Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أثمرت التهديدات الأميركية تنازلات إيرانية؟

رسالة واضحة إلى طهران من مغبة أيّ عمل عسكري غير محسوب قد تقوم به

وزير الدفاع الاميركي بالوكالة باتريك شاناهان ووزير الخارجية مايك بومبو بعد إحاطة مجلس الشيوخ بالتطورات مع إيران (رويترز)

التصعيد العسكري المترافق مع رفع مستوى الجاهزية القتالية وحشد القوات الذي اعتمدته الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة إيران الساعية إلى السير على حافة الهواية في إدارة أزمتها مع واشنطن، يبدو أنه قد أدّى مهمته في إيصال رسالة واضحة إلى القيادة الإيرانية من مغبة أيّ عمل عسكري غير محسوب قد تقوم به، لأن الردّ عليه لن يكون في مقدورها تحمّل تبعاته لحجم التدمير الذي سيرافقه والذي سيعيد إيران إلى العصور الوسطى.

حركة ديبلوماسية مكوكية

التحرك العسكري الأميركي ترافق مع حركة دبلوماسية مكوكية قام بها وزير الخارجية مايك بومبيو وفريق عمله في الملفات الخاصة بمنطقة الشرق الأدنى وغرب آسيا على العواصم المعنية بالأزمة مع إيران، والتواصل والتشاور مع عواصم أخرى في المنقطة على تماسٍ مباشر بهذه الأزمة، والتي أكدت في مجملها على عدم نية واشنطن إشعال حرب مع إيران وإن على قيادة هذا البلد ضبط تصرفاتها وعدم استهداف المصالح الأميركية وحلفاء واشنطن في المنطقة، والتي قد تستدعي رداً عسكرياً يشعل حرباً واسعة.

في هذا الإطار تأتي الحركة المكوكية التي يقوم بها مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد بين لبنان وإسرائيل على خلفية أزمة ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، والتي تضم إمكانية كبيرة لوجود كميات من الغاز قد تتسبّب في إشعال حربٍ على خلفية النزاع على الملكية واستخراج الثروات.

القلق الإسرائيلي

وما من شك في أن تل أبيب تحلّ في الصدارة في الموقف الذي أعلنته واشنطن ورفعت فيه مستوى تهديداتها لإيران من مغبة الاعتداء على أيٍ من حلفائها، مصدرُ القلق الإسرائيلي يأتي من باب الخوف من أن تبادر إيران بإشعال الجبهة اللبنانية عبر ذراعها حزب الله من أجل خلط الأوراق وتخفيف الضغوط التي تعاني منها جراء تشديد الخناق عليها بالعقوبات الاقتصادية والمالية. ومبادرة إيران وحزب الله بإشعال حرب استباقية ضد إسرائيل سيستدعي حتماً رداً إسرائيلياً على لبنان، وسيكون رداً واسعاً ومدمّراً كما تؤكد القيادة الإسرائيلية.

والرد الإسرائيلي قد يتحوّل إلى الشرارة التي قد تفجّر برميل البارود الإقليمي من خلال إمكانية استهداف إيران مباشرة، التي لن تبادر بدورها بالدخول في هذه المعركة إذا ما ساد لديها الاعتقاد ببقائها محصورة بين إسرائيل وحزب الله. وإذا ما حصل اشتباك مباشر بين تل أبيب وطهران، فإن واشنطن ستجد نفسها مجبرة على الدخول في هذه المعركة تنفيذاً لالتزامها بالدفاع عن حلفائها الإقليميين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المفاوضات … بأقل الخسائر

رغبة واشنطن في عدم السماح لأي من الأطراف بفرض أجندته الخاصة على حساب موقفها، وأن أيّ قرارٍ بعمل عسكري يجب أن يكون صادراً عن إستراتيجية أميركية وضمن أجندة وأهداف محدّدة ومدروسة العواقب والنتائج، قابلتها رغبة إيرانية واضحة بعدم الرغبة أيضاً في عدم الوصول إلى حائط مسدود جراء التصعيد الكلامي الصادر عن عدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين والتهديد بالحرب واستهداف الوجود الأميركي وقواعد انتشاره في المنطقة وعدم استثناء حلفائها من هذا الردّ، ومحاولتها إفهام الجانب الأميركي أن التصعيد الكلامي هدفه الوصول إلى طاولة المفاوضات بأقل الخسائر الممكنة السياسية والمعنوية.

من هنا يأتي التبدّل السريع وخلال أسبوع في الموقف اللبناني من الطرح الذي قدّمه ساترفيلد لحلّ أزمة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وتل أبيب، وأيضاً الليونة الأميركية في التعاطي مع الموقف اللبناني، فبعد أن كان موقف رئاستَي الجمهورية والبرلمان اللبنانيين رافضاً طرح ساترفيلد الذي قارب الإملاء بالقبول بالحلّ الذي قدمه مبعوث الإدارة في الأزمة عام 2012 فردريك هوف أو تحمّل عواقب الرفض، توصّل الطرفان إلى حل وسط يقضي بقبول لبنان بالحصة التي أعطاها هوف له، مقابل التفاوض على مساحة الأربعين في المئة المتبقية مع إسرائيل حول ملكيتها.

وما من شك في أن الموقف اللبناني من النزاع الحدودي مع إسرائيل لا يُرسم من خارج علم ومعرفة حزب الله، وهو سبق له أن أعلن على لسان أمينه العام حسن نصر الله بأنه على استعداد لإشعال مياه البحر الأبيض المتوسط واستهداف منصات استخراج النفط والغاز الإسرائيلية دفاعاً عن حقوق لبنان الطبيعية في هذه الثروات، مهدداً باستخدام صواريخ أرض – بحر قد تكون مشابهة للصاروخ الروسي ياخونت لكن من صناعة صينية معدلة إيرانياً.

هل تراجع حزب الله

من المستبعد أن يكون القرار اللبناني الذي عبّر عنه رئيسا الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري لم يأخذ في الاعتبار موقف حزب الله، الذي بدوره لا يمكن أن يوافق أو يقبل التخلّي عن السقف المرتفع الذي وضعه سابقاً من دون العودة إلى طهران التي تملك خيوط القرار النهائي في أي من الملفات الإقليمية المعنية بها.

ما يدفع على الاعتقاد أن القرار اللبناني بالموافقة على الاقتراح الأميركي، جاء بناء على رغبة إيرانية في عدم رفع مستوى التوتّر في المنطقة وعدم السماح للأمور بالذهاب إلى حدود الحرب، وهو موقفٌ يتلاقى مع رغبة أميركية تصبّ في هذا الإطار. وهذا الاعتقاد يعّزز ما جرى الحديث عنه حول موافقة الطرفين اللبناني والإسرائيلي على وضع آلية لترسيم الحدود بينهما، على أن تبدأ من البرّ وتنتهي بالبحرِ على أن تشمل البحث في الجزء الذي ستحصل عليه إسرائيل في المنطقة المتنازع عليها.

مزارع شبعا

اقتراح ترسيمِ الحدود البريّة، من المفترض أن يبدأ من منطقة متنازع عليها أيضاً، وهي مزارع شبعا، وهنا قد تكون الأمور مرشحة لمزيد من التعقد، لأن موضوع هذه المزارع لا يزال موضع جدل بين الفرقاء اللبنانيين، حيث يشكك الفريق المعارض لحزب الله أو ما كان يعرف بقوى 14 آذار، في ملكية لبنان جزءاً من هذه المنطقة ويطالبون الدولة اللبنانية بالحصول على اعتراف مدعوم بالوثائق من الحكومة السورية تؤكد هذه الملكية، وقد أثار الموقف الذي أعلنه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالقول إن مزارع شبعا ليست لبنانيةً، موجةً من الاعتراضات والتوتّر السياسيّ قاده حلفاء حزب الله متهمين جنبلاط بالتخلي عن أراضٍ لبنانية لصالح إسرائيل بالتزامن مع إعلان الإدارة الأميركية الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

وقد يبدو أن المخرج لهذه الأزمة المتوقّعة على الساحة اللبنانية قد يأتي من طهران، وهو ما حدث على ما يبدو، وكانت السبب في الليونة التي أبداها حزب الله حتى الآن حول الاقتراح الأميركي لحل أزمة الترسيم، إذ سبق لطهران أن قدّمت مقترحاً عام 2007 إلى إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش يساعد على التوصل إلى هدنة أو تهدئة طويلة بين إسرائيل وحزب الله ولبنان، ويقوم هذا الاقتراح في أحد بنوده على العمل لترسيم الحدود بين البلدين انطلاقاً من مزارع شبعا، على أن يسبق عملية الترسيم هذه وضع هذه المزارع بأجزائها الثلاثة الإسرائيلية والسورية واللبنانية تحت إشراف الأمم المتحدة ورعايتها التي تتولى مهمة الترسيم.

عقبة النظام السوري

إلا أن هذه الخطوة واجهت في حينها عقبة النظام السوري الذي لم يكن على استعداد كامل للتعاون في ظل عدم وصول المفاوضات غير المباشرة بينه وبين تل أبيب التي استضافتها تركيا حينها إلى نتائج ملموسة على طريق السلام بين الجانبين.

العودة الإيرانية إلى الأوراق القديمة في هذه المرحلة قد تشكل رسالة حسن نوايا إيرانية إلى الإدارة الأميركية بإمكانية التفاهم حول الملفات الإقليمية التي تشكل أحد أهم المطالب الأميركية للحدّ من نفوذ إيران الإقليمي. خصوصاً أن طهران سبق لها وأبدت إيجابية كبيرة للتعاون مع المخاوف الأميركية في الشرق الأوسط في اللقاء الذي جمع بين وزيري خارجية البلدين كونداليسا رايس ومنوتشهر متكي على هامش مؤتمر دول الجوار العراقي في شرم الشيخ المصرية في العام 2007. وهو توجّه ينسجم مع التوافق غير المعلن بين الطرفين على تحييد الساحة العراقية عن التوترات التي تسود الأجواء بينهما.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات