Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف خسرت قوات الأمن الأفغانية المواجهة مع "طالبان"؟

انهيارها بدأ قبل أشهر لعوامل عدة تتعلق بغياب الدعم الأميركي وضعف القيادة واستياء الجنود

عناصر من قوات الكوماندوس الأفغانية في قندوز (رويترز)

أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على تدريب وتجهيز قوات الشرطة والجيش والقوات الخاصة الأفغانية على مدار الأعوام العشرين من وجودها في البلاد. فوفق الأرقام الرسمية، تكبّدت واشنطن 83 مليار دولار لإعداد وتسليح الجيش والشرطة الأفغانية، بينما تُقدَّر التكاليف الإجمالية للحرب بـ2 تريليون دولار أو 300 مليون دولار يومياً، بحسب تصريح سابق للرئيس الأميركي جو بايدن.

وعلى الرغم من أعوام من التحذيرات التي صدرت عن مسؤولين أميركيين وأفغان، أكدت الإدارات الأميركية المتعاقبة أن الجيش الأفغاني قادر على الدفاع عن البلاد. فعندما أعلن بايدن المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق الذي توصّل إليه سلفه دونالد ترمب في فبراير (شباط) 2020 مع حركة "طالبان" المتطرفة للانسحاب الكامل من أفغانستان، شدد على أن الجيش مجهز بشكل جيد مثل أي جيش في العالم، وذلك قبل شهر واحد فقط من انهياره، إذ سرعان ما استطاعت عناصر "طالبان" الاستيلاء على البلاد.

انهيار بطيء

صدمة السقوط الحر لأفغانستان في يد "طالبان" أدت إلى زلزال كبير على الصعيد الدولي مع اهتزاز صورة الولايات المتحدة، ما جعل الكثيرين في الداخل يتساءلون عن أسباب خسارة حرب هي الأطول في التاريخ الأميركي والأكثر تكلفة، والبحث في سبب انهيار قوات الأمن الأفغانية.

وتقول صحيفة "واشنطن بوست"، من خلال مقابلات أجرتها مع أكثر من 10 أفراد من القوات الخاصة الأفغانية وعناصر من الجيش والشرطة في ثلاث مقاطعات في الفترة من مايو (أيار) الماضي إلى يوليو (تموز) الماضي، إن "انهيار قوات الأمن لم يكُن مفاجئاً، بل كان انهياراً بطيئاً ومؤلماً بدأ قبل أشهر من سقوط العاصمة كابول، التي استولت عناصر "طالبان" عليها في 11 أغسطس (آب) الماضي.

ووفق تقرير نشرته الصحيفة الأميركية، الأحد 26 سبتمبر (أيلول) الحالي، يلخّص شهادات أفراد قوات الأمن الأفغانية أو عائلاتهم، فإن الموت طارد عناصر الأمن منذ الربيع الماضي، إذ إنه مع زيادة وتيرة الانسحاب الأميركي واستمرار الحركة في اجتياحها عبر المناطق الريفية في أفغانستان، ارتفعت الخسائر في صفوف هؤلاء. فعلى سبيل المثال، تعرّضت وحدة تابعة للجيش الأفغاني في كابول لهجوم في وقت مبكر من مايو، أسفر عن مقتل عدد من الجنود، بينما فرّ قائد الوحدة.

توقف الأجور

وفي قندهار، مع اشتداد الحرب، دخل عدد من أفراد الشرطة الأفغانية على خط المواجهة، الشهر السادس من دون تلقّي أجورهم، وهي مشكلة واسعة الانتشار أثرت في معنويات القوات الحكومية وجعلتهم عرضة للمغريات التي قدمتها "طالبان". ففي وحدة صغيرة جنوب المدينة، كان نور أحمد زارجي في مهمة الحراسة عندما اقتربت عطلة عيد الفطر. وحتى لو حصل على إجازة، أبلغ زارجي صحيفة "واشنطن بوست" بأنه لن يعود إلى المنزل، قائلاً "سأخجل من النظر إلى أطفالي بأيدٍ فارغة".

عندما انضم زارجي إلى قوة الشرطة الأفغانية، كان كل ما حصل عليه هو سلاح، لا تدريب. وقال وهو يحمل البندقية "في الشهر المقبل، إذا لم تدفع لي الحكومة، فربما يجب أن أبيع هذه البندقية لطالبان". وأضاف أنه سمع أن الحركة تدفع حوالى ألفي دولار مقابل أسلحة الحكومة الأفغانية، وهو سعر أعلى بكثير من سعر السوق. وأصرّ على أنه لن ينضم إلى "طالبان" أبداً، لكنه تهرّب من سؤال عما إذا كان سيستسلم.

بعد شهرين، سقطت وحدة زارجي في يد الحركة، وكل مناطق قندهار، باستثناء عاصمة المقاطعة. وقال شرطي آخر في المدينة إنهم سمعوا أن كل مَن في الموقع استسلم، وخطف عناصر "طالبان" عدداً من أفراد الوحدة. ولم يعرف أحد ما إذا كانوا لا يزالون محتجَزين كسجناء أو أُعدموا.

القيادة والغطاء الجوي

كُلّف الأفراد الأكثر تدريباً في أفغانستان بالعمليات الدفاعية مع اقتراب الحركة من عواصم المقاطعات واختفى الدعم الجوي الأميركي. وطُلب من عناصر النخبة إجراء مهمات إعادة الإمداد وهي مهمات خطيرة، جعلتهم عرضة لكمائن "طالبان". وقال الملازم أول عبد الحميد باراكزاي من قوات الكوماندوس الأفغانية، للصحيفة "ليس هذا ما تدرّبنا على القيام به"، مشيراً إلى التحركات بين المواقع حيث غالباً ما كان عناصر "طالبان" يزرعون القناصة أو القنابل على جانب الطريق. وأوضح أن الكوماندوس كُلِّفوا بالمهمة لأنهم كانوا من الوحدات القليلة المزوّدة بالمدرعات الثقيلة.
في إحدى القواعد، توجه الحارس المناوب إلى الخارج لإجراء مكالمة هاتفية وقُتل على الفور. وفي حالة أخرى، أُصيب شرطي عائد من دورية برصاصة في القلب، كما استُهدفت قوات الأمن داخل مدينة قندهار. وتقول شكيلا إن زوجها، وهو شرطي، بدأ بتلقّي رسائل تهديد من "طالبان" قبل شهرين من قتله في السوق المركزية بالمدينة، وتضيف "كنت دائماً أتوسل إليه: لست بحاجة لمواصلة هذه الوظيفة"، لكن زوجها محمد صادق نبي زاده لم يجد عملاً آخر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحلول شهر يوليو الماضي، فقدت الحكومة الأفغانية السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد وكانت تعتمد على وحدات النخبة - الأفضل تدريباً وتجهيزاً والأكثر تحفيزاً بشكل عام - لقيادة القتال. لكن وفقاً لمن تحدثوا إلى الصحيفة، فإنه من دون إشراف أميركي، كانت القوات تُدار بشكل سيّء وتعمل فوق طاقتها. وقال نقيب في واحدة من أبرز هذه الوحدات في أفغانستان، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، "عرفنا كيف نهزم طالبان، لكن القيادة في القمة لم تستمع".

عندما سحبت الولايات المتحدة قواتها، نُقلت وحدات خاصة من المشغّلين الأفغان إلى حد كبير تحت قيادة وزارة الدفاع. وقال النقيب إن "هذا التحول سلب الوحدات درجة من الاستقلالية التي عزلتهم عن الفساد الذي أعاق الفروع الأخرى لقوات الأمن في البلاد". وأضاف أنه قدّم إلى مشرفه خططاً متعددة لإعادة تنظيم قوات الأمن وصد تقدم الحركة، لكن في كل مرة رُفضت. وأردف "بدلاً من ذلك، تم إرسالنا لإجراء عمليات تطهير من دون دعم... ليست هذه هي الطريقة التي تكسب فيها الحرب. كنا نسمح للعدو باختيار ساحة المعركة. كان يجب أن نقود القتال".

غياب الدعم الأميركي

وأقر النقيب بأن الرجال في وحدته كانوا يكافحون أيضاً للعمل من دون تنسيق أميركي ودعم جوي. وأوضح أنه لم يكن هناك أي جهد مسبق لتدريب الوحدات على العمل من دون الدعم الأميركي، وفجأة وجد الكثيرون أنفسهم بلا أدوات كانوا يعتمدون عليها لأعوام لإجراء حتى عمليات بسيطة. وتورد "واشنطن بوست" أن اثنين من الضباط في القوات الخاصة الأفغانية أكدا كلام النقيب، وأشارا أيضاً إلى أن بيروقراطية وزارة الدفاع تسببت بتعطيل عمليات، إذ تم تغيير مهمات جيدة التخطيط أو أُلغيت في اللحظة الأخيرة.
بحلول أواخر يوليو، كانت "طالبان" تقترب من كل عواصم المقاطعات في البلاد تقريباً. وكانت قوات الأمن الأفغانية التي لم تُقتَل على يد الحركة فرّت أو تراجعت بشكل كبير من البؤر البعيدة إلى مراكز المدن، وأولئك الذين بقوا في الخطوط الأمامية للبلاد كانوا من الأقل قدرة. وفي يوليو الماضي، أبلغ عبيد الله بلال، وهو شرطي جريح في مستشفى قندهار المركزي تعرّض لإصابة في كمين نصبته "طالبان"، الصحيفة، بأن "الحركة في كل مكان الآن، حتى داخل المدينة".

وقال بلال "نحن في هذا الموقف بسبب قيادتنا"، في إشارة إلى الخسائر الإقليمية الهائلة التي تكبّدتها الحكومة في غضون أسابيع. وأردف "قادتنا يبيعون نقاط التفتيش الخاصة بنا... لقد باعوا دماءنا بالفعل"، بينما صرّح أحد قادة الشرطة أن الرجال الوحيدين من وحدته المستعدين لشغل مناصب ضد "طالبان" هم من مدمني المخدرات، موضحاً خلال حضوره جنازة أحد رجاله، أن المخدرات تبقيهم مستيقظين، ومضيفاً أن "المدمنين هم الوحيدون القادرون على الوقوف في الخطوط الأمامية... إذا لم يتعاطوا المخدرات، فسيُصابون بالجنون".

المزيد من متابعات