Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بايدن سيختار الأمن القومي والاقتصادي على حساب التغير المناخي

قرارات الرئيس الأميركي الجديد يوم توليه السلطة كمن ينفخ في قربة مخروقة

أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن ثلاثة قرارات تتعلق بأسواق الطاقة في أول يوم من توليه منصبه (أ ف ب)

حقيقتان تاريخيتان لا بد لكل المهتمين بالسياسة الأميركية أو أسواق النفط أو التغيير المناخي أو التجارة الدولية أو أي مزيج بينهم، أن يعرفوهما.

الأولى أن تاريخ السياسات الأميركية يوضح أنه كلما تعارضت سياسات الطاقة أو السياسات البيئة مع سياسات الأمن القومي، تمّ بني سياسات الأمن القومي على حساب سياسات الطاقة والبيئة. ومن المنطلق نفسه، إذا تعارضت سياسات الطاقة والبيئة مع سياسات تحفيز الاقتصاد وخلق الوظائف، فإنه تم تجاهل سياسات الطاقة والبيئة. وهناك حالات توافقت فيها هذه السياسات، ومن ثم تم المضي قدماً بها، إلا أن هذا التوافق قليل الحدوث.

الثانية أن أقوى القوانين البيئية التي تم إصدارها وأكثر السياسات البيئة أثراً تم تبنيها من قبل رؤساء جمهوريين، وأكثر الناس عداء للنفط بشكل عام والنفط الخليجي بخاصة كانوا من الجمهوريين، وكانوا من "المحافظين الجدد" تحديداً. ويرتبط بهذه الحقيقة أن سياسات العولمة التي تبناها الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون على مدى ثماني سنوات، أسهمت في زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من جهة، ونقلت جزءاً كبيراً من انبعاثات الدول الغربية واليابان إلى الصين والهند وغيرها. فهل يشذّ جو بايدن عن هذه القواعد؟

بايدن والأمن القومي والاقتصادي

يُعد بايدن أيقونة أميركية، كونه قضى بضعة عقود في الحكومة الأميركية، منها ثماني سنوات نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، وخلال هذه العقود تعارضت سياسات الأمن القومي مع سياسات الطاقة والبيئة عشرات المرات، وتم تبني سياسات الأمن القومي على حساب السياسات الأخرى، فقد اقتضت سياسات أمن الطاقة تشجيع زيادة إنتاج النفط في كل مكان، وتأمين الإمدادات وتنويع مصادر واردات النفط، إلا أن هذا تعارض مع سياسات الأمن القومي التي تطلبت فرض عقوبات على صادرات بعض الدول النفطية، وتطلبت في أحيان أخرى شنّ حرب عليها واحتلالها.

كلينتون وأوباما وبايدن وقادة الحزب الديمقراطي كانوا على علم بهذا التعارض، ولكنهم آثروا تحقيق أهداف الأمن القومي على حساب أهداف سياسات الطاقة.

انخفاض أسعار النفط مفيد للاقتصاد الأميركي، على الأقل حتى العام 2014 (انخفاض أسعار النفط أصبح مضراً بعدها بسبب الارتفاع الكبير في إنتاج النفط الصخري)، ورأينا ذلك في فترة حكم كلينتون بين 1997 و1999، وفي نهاية فترة حكم أوباما في 2015 و2016، إلا أن هذا الانخفاض يتعارض مع سياسات البيئة التي تتطلب ارتفاع أسعار النفط لخفض استهلاكه والتحول إلى بدائل أخرى، كما يزيد عبء دعم البدائل على موازنة الحكومة، لأن جعل هذه البدائل منافسة في ظل أسعار نفط منخفضة يتطلب دعماً أكبر.

قادة الحزب الديمقراطي، بمن فيهم بايدن، كانوا على علم بذلك إلا أنهم آثروا أسعار نفط منخفضة لدعم الاقتصاد على تحقيق أهدافهم البيئية المعلنة.

العولمة وحرية التجارة التي أسس لهما كلينتون في التسعينيات ووافق عليها بادين، زادت التجارة العالمية وأنعشت الاقتصاد الأميركي، وخفضت التضخم والبطالة معاً، ولكن زيادة حركة التجارة تعني مزيداً من السفن العملاقة التي تجوب البحار، ومزيداً من الطائرات التي تنقل الناس والبضائع بين البلاد، ومزيداً من الشاحنات التي تنقل ما تجلبه هذه السفن والطائرات، وتشير البيانات إلى أن هذه التطورات رفعت معدلات التلوّث بشكل كبير، ورفعت الانبعاثات العالمية بشكل مستمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كلينتون وبايدن وبقية قادة الديمقراطيين كانوا على علم بالأمر، إلا أنهم فضلوا معدلات نمو اقتصادية عالية وتضخم وبطالة أقل، على حساب البيئة. وبناء على ما سبق، ما الذي يجعل سياسياً يغير رأيه عن سياسات تبناها على مدى 47 عاماً؟ الحديث عن التغير المناخي في السياسات الأميركية موجود منذ حوالى 30 عاماً، وأول قوانين بيئية صارمة تم إصدارها في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون بداية السبعينيات، لهذا لا يمكن القول إن التغيير المناخي والمواضيع البيئية هي التي ستغير بايدن، ولا يمكن القول إن الاهتمام الدولي بهذه المسألة هو السبب. أول اتفاق للأمم المتحدة على التغيير المناخي حصل العام 1992، وتم توقيع بروتوكول "كيوتو" في العام 1997.

سياسياً، ولاية تكساس ستكون من أهم الولايات في الانتخابات المقبلة، وعيون الديمقراطيين عليها، إلا أن زيادة عدائهم للنفط واتخاذ خطوات عملية للحد من إنتاج النفط والغاز فيها، سيخفض معدلات النمو الاقتصادي ويزيد البطالة، وتنخفض إيرادات الحكومة المحلية، وهذه التغيّرات ستنقلب ضد الديمقراطيين.

على الصعيد العالمي، دعمت "ثورة النفط والغاز" الصخريين السياسة الخارجية الأميركية بشكل كبير، فقد مكّنت ترمب من تلافي الحروب في وقت فرض فيه عقوبات اقتصادية على إيران وفنزويلا من دون أن ترتفع أسعار النفط، كما أصبحا أداة قوية للتفاوض مع الصين وغيرها في شأن التجارة الخارجية، كما دعمت "ثورة الصخري" الدولار الأميركي من طريق انخفاض واردات الطاقة وزيادة الصادرات، فلماذا يتخلى بايدن عن هذه المكاسب؟

خلاصة القول، ليس هناك أي دليل على أن بايدن سيتبنى سياسات التغيير المناخي على حساب الأمن القومي والاقتصاد الأميركي، ولكن يمكن أن يتبناها إذا كان هناك تكامل بين هذه السياسات، وأخطر ما في الأمر على الدول النفطية هو استخدام موضوع التغيير المناخي كسلاح أو أداة في السياسة الخارجية.

آثار قرارات بايدن الأخيرة

أصدر بايدن ثلاثة قرارات تتعلق بأسواق الطاقة في أول يوم من توليه منصبه، وقف بناء وصلة أنبوب خط "كيستون" بين كندا والولايات المتحدة، والعودة إلى اتفاق باريس للمناخ، ووقف عمليات الحفر في الأراضي الفيدرالية لمدة شهرين.

وقف خط "كيستون" لن يوقف نمو إنتاج النفط الكندي، ولن يوقف تدفق كميات إضافية من النفط الكندي إلى الولايات المتحدة، كما يطمح أنصار البيئة لسبب بسيط، سيتم نقل النفط على عربات القطارات!

العودة لاتفاق باريس تعني العودة إلى ما قبل العام 2017، ولن تغيّر من الوضع شيئاً في أسواق النفط، خصوصاً أن الطاقة المتجددة لا تنافس النفط في الدول الصناعية والصين والهند، والواقع أنه على الرغم من النمو الضخم في الطاقة المتجددة، إلا أن الوقود الأحفوري لا يزال مسيطراً حتى في أكثر الدول اخضراراً، إذ يمثل الوقود الأحفوري 75 في المئة من استهلاك الطاقة في ألمانيا، و90 في المئة من استهلاك الطاقة في هولندا، وحوالى 80 في المئة في إيطاليا، و78 في المئة في بريطانيا. حتى في فرنسا النووية، نسبة الاعتماد على الوقود الأحفوري 46 في المئة، ونسبة اعتماد الولايات المتحدة عليه 81 في المئة، وأية خطوات إضافية من بايدن ستكون زيادة نسبة الطاقة المتجددة على حساب الفحم، لأن اعتماد الولايات المتحدة على الفحم لا يزال عالياً نسبياً. ضريبة الكربون موجودة في عدد من البلاد، وقد يؤدي التعاون الأميركي إلى فرضها في الولايات المتحدة، طالما أنها لن تضرّ الاقتصاد الأميركي.

أما بالنسبة لمنع الحفر في المناطق الفيدرالية لمدة شهرين، فلا أثر له لأسباب عدة أهمها أنه ينطبق على التراخيص الجديدة فقط، ومن ثم فلا يؤثر في المشاريع الموجودة، وقد استبقت شركات النفط الأحداث وحصلت على عدد ضخم من تصاريح الحفر خلال الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، والتي قد لا يحتاج بعضها إطلاقاً، بينما تحتاج إلى أشهر لحفر ما أخذت له تصاريح.

خلاصة الكلام، الأمن القومي والاقتصادي سيكونان سيد الموقف، إلا إذا تم استخدام موضوع التغيير المناخي كسلاح أو وسيلة ضغط على الدول الأخرى، وقرارات بايدن الرئاسية يوم توليه السلطة كمن ينفخ في قربة "مخروقة".

المزيد من آراء