تدفع مديرية العبدية، غربي مأرب، ثمن وقوفها في وجه الاجتياح الحوثي الضاغط نحو مناطقها ومنها إلى مدينة مأرب، التي تشهد هجوماً غير مسبوق لميليشيا الحوثي في محاولة لإحكام قبضتها على كل مناطق المحافظة الغنية بالنفط.
ومنذ 22 يوماً، تحاصر أنساق الميليشيا قرى ومناطق ومداخل العبدية كافة من جهاتها الأربع، ونجحت في عزلها تماماً عن باقي مناطق المحافظة، في مسعى لخنق المقاومة الشعبية التي ترابط على أسوارها وإنهاكها قبل عملية الإجهاز على "منطقة الشدادي"، أحد أبرز القادة العسكريين الذين قاتلوا الميليشيا قبل أن تتمكن من قتله في هجوم صاروخي مسير نهاية عام 2016.
وفي إطار مساعي فك الحصار ودعم المقاومة الشعبية والقبائل، أعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن، الأحد، أن عملياته الجوية وعلى مدى 18 يوماً أوقفت اقتحام الحوثيين مديرية العبدية.
جاء ذلك في بيان صادر عن المتحدث باسم التحالف العربي، تركي المالكي، وصلت إلى "اندبندنت عربية" نسخة منه.
وقال المالكي إن التحالف نفذ 118 استهدافاً لحماية المدنيين في العبدية خلال الـ96 ساعة الماضية.
وأضاف المالكي أنه تم تدمير 15 آلية عسكرية لميليشيا الحوثي، مشيراً إلى أن خسائرها البشرية تجاوزت 400 عنصر.
مسؤوليات المجتمع الدولي
وأمام الحصار الذي تفرضه الميليشيا الحوثية على أهالي المنطقة، طالب المتحدث باسم التحالف المنظمات الأممية والدولية بتحمل مسؤوليتها الإنسانية إزاء مدنيي العبدية.
ومنذ بداية فبراير (شباط) الماضي، كثف الحوثيون هجماتهم في مأرب للسيطرة عليها، كونها أهم معاقل الحكومة والمقر الرئيس لوزارة الدفاع، إضافة إلى تمتعها بثروات النفط والغاز، وكذلك احتوائها على محطة مأرب الغازية التي كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالتيار الكهربائي.
نذر كارثة إنسانية
وفيما تستميت المقاومة ممثلة بقبائل بني عبد لصد حشود الميليشيا الحوثية ومنعها من التقدم إلى مناطقها، أكدت تقارير حقوقية أن الحصار الحوثي ينذر بكارثة إنسانية ويفاقم الأوضاع المأساوية التي تعيشها المنطقة إثر هجمات الانقلابيين، خصوصاً وقد عرف عن الميليشيات عدم اكتراثها بمثل هذه المآلات بقدر اهتمامها بإسقاط المدن في إطار حربها ضد محافظة مأرب.
حصار وتجويع
الحصار الحوثي المطبق تسبب في منع الأهالي من الدخول أو الخروج من المديرية، كما منعت الميليشيا إمداد المنطقة باحتياجاتها من المؤن والغذاء والوقود.
ووفقاً للناشط في المقاومة الشعبية بالعبدية، السلال الثابتي، فإن الحصار الحوثي دفع عشرات الآلاف من السكان إلى المجاعة، فيما يموت عشرات الجرحى بسبب فقدان الأدوية اللازمة، في ظل صمت السلطات الحكومية في محافظة مأرب.
أنين بلا سامع
الثابتي قال خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية" إن "أنين الجرحى يهز الجبال ويؤرق مضاجع أهل الضمائر الحية، بالتزامن مع حرب إجرامية وقصف صاروخي تشنه ميليشيا الحوثي الإيرانية على منازلنا وأرضنا في محاولة لإخضاعنا للمشروع الصفوي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب الثابتي بإجلاء طبي عاجل لنحو 42 جريحاً، منهم 12 في حالة حرجة بعد إصابتهم في الرأس والصدر، وهم بحاجة إلى تدخل طبي لجراحي مخ وأعصاب وأوعية دموية، وهو ما لا يتوفر في المنطقة التي تنعدم فيها حتى مستلزمات الإسعافات الأولية.
وأوضح أن "بقية الجرحى إما مبتورو الأرجل أو الأيدي أو الأمعاء، في حين تستمر الهجمات الحوثية على منطقتنا، ما ضاعف تدفق الجرحى على المستوصف الأهلي بشكل كبير، فخرج عن الخدمة مع نفاد الأدوية المهمة مثل حقن توقف النزيف وأسطوانات الأكسجين".
أضف إلى ذلك "انعدام الوقود للسيارات أو الكهرباء والمؤن والأغذية بعد 21 يوماً من الحصار".
قانون الإخلاء الطبي
وقال الثابتي "كل ما نطلبه هو تفعيل قانون من قوانين الحروب، الذي طالبت به أكبر دول العالم في أصغر حروبها وهو قانون الإخلاء الطبي لجرحى العبدية لا أكثر".
وأشار إلى أن مقاومة العبدية قامت في وقت سابق "بعلاج جرحى الحوثي وقدمنا لهم أفضل العلاج وعززناهم وأكرمناهم لأنهم وصلوا عندنا ضعفاء، والضعيف لا نقاومه مهما كان جرمه".
وأكد أن الحوثيين لا يأبهون بالتنديدات الدولية تجاه ممارساتهم، ولا يخشون أي استنكار رسمي، قائلاً إنهم أوقفوا هجماتهم على مأرب حين تم تصنيفهم كجماعة إرهابية، وبمجرد التراجع عن هذا التصنيف أدركوا أن هناك ضوءاً أخضر لممارسة الانتهاكات.
معاناة حتى الموت
وكان تقرير حقوقي حكومي صادر عن مكتب حقوق الإنسان في محافظة مأرب، قد كشف عن وفاة ثلاثة مدنيين في العبدية، جراء الحصار المطبق من قبل الميليشيات، ومنعهم من الانتقال إلى مدينة مأرب للحصول على الرعاية الصحية.
وحذر التقرير المجتمع الدولي من حدوث أكبر كارثة إنسانية وإبادة جماعية لكل سكان المديرية النائية.
وفي سلوك تجويعي غير مسبوق، أوضح التقرير أن الميليشيات تمنع عن سكان المديرية البالغ عددهم 5300 أسرة (نحو 35 ألف نسمة)، إمدادات الغذاء والدواء والمياه، في حين أن المديرية خالية من أي معسكرات، ولا مخزون غذائياً ودوائياً فيها ولا مشاريع مياه، ما دفع السكان للشرب من المياه الملوثة، ما سيؤدي إلى كارثة صحية.
وكان وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، شدد في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، على أن الحصار الذي تفرضه ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران على مديرية العبدية وقصفها العشوائي على قرى ومنازل المواطنين بمختلف أنواع الأسلحة عمل انتقامي جبان يرقى إلى مرتبة جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
توقف الدراسة
ونتيجة للحرب الدموية التي تشهدها تخوم العبدية والحصار، أعلنت نقابة المعلمين توقف العملية التعليمية في 18 مدرسة، وحرمان أكثر من ثمانية آلاف طالب من التعليم.
وقالت النقابة، في بيان، إن الحصار المفروض على العبدية فاقم معاناة أكثر من 183 معلماً ومعلمة، داعية المنظمات الدولية إلى إنقاذهم وأسرهم وكل أهالي المديرية، والضغط على الحوثيين لفك الحصار.
ودعت النقابة جميع العاملين في الحقل التربوي والتعليمي في كل المحافظات إلى التضامن مع المعلمين المحاصرين في العبدية.
مقتل العشرات
والأحد، أكدت السلطة المحلية في محافظة مأرب مقتل وإصابة أكثر من 100 مدني جراء هجمات ميليشيا الحوثي على المدينة خلال ستة أشهر.
وأضافت السلطة المحلية، في تقرير لها، أن القصف الحوثي تسبب في تدمير 14 منزلاً كلياً وجزئياً، وإعطاب عشر مركبات، بينها سيارتا إسعاف.
واستخدمت الميليشيا أكثر من 300 صاروخ باليستي وطائرة مفخخة لقصف الأحياء المكتظة بالمدنيين والنازحين في المخيمات.
إنقاذ عاجل للأطفال والمرضى
وناشد التقرير المجتمع الدولي إلى التسريع في إنقاذ حياة 2465 طفلاً يعانون سوء التغذية الوخيم المنتشر في المديرية، من أصل 9827 طفلاً يعانون سوء التغذية، إلى جانب رصد 3415 امرأة بحاجة إلى الرعاية الطبية.
ووثق التقرير 23 حالة مصابة بالفشل الكلوي و11 إصابة بالسرطان، وجميعها تحتاج إلى إمدادات دوائية ورعاية طبية غير متوفرة في المديرية، وباتت مهددة بالموت الحتمي في ظل الحصار.
وأكد التقرير توثيق خطف وإخفاء ميليشيات الحوثي نحو 3278 مدنياً من الطرقات أثناء محاولتهم الدخول أو الخروج من المديرية.
وأشار إلى أن الميليشيات زرعت ونشرت الألغام الفردية في أطراف المديرية ومداخلها ومزارع المواطنين وفي آبار المياه، وبلغ ما تم رصده 4289 لغماً.
وسجل إصابة 262 مدنياً بالألغام المزروعة، بينهم 32 امرأة و26 طفلاً.
وطالب التقرير المجتمع الدولي بإدراج الحوثيين في قوائم الجماعات الإرهابية لاستمرارهم في ارتكاب الجرائم، واستهداف المدنيين العزل بالصواريخ الباليستية، وهي أعمال إرهابية تؤكد أن هذه الميليشيات لا تؤمن بالسلام، ولن تتوقف عن جرائمها بحق اليمنيين، ولا تعير أي اهتمام للدعوات الدولية أو بيانات الإدانة.