ يجب تشارك الازدهار والحفاظ عليه، وكذلك يتوجّب أن يتحوّل "كوب- 26"، هو "مؤتمر التعاون- 26". ولن يحصل ذلك التعاون الضروري جداً الذي لم يتحقق المحقق بعد، إلا إذا بدأنا في احترام مسؤولياتنا تجاه بعضنا بعضاً.
* غوردون براون، رئيس وزراء المملكة المتحدة من 2007 إلى 2010، ومؤلف كتاب "سبع طرق في تغيير العالم"
© The Independent