تواجه السفن تأخيراً لبضعة أيام أحياناً بسبب الأمواج أو الضباب أو العواصف، إلا أن فيروس كورونا تسبب في أكبر اضطراب بحركة نقل البضائع عبر البحر منذ بدء استخدام الحاويات قبل 65 عاماً، لتصبح سفن الحاويات التابعة لأكبر شركات الشحن البحري في العالم، عالقة في البحر، وتجار التجزئة يعانون صعوبة في التسليم، والمستهلكون يشعرون بالإحباط، ما دفع المنتدى الاقتصادي العالمي إلى انتقاد القطاع في كل دول العالم بلا استثناء.
وحسب موقع "جوكوميت" لتتبع الشحنات البحرية، يراوح معدل تأخر السفن قبل إفراغ حمولتها في غالبية موانئ العالم حالياً من 22 إلى 26 يوماً، سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو الصين أو ألمانيا، أو حتى تنزانيا. أما موقع "كينه+نيجل" لأسعار الشحن، فيشير إلى تكدس 353 حاوية حول العالم في انتظار السماح لها بدخول الموانئ.
وبسبب سفن الشحن الكبيرة التي نما عددها بشكل هائل خلال العقود الماضية لتقليل تكاليف النقل، يمكن أن تحمل السفينة نحو 20 ألف حاوية سعة 20 قدماً في المرة الواحدة، وعند تحميل الحاويات في سيارات الشحن تمتد لمسافة أبعد من المسافة بين باريس وأمستردام.
وفي أميركا الشمالية، قفز متوسط انتظار سفن الحاويات إلى 33 ساعة في مايو (أيار) مقارنة بـ8 ساعات في عام 2019. ولا تنتهي المأساة هنا، إذ تستغرق السفن نحو 12 يوماً لتفريغ حمولتها، بخلاف الوقت المطلوب لتوزيع البضائع على المستودعات والمتاجر والمنازل.
وحتى الحلول الجزئية لتسريع تفريغ الحمولة غير مجدية، فقد أعلن اتحاد سائقي الشاحنات في مانيتوبا الكندية، على سبيل المثال، أنه طلب 10 سيارات جديدة خلال الأشهر الماضية للمساهمة في حل الأزمة فجاءه الرد أن التسليم سيكون في 2023.
وقد أدت الأسباب المتعددة لاختناق الشحن البحري، حسب المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى ارتفاع أسعار النقل، إذ تتجاوز تكلفة شحن حاوية من آسيا إلى الولايات المتحدة حالياً 15 ألف دولار، أي أكثر من 4 أضعاف سعر النقل قبل وباء كورونا، ما أدى إلى تضخم بنسبة 3 في المئة تقريباً لأسعار البضائع المشحونة عن طريق المحيط.
كيف بدأ كل هذا؟
وأدى الإغلاق بسبب جائحة كورونا إلى انفجار التسوق والتسليم عبر الإنترنت بين عشية وضحاها، ولم تستثن المصانع وشركات الشحن من كثير من الموانئ وإليها من ذلك، ما أدى إلى تراجع المخزونات أسرع من المعتاد، وارتفاع تكاليف النقل بين الصين وأميركا وأوروبا، مع تراجع هوامش الربح لأن السفن الكبيرة تقوم برحلات أقل. فأصيب تجار التجزئة والمستهلكون بالإحباط، الذي له أسباب أخرى كشفت عنها جائحة كورونا.
لا توجد حلول سريعة
وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، فإنه مع بداية خروج العالم من التأثير الاقتصادي لأزمة "كوفيد-19"، فإن التقنيات القديمة لسلاسل التوريد تعرقل التجارة الدولية وتقوض التعافي في واحدة من أسوء حالات الركود في التاريخ الحديث. وذلك، لأن شركات الخدمات اللوجيستية العالمية تعتمد على حواسيب مركزية هشة وجداول بيانات منعزلة، فلم تستطع مواكبة الطلب المرتفع على السلع، ما تسبب في نقص المدخلات الصناعية من أشباه الموصلات إلى الأخشاب.
النفوذ والجيوب العميقة
ولم يعد اختناق الشحن البحري مشكلة مقدمي الخدمات اللوجيستية وحدهم، إذ تكافح جميع الصناعات لإيصال البضائع إلى السوق. وقد حذر المنتدى الاقتصادي العالمي من أن الشركات الأكبر حجماً، ذات النفوذ والجيوب العميقة المطلوبة للحصول على مساحات على سفن الحاويات أو الطائرات، تتمتع بميزة واضحة، ما يهدد بجعل الانتعاش الاقتصادي في العالم غير متساوٍ، وغير عادل. وإذا ما استمرت المشكلة وبدأت الحكومات مرة أخرى النظر إلى التجارة العالمية على أنها عائق وليس حافزاً للانتعاش، فيمكن توقع تقييد التجارة في مناطق عديدة من العالم.
القاهرة ونيويورك سواء
وانتقد المنتدى الاقتصادي "العالم بأسره" في هذه الأزمة، لأنه لم يستثمر ما يكفي لدعم نظام تجارة عالمي مُتنامٍ. ولم تسلم منه قناة السويس على الرغم من توسعتها الأخيرة، التي وصفها بأنها امتدادات ضيقة بشكل خطير، ولا البنية التحتية "المتهالكة" للولايات المتحدة، التي "عفا عليها الزمن"، حيث لا يمكن لموانئها إلا خدمة السفن التي يقل حجمها عن نصف حجم الجيل الجديد من السفن.
ولكن تغييرات البنية التحتية مثل الأرصفة العميقة والرافعات الأكبر وتسليم بنية تحتية جديدة يستغرق وقتاً، ولو كانت تتطلب مجرد إضافة رافعات حديثة، لأن تثبيتها يستغرق 18 شهراً من الطلب إلى التثبيت، وإن كانت هناك دول تستطيع الإنفاق بقوة على هذا القطاع، فإن هناك دولاً أخرى لا تستطيع ذلك. فغالبية الموانئ دون المستوى المطلوب، بخاصة في الأسواق الآسيوية الناشئة التي كانت موانئها مزدحمة حتى قبل الوباء.
الرقمنة والذكاء الاصطناعي
والتحسينات في البنية التحتية ليست إلا جزءاً من القصة، لأنه حتى إذا ما قررت الحكومات في جميع أنحاء العالم توسيع قنواتها والاستثمار في موانئها، فسيظل النقل العالمي غير فعال وعرضة للصدمات، لأن الشحن البحري والجوي لم يستفد من التطورات في البرمجيات. فنادراً ما يمكن للشركات أن تحدد على وجه اليقين مكان شحنتها في المحيط، فضلاً عما إذا كانت على الطريق الأكثر كفاءةً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال المنتدى، إن هناك العديد من الحلول في متناول اليد وسهلة. على سبيل المثال، يمكن للشركات وضع أجهزة استشعار أو أجهزة تعقب على الحاويات لمتابعة أماكن الوجود. وهذا التتبع المتزايد، إلى جانب أنظمة إدارة الطلبات، سيسمح للمعلومات بالتدفق بسرعة إلى الأشخاص في كل جزء من سلسلة التوريد، ما يمكن الفرق من الإبداع والتغلب على المشكلات التي لا مفر منها.
ويمكن لهذا النوع من الرؤية المحسنة لعملية الشحن أن تتيح للشركات العثور على مساحة على الحاويات، وهي مشكلة شائعة في صناعة النقل البحري، بالنظر إلى أن الحاويات ذات سعة الـ40 قدماً الصينية المتجهة إلى أميركا، وكانت ممتلئة بأقل من نسبة 70 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري. ويمكن لتكنولوجيا التعلم الآلي بسهولة رقمنة قوائم التعبئة وإجراء عمليات حسابية لتحديد المساحات الفارغة في الحاويات، التي يمكن بعد ذلك عرضها على شركات الشحن للاستفادة من هذه السعات المهدرة.
وبمجرد وصول هذه البضائع إلى الموانئ، هناك مجموعة تقنيات يمكن أن تجعل عملية التفريغ وإعادة التحميل أسرع وأسهل، وهذا أمر بالغ الأهمية، بالنظر إلى أن أكثر من 10 في المئة من جميع سفن الحاويات في العالم تمكث خارج الموانئ في انتظار التفريغ، مع نقص سائقي الشاحنات والاختناقات المرورية الهائلة في الموانئ التي تساهم في المأزق.
ويمكن للإصلاحات البسيطة مثل الاستخدام الواسع النطاق لتقنية التعرف الضوئي على الأحرف أن تقلل من الازدحام من خلال السماح للسائقين بمسح أوراقهم بدلاً من الاعتماد على عمليات تسجيل الوصول الشخصية.
ويمكن أن تساعد تطبيقات "الويب" والهاتف المحمول على إدارة تدفق الشاحنات بشكل أفضل وتقليل حركة المرور في الميناء. وفي الوقت نفسه، ستؤدي الجهود المبذولة لأتمتة الرافعات والعربات والرافعات إلى زيادة كفاءة الموانئ، إذ تعمل تقنيات الشاحنات ذاتية القيادة في النهاية على معالجة النقص في السائقين.
ويبدو بعد هذه الانتقادات، أن القطاع البحري سيكون أحد أكثر القطاعات جذباً للاستثمارات في العقد المقبل، لأن هذه المتطلبات ليست إلا في قطاع التشغيل، بينما يطالب القطاع بالوصول إلى صفر انبعاثات كربونية. وهذا يعني أن هناك تطورات ستحدث في قطاع تصنيع السفن، ليبدو مستقبل الشحن البحري حافلاً بالتطورات خلال الفترة المقبلة.