ما الذي جعل صوت الاقتصاد يعلو على صوت السياسة في الداخل الأميركي خلال الشهر الفائت، على الرغم من استفحال إشكالية الانسحاب من أفغانستان، والانقسام الواضح بين الجنرالات والبيت الأبيض، على النحو الذي رآه العالم والأميركيون خلال جلسات الاستماع لكبار القادة العسكريين في مجلس الشيوخ؟
قديماً قال نابليون بونابرت "إن الجيوش تمشي على بطونها"، واليوم بات من المؤكد أن الشعوب بدورها تمشي على بطونها، ولهذا ارتفع صوت أزمة سقف الدين الأميركي على أي صوت آخر، وتقدم التشارع والتنازع من حول الاقتصاد على باقي القضايا السياسية، وإن كانت السياسة والاقتصاد حلقتين متشابكتين لا جدال.
من أين للمرء أن يبدأ حال أردنا تفكيك إشكالية الديون الأميركية وتأثيراتها في الداخل، ناهيك بتبعاتها على بقية اقتصادات العالم؟
في ماهية سقف الدين الأميركي؟
في الثلث الأخير من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، تناشد الكونغرس رفع سقف الدين قبل تجاوز حده الأقصى.
هنا تتحدث الأرقام، إذ كان من المتوقع أن تبلغ الديون الأميركية نحو 28.5 تريليون دولار، في حين أن سقف الدين الأميركي الرسمي هو 28.4 تريليون دولار، وعليه فقد كان من الضروري أن يرفع الكونغرس سقف هذا الدين، وهو أمر جرت به المقادير الأميركية نحو ثمانين مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة.
على أن الصراع السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس كاد يصل بالمشهد إلى طريق مسدود، ما يعني أن الولايات المتحدة كانت مهددة بالتوقف عن سداد ديونها، الأمر الذي من شأنه لو حدث أن يؤدي إلى رفع معدلات الفائدة، وتراجع أسعار الأسهم بشكل حاد، وغير ذلك من الاضطرابات المالية، لا سيما أن الولايات المتحدة لم يحدث طوال تاريخها أن توقفت عن سداد ديونها قط.
بدت مخاطر الديون الأميركية، حال عجز أكبر دولة مديونة في العالم، وعن حق كارثية، ذلك أن رفض الكونغرس رفع سقف الدين يعني أول الأمر فراغ الخزينة الأميركية من الأموال، ما يؤدي إلى افتقار ملايين الأميركيين إلى النقود، وتالياً تقطع شبكات الضمان الاجتماعي عن نحو 50 مليون مسن، وقد تتوقف رواتب الجنود، فيما النتيجة الأكثر هولاً هي فقدان ثقة العالم في الاستثمار في سندات الخزانة الأميركية، وظهور أميركا بمظهر الأمة الضعيفة حتى ولو مؤقتاً.
بدت الولايات المتحدة الخارجة للتو من أزمة اقتصادية كبيرة استمرت نحو 17 شهراً بفعل انتشار جائحة "كوفيد-19" المستجد معرضة لهزة عنيفة أخرى بدورها يمكنها أن تغرق البلاد، الغارقة في الانقسام وبصورة غير مسبوقة، ما يعني أن الحل لم يكن قابلاً للتأجيل أو التسويف، فإما فتح المجال قانونياً ورسمياً للمزيد من الاستدانة، وإما الإغلاق الكارثي.
واشنطن وميزانية مؤقتة لتجنب الإغلاق
أدرك رجالات الكونغرس ومن الحزبين الديمقراطي والجمهوري الخطورة الحقيقية التي قد تنجم عن عدم رفع سقف الدين، وبالتالي حدوث إغلاق حكومي قد يكون الأشد هولاً منذ زمن بعيد، وفي وقت يبدو فيه النسيج المجتمعي الأميركي في أسوأ حالاته منذ زمن الحرب العالمية الثانية، والعهدة هنا على الراوي، روبرت كاغان، أحد ركائز المحافظين الجدد ومشروع القرن الأميركي، في مقاله الأخير عن المستقبل الذي ينتظر أميركا في صحيفة "واشنطن بوست".
من هذا المنطلق أقر مجلس الشيوخ الأميركي مع آخر ضوء من يوم الخميس 30 سبتمبر ميزانية مؤقتة، لم يلبث أن صادق عليها مجلس النواب، لتجد طريقها إلى البيت الأبيض وليصادق عليها الرئيس بايدن، لتجنب شلل الإدارات الحكومية الاتحادية.
هل الأمر بمثابة نوع من المسكنات؟
في الغالب نعم، إذ سيحافظ التشريع على تمويل الحكومة حتى 3 ديسمبر (كانون الأول)، ويشمل أيضاً 28.6 مليار دولار للمجتمعات التي تضررت من الكوارث الطبيعية على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، و6.3 مليار دولار للمساعدة في دعم إعادة توطين اللاجئين الأفغان.
وعلى الرغم من ترحيب زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، بوحدة الصف هذه، التي نادراً ما تحدث على حد قوله، إلا أن أحداً لا يتوقع أن تمتد المشاعر الطيبة إلى ما هو أبعد من ذلك التصويت المؤقت، ليشمل الأمر تشريعات ملحة أخرى، مثل معالجة سقف الديون، كما يؤكد تقرير الإذاعة الوطنية الأميركية، "أن بي آر"... ماذا يعني ذلك؟
الجواب عند زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش مكونيل، الذي صرح بأن الجمهوريين لن يساعدوا الديمقراطيين في تمرير أي تشريع لزيادة سقف الاقتراض الاتحادي، ما يعني أن أزمة الديون فقط تم تعليقها أو تأجيلها إلى ديسمبر المقبل. والذين لديهم علم يدركون الخطورة المضاعفة لإمكانية إغلاق الدوائر الحكومية أبوابها إذا لم توجد ميزانيات مالية لها، وفي فترة احتفالات الكريسماس، ما يضاعف الاحتقان الداخلي ويفت في عضد النسيج المجتمعي المهترئ بقوة غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020 والاتهامات التي وجهها الجمهوريون بقيادة ترمب إلى الديمقراطيين ومرشحهم بايدن.
الديون الأميركية وحديث الأرقام الكارثية
هل دخلت الولايات المتحدة دائرة خطيرة بسبب مديونياتها الخارجية؟
الشاهد أن الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، بل تميط اللثام عما هو خاف ومستتر خلف العباءة الإمبراطورية للولايات المتحدة.
قبل بضعة أيام، وفي خضم أزمة سقف الديون الأميركية، قال مكتب الميزانية في الكونغرس، إن عبء الدين الاتحادي سيتضاعف على مدى الثلاثين عاماً المقبلة، ليبلغ 202% من الناتج الاقتصادي بحلول عام 2051، مع نمو العجز وارتفاع أسعار الفائدة في نهاية المطاف.
تبدأ كارثة الديون الأميركية من العام الحالي، إذ يتوقع المكتب أن يصل الدين الاتحادي إلى 102% من الناتج الإجمالي، وذلك بسبب الإنفاق الهائل المرتبط بجائحة "كوفيد-19".
بيانات المكتب المخيفة للأميركيين تتوقع أن ينمو العجز بدءاً من عام 2030 ليصل إلى 7.9% بحلول 2041، ثم يتصاعد إلى 11.5% في الفترة ما بين 2041 و2050.
ولعله من المثير الإشارة إلى أن قراءة مكتب الميزانية في الكونغرس لا تتضمن توقعاتها المستقبلية أي آثار لمشروع قانون التحفيز المرتبطة بفيروس كورونا، الذي اقترحه الرئيس جو بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار، ولا استثماراته المخطط لها في البنية التحتية والتعليم والبحث.
ويعد أحد العوامل الرئيسة في تراكم الديون الأميركية في العقود المقبلة، حسب تحليل الكونغرس، هو افتراض أن أسعار الفائدة سترتفع من المستويات المنخفضة تاريخياً مع تعافي الاقتصاد من الوباء.
هل تقف أميركا وراء كارثة اقتصادية عالمية؟
يبدو التساؤل على الألسنة في الوقت الراهن: هل أزمة سقف الدين الأميركي أزمة محلية، أم إشكالية عالمية، يمكن أن تؤدي إلى كارثة اقتصادية عالمية؟
منبع الخوف ومنطلق التساؤل هو أن الولايات المتحدة وحتى الساعة لا تزال قاطرة الاقتصاد العالمي، وحال إصابتها بالبرد حكماً ستتأثر بقية بقاع وأصقاع العالم، ما يؤدي إلى الشعور بالبرد والرعشة ومن ثم الحاجة إلى التداوي.
حدث ذلك عام 2008، فقد تسببت وقتها أزمة الرهونات العقارية في كارثة اقتصادية عالمية، تأثرت بها اقتصادات الشرق والغرب على حد سواء.
يتساءل الاقتصاديون الأميركيون: إلى متى تغطي الإدارات الاتحادية عجز الموازنات من خلال الاقتراض؟
كارثة هذا العام الاقتصادية في الداخل الأميركي، إذ بلغ مستوى الدين الحكومي نحو 28.5 مليار دولار، هي أن الديون أكثر بنحو 29% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
نحو ربع هذه الأموال تدين بها الحكومة نفسها، إذ تستثمر إدارة الضمان الاجتماعي 2.9 تريليون من فائض أرباحها في السندات الحكومية، ويحتفظ الاحتياطي الفيدرالي بأكثر من خمسة تريليونات دولار في سندات الخزينة الأميركية.
في المقابل تمتلك الدول الأجنبية والشركات والأفراد 7.5 تريليون دولار من ديون الحكومة الأميركية، إذ تعد اليابان والصين أكبر المستثمرين في سندات الخزينة، أما باقي السندات فمملوكة لمواطنين وشركات كبرى وولايات وحكومات محلية.
هنا لا بد من لعب دور "محامي الشيطان"، والتساؤل: ماذا لو لم يتم التوصل في ديسمبر المقبل إلى قرار برفع سقف الدين الأميركي؟
هناك حل من اثنين، أحلاهما مر، وكلاهما أعرج.
الأول: هو الموافقة على رفع سقف هذا الدين، ما يعني غرق الأجيال الأميركية القادمة في الديون، وهي جزئية سنتوقف معها بالتفصيل لاحقاً، لا سيما أنها مستقبلية.
الثاني: التوقف عن سداد الديون، وهنا تتجلى كارثة اقتصادية آنية، تمتد من الداخل الأميركي لتصل إلى بقية أرجاء العالم وبعواقب وخيمة.
داخلياً سوف يشهد الاقتصاد الأميركي اضطرابات غير مسبوقة، تبدأ من عدم تلقي الموظفين الاتحاديين رواتبهم، والتوقف عن سداد استحقاقات المقاولين المتعاقدين مع الإدارات الحكومية الاتحادية.
عطفاً على ذلك سوف توضع العصا في دواليب القروض الصغيرة المقدمة للشركات البسيطة الحجم أو طلاب الجامعات، والنتيجة المرجحة ركود اقتصادي ناجم عن انخفاض الناتج المحلي بنسبة 4% تقريباً.
في مثل هذه الحالة الكارثية سوف يفقد نحو ستة ملايين أميركي وظائفهم، مما يسبب رفع معدل البطالة ووصولها إلى نحو 9%.
أما على صعيد الاقتصاد العالمي سوف تكون العواقب وخيمة، إذ سيؤدي الأمر إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتقليل قيمة الدولار، مقابل العملات العالمية الأخرى، لا سيما اليورو، واليوان الصيني، وتالياً ستصاب الأسواق العالمية بحالة من الذعر وربما الركود.
إصابة الدولار ونهاية بريتون وودز
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تمكنت الولايات المتحدة من رقبة الاقتصاد العالمي، إن جاز التعبير، وذلك من خلال أمرين رئيسين:
أولاً: نشوء وارتقاء المؤسسات المالية العالمية والمتمثلة في صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وكلاهما يدار -وهذا ليس بسر- بإرادة أميركية، على الرغم من المساهمة المالية لكل دول العالم فيهما، وقد استخدمتهما الولايات المتحدة في تنفيذ مخططاتها الاستراتيجية السياسية، تلك التي تدثرت بغطاء مالي وبأثواب القروض والديون.
هاتان المؤسستان في واقع الأمر ستكونان بشكل أو بآخر عرضة لكثير من الاهتزازات وفقدان الثقة في مقدرتهما على مواصلة الدور المنوط بهما، وهناك من المؤسسات المالية الصاعدة من يحاول الاختصام من دورهما، كما الحال مع جماعة البريكس ومنظمة شنغهاي اللتين تبحثان عن مسارات ومساقات مناهضة للهيمنة الاقتصادية الأميركية على العالم.
ثانياً: كان الدولار ولا يزال هو العملة العالمية المسيطرة، غير أن هذا الوضع بدأت تثار من حوله الشكوك، وهو أمر مزعج لجماعة القرن الأميركي، أي أولئك الذين رسموا خريطة استراتيجية للهيمنة على العالم طوال القرن العشرين وجعله أميركياً بامتياز، وفي سبيل ذلك، وضعوا استراتيجية الاستدارة نحو آسيا بهدف قطع الطريق على الصين وروسيا.
هنا وحال توقف الولايات المتحدة عن سداد ديونها سوف ترتفع أسعار الفائدة وتقل قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، وتصاب الأسواق العالمية بحالة من الذعر وربما الركود... ما الذي سيقود إليه مثل هذا الركود؟
حكماً سوف يدفع المستهلكين والشركات الأميركية إلى تقليل كمية السلع والخدمات التي يشترونها من خارج البلاد، الأمر الذي سينعكس سلباً على بلدان الأسواق الناشئة التي تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة للحصول على جزء كبير من دخلها، ما يعني تضررها بشكل مباشر.
ولعل انخفاض قيمة الدولار سوف يمثل ضرراً جوهرياً على اقتصاد أميركا نفسها، إذ سيجعل شراء الإمدادات من الخارج أكثر تكلفة على الشركات الأميركية، وبالتالي يتسبب بانخفاض حجم التبادلات التجارية على مستوى العالم.
تبدو الخسائر في مثل هذه الحال محدقة كذلك بالبلدان التي يرتبط اقتصادها بالدولار، ذلك أنها ستشهد تقليصاً في القوة الشرائية لمخزونها الحالي من العملة، ما يعني أن ضائقة مالية أخطر بمراحل من تلك التي عرفها العالم في 2008 سوف تدق بقوة على الأبواب وربما النوافذ، ومن غير ضوء في نهاية النفق للخلاص منها، لا سيما إذا عادت جائحة "كوفيد-19" المستجد لتضرب من جديد، عند أي نقطة زمنية، يتحور أو يتغير فيها وضع الفيروس الشائه.
الإفلاس وفرط الامتداد الإمبراطوري
هل ما يجري في الداخل الأميركي من ملامح أزمة مالية عالمية، تكاد تذهب بقوة الإمبراطوية الأميركية، القصيرة عمراً مقارنة بالإمبراطورية الرومانية، على الرغم من أن الآباء المؤسسين عملوا على محاكاتها ومضاهاتها كثيراً، وهل ما يجري أمر خارج سياق القصص التقليدية للإمبراطوريات البشرية؟
أغلب الظن، إنها الضريبة نفسها التي تدفعها الأمم والممالك بعد أن تمتد خارج حدودها الإقليمية، ثم تجد نفسها عاجزة بسبب الأكلاف الكبيرة لسطوتها ومعاركها، عن الاستمرار في تمويل الخارج، فترتد إلى الداخل، مع انتكاسات مغامراتها الخارجية.
ينطبق هذا النموذج على الولايات المتحدة وهو ما ذهبت إليه مجلة "كونتر بنش"، في عدد أخير لها أشارت فيه إلى أن الولايات المتحدة آخذة في الغرق أكثر فأكثر في مستنقع الديون بسبب المجمع الصناعي العسكري، وفساد الحكومة، وتدني كفاءة المسؤولين.
النقاط الثلاث المتقدمة، تحتاج كل واحدة منهن إلى التوقف معها طويلاً.
فالمجمع الصناعي العسكري، وحتى سبعينيات القرن الماضي، كان يعد القوة الخفية الحقيقية المحركة للنظام الأميركي، ولم يختصم منه ظهور جماعات ضغط أخرى لاحقة مالية ونفطية وعقدية، فهو صانع الحروب ومحرك الاقتصاد العسكري الأميركي. وقد أوضحت عملية الانسحاب من أفغانستان العلاقة بين هذا المجمع وإنفاقه، وفساد مالي مخيف عند بعض من كبار جنرالات الجيش، مع تدني قدرتهم على القتال ورسم الخطط لتكتمل الأسافي الثلاث إن جاز التعبير.
نقرأ في "كونتر بنش"، كيف أن الإنفاق المتزايد على الجيش الأميركي يتسبب في انزلاق الولايات المتحدة نحو الإفلاس، فيما الحكومة والمسؤولون يخدعون السكان باستمرار، ويطالبون بمزيد من التمويل للاحتياجات العسكرية.
لا يتوقف النقد الذاتي للداخل الأميركي عند حدود مجلة "كونتر بنش"، ذات التوجهات اليسارية، وإنما يمتد لجهة دراسات قامت بها منظمات أخرى من بينها منظمة Open the Government التي أوردت بيانات مبالغ أنفقها الجيش الأميركي وضحت قدر السفه الذي أصابه، بالضبط كما جرى الأمر مع الجيوش الرومانية في آخر عهود القياصرة.
على سبيل المثال تورد المنظمة شراء كرسي واحد بقيمة 9241 دولاراً، وطقم صحون للطعام من الخزف بقيمة 53000 دولار، ومشروبات كحولية وبعض المأكولات البحرية بآلاف الدولارات.
ما الذي تعنيه تلك الأرقام؟
باختصار غير مخل، تبدو الحكومة الأميركية تنفق أكثر بكثير مما تحصله من الجبايات الضريبية، ولذلك تضطر إلى الاقتراض بشكل كبير من الدول الأخرى، ويتم إنفاق هذه الأموال الطائلة على المؤسسات الحكومية الكثيرة وعلى الحروب المستمرة التي تخوضها حول العالم، فيما التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية في تراجع مستمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بايدن والديون... الطريق لإغراق أميركا
يبدو الحديث عن أزمة الديون الأميركية أكبر وأعمق من أن نجمله أو نشمله في قراءة واحدة، لا سيما أن الجميع يرى أن الرئيس بايدن ماضٍ في سياسة الاستدانة.
في تقرير أخير لصحيفة "ذا هيل" الأميركية، نقرأ للكاتب ستيفن مور، نقداً شديد اللهجة لسياسات الاستدانة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي جو بايدن، اعتماداً على انخفاض أسعار الفائدة.
رصدت الإدارة الأميركية الحالية ستة تريليونات دولار كنفقات ضمن ميزانيتها، وقد ترتفع إلى ثمانية تريليونات دولار، ومن المنتظر إقرار ضريبة قدرها تريليونا دولار على الأثرياء، كما يتوقع أن يرتفع حجم الديون إلى 7.6 تريليون دولار، وهو أكثر من الديون التي تراكمت على الرؤساء الأميركيين الأربعة السابقين.
تفكيك مقال ستيفن مور يبين بجلاء تام أن أطفال أميركا سيولدون والديون تلاحقهم، ولحظة ظهور طفل أميركي جديد سيكون مطالباً بـ150 ألف دولار من ديون بلاده حال توزيعها على سكان الإمبراطورية.
هل تبدو أميركا في مرحلة حرجة حقيقية؟
دعونا من حديث العسكرة، وقيام وسقوط الأقطاب السياسية، فهذه تحتاج إلى مراجعات متأنية، تقيم فيها الأوضاع بالحقائق في الحال، وتستشرف النتائج في الاستقبال. لكن على الصعيد الاقتصادي والمالي، فإنه يكفي القول إن الصين لن تحتاج إلى بذل أي جهود لمحاولة خفض قيمة الدولار حتى يصبح اليوان الصيني العملة العالمية المهيمنة، ذلك لأن الولايات المتحدة هي التي ستقوم بذلك مستقبلاً لخفض قيمة ديونها.
وبالقطع فإن الأميركيين أمام لحظة اختيار مصيرية، فإما المزيد من التنازع والتشارع السياسي من الآن وحتى ديسمبر، لتسقط البلاد في هوة الخلافات وربما الصراعات المسلحة، وإما رفع سقف الدين ومن ثم الدخول من جديد في دائرة مفرغة من الديون وخدمتها، وارتهان مستقبل أميركا للدائنين الغرباء.
الخلاصة... تموت الإمبراطوريات العسكرية حتماً، لأنها تتوسع وتمتد أكثر من اللازم وتسرف في الإنفاق حتى الفلس الأخير. حدث ذلك كما أسلفنا مع الإمبراطورية الرومانية، وها هي ذي أميركا لا تقرأ قصص التاريخ ولا تتعاطى مع أحاجي الإنسانية، وقد استبدلت بفكرة "المدينة فوق جبل"، الأمة المرهوبة لا المحبوبة، كما أوصى ميكيافيلي أميره الميدتشي قبل خمسة قرون تقريباً.