Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

درس أفغانستان الأميركي... غزو الدول لا يقضي على الإرهاب

هل تدفع الولايات المتحدة أكلاف التدخل العسكري بعدما بدا أنه صراع بلا نهاية ومعركة من غير فوز؟

نهار الثلاثاء الرابع عشر من أيلول (سبتمبر) الحالي، حذر مسؤول في الاستخبارات الأميركية، من أن تنظيم "القاعدة"، قد يستطيع تهديد الأراضي الأميركية من أفغانستان في غضون عام أو عامين.

وبشيء من التفصيل، فإن مدير وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، سكوت بيريير، وخلال المؤتمر السنوي للاستخبارات والأمن القومي في واشنطن، أشار إلى أن: "التقييم الحالي ربما بشكل متحفظ هو عام إلى عامين لبناء القدرة على الأقل لتهديد الوطن".

أما ديفيد كوهين، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، فقد قال، إن الولايات المتحدة اكتشفت بالفعل "بعض المؤشرات على بعض التحركات المحتملة للقاعدة إلى أفغانستان".

ما الذي تعنيه مثل تلك التصريحات الصادرة عن مراجع استخبارية أميركية، وبعد نحو عقدين من الحرب العلنية الأميركية على الإرهاب في جميع أنحاء العالم، تلك الحرب التي كلفت الولايات المتحدة، وبحسب التقرير الصادر عن جامعة براون العريقة، في ولاية رود آيلاند، نحو 8 تريليونات دولار، وقرابة مليون قتيل حول الكرة الأرضية؟

التساؤل المتقدم يقودنا إلى عمق الإشكالية التي تواجهها واشنطن اليوم، لا سيما بعد انسحابها المرتبك والمضطرب من أفغانستان، وهل هي حرب لا يمكن الفوز بها، وإذا كان ذلك كذلك فما السبب، وأين نقاط الضعف التي وقع فيها الأميركيون، وتبقى علامة الاستفهام الأكثر أهمية: ما مستقبل الحرب على الإرهاب، وبخاصة في ظل مثل تلك التوقعات الاستخبارية الأميركية، وهل سيظل العالم في مواجهات ما ورائية إلى أجل غير مسمى؟

أين الخطأ الرئيس للولايات المتحدة؟

صباح الثلاثاء الأسود في الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، تعرضت الولايات المتحدة لأكبر حادث إرهابي في تاريخها المعاصر.

كانت الصدمة مضاعفة من أكثر من اتجاه، إذ كيف للدولة التي بسطت هيمنتها ونظامها العالمي الجديد على العالم، وبعد انتصار ساحق ماحق على السوفيات، وفي ظل امتلاكها أحدث ثورة تكنولوجية، وأكبر ثروة مالية، وأنفع وأرفع جامعات ومؤسسات علمية، إضافة إلى مجمع استخبارات بشري وإلكتروني لا مثيل له في أي دولة... كيف لكل هذا أن ينتهي به الأمر إلى مثل هذا الهوان؟

في كتابه "الفوقية الإمبريالية الأميركية"، يحدثنا ضابط الاستخبارات الخارجية الأميركي، مايكل شوير، مؤلف الكتاب، وقائد الوحدة التي طاردت أسامة بن لادن لسنوات طويلة عن الخطأ الأساسي والرئيس الذي وقعت فيه واشنطن، ذلك أنه بدلاً من مواجهة الحقيقة بعد هجمات واشنطن ونيويورك، أو التصرف كقادة ورجال نخبة، وقع الجميع في فخ غرور القوة، واحتجزوا جميعاً خلف جدار لا يمكن اختراقه من السياسة المحافظة والجبن غير الأخلاقي.

تصرف الأميركيون منذ ذلك النهار بعقلية اليانكي في الغرب الأميركي، وبنفس منهجية إبادة الهنود الحمر، مضوا في سذاجة واضحة وفاضحة وراء الزج بأنفسهم في عمليات عسكرية، وقد كان هاديهم في الدرب، رؤى ميكافيلي في نصيحته لأمير أسرة ميدتشي... القوة لا تواجه إلا بالقوة، على الرغم من أن تجارب أميركية سابقة في كوريا وفيتنام والصومال، أثبتت أن الشر لا يأتي إلا بشر، كما أشار تولستوي ذات مرة، وتأكيده أن النيران لا تطفئها النيران.

رأى غالبية الأميركيين أن الحرب على أفغانستان ضرورية، لكن الواقع يخبرنا وبعد الانسحاب الأخير، أن واشنطن خسرت المواجهة، ذلك أنه حين تفر القوة العظمى رقم واحد في العالم، من أمام ميليشيات كـ"طالبان"، فإنها حكماً تخسر.

 كان السبب المؤكد هو العجرفة الأميركية، تلك التي توقفت عند الانتصار الذي تحقق في نهاية الثمانينيات بعد انسحاب القوات السوفياتية، ولم تهتم واشنطن بالتنظير لما بعد ذلك.

فشلت واشنطن في إحلال السلام في أفغانستان منذ أوائل عام 1990، وتركت البلاد نهباً لجماعات وأمراء الحرب المتقاتلين، ما فتح الباب واسعاً لظهور حركة "طالبان"، تلك التي أضحت عند لحظة زمنية الحاضنة الطبيعية لإرهاب "القاعدة"، ومن أحشائها تخلقت الخطط التي اكتملت مأساويتها في ذلك اليوم الحزين، والذي أزهقت فيه أرواح نحو ثلاثة آلاف روح بريئة، وشكل جرحاً غائراً في النفس الأميركية، غالب الظن سوف يحتاج إلى عقود طويلة لنسيانه.

إشكالية الوقوع في فخ التسلط العسكري

في توقيت مقارب من غزو العراق، كتب البروفيسورأندرو باسيفيتش، والكولونيل السابق في الجيش الأميركي يقول: "إن الولايات المتحدة لم تعد ترى أن استخدام القوة هو آخر حل تلجأ إليه، وهذا ما يدعى بالتسلط العسكري".

على أن هذا التسلط من غير فهم واع للدول التي تعرضت للغزو الأميركي وفي مقدمها أفغانستان، قاد الولايات المتحدة إلى الفخ الحالي.

عبر عقدين من الزمن فشلت واشنطن في تشكيل هيئات حكومية ودستور جديد في كابول، وقد كان القصد الأميركي هو الظهور بمظهر من ساعد في عملية ولادة دولة أفغانية ديمقراطية، تتمتع بالتسامح الديني، وتنعم فيها المرأة بحقوقها كاملة غير منقوصة، ولو لزم الأمر أن ترتدي أثواباً غربية، بما يتنافى مع حضارة الأفغان القبلية والسياسية.

لم تجد واشنطن إلا فئة قليلة وغير مسلحة لتناصرها وتتبناها، وهذا معناه أن الأميركيين لم ينجحوا إلا في خداع أنفسهم.

في السابع من سبتمبر (أيلول) الجاري، قالت صحيفة "التايمز" البريطانية، إن جنوداً أفغاناً دربهم البريطانيون والأميركيون يعتقد أنهم غيروا ولاءهم ويقاتلون الآن مع "طالبان"، وفقاً لمصدر في الجيش البريطاني، وقد جاء ذلك الكشف بعد أن فحص ضباط بريطانيون الصور التي ظهرت لعمليات "طالبان" العسكرية في الأيام الماضية، ومنها المعركة الأخيرة للسيطرة على ولاية بنجشير، آخر معاقل المعارضة الأفغانية التي كان يقودها أحمد مسعود.

هل كانت إشكالية التحولات في أفغانستان والقضاء على الإرهاب هناك في حاجة إلى جنرالات لقيادة المعارك، أم في حاجة إلى علماء في الأنثروبولوجي، والسيسيولوجي، لا سيما وأن تلك المواجهات تقاد من خلال علماء الاجتماع، لا من أصحاب الأيديولوجيات ذات البعد اليميني المتشدد إلى حد التطرف، كما كان الحال مع جماعة المحافظين الجدد، تلك التي آمنت بالنار الحارقة، لا بالأضواء الناعمة الخيرة والمغيرة؟

وبالعودة إلى كتاب ضابط الاستخبارات الأميركية السابق روبرت باير، والذي حمل عنوان "الشر بعيداً"، نجد أنه يقر بأن اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر فاقت بكافة المقاييس حدود الخيال لما نجم عنها من دمار، إلا أن الغريب هو أن الأميركيين لم يحاولوا حتى معرفة ما كان يتربص بهم.

باير يقودنا إلى فهم الأسباب الحقيقية التي وضعت الإدارة الأميركية الحالية، وكذا إدارة ترمب من قبلها، أمام خيار من اثنين لا ثالث لهما:

الأول: هو الاستمرار في البقاء في الداخل الأفغاني، مع تكلفة 300 مليون دولار كل يوم، تتحملها الخزانة الأميركية، ما يعني نزيفاً مستمراً يؤثر على الأوضاع المالية لإمبراطورية تقترب ديونها للعالم الخارجي من 30 تريليون دولار بنهاية العقد الحالي.

الثاني: الجلاء عن أفغانستان بشكل نهائي، الأمر الذي شاهده العالم، وكأنه يكتب من خلاله نهاية زمن الهيمنة الأميركية المنفردة بمقدرات العالم، وتالياً عودة "طالبان" إلى مواقع الحكم المتقدمة.

عقدان من الزمن لم تقم فيهما أي إدارة أميركية أو من خلفاء الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي ببناء أي قاعدة سياسية أو اقتصادية في أفغانستان يمكنها الصمود والاستمرار بعد انسحاب قوات الناتو والقوات الأميركية.

يوماً تلو آخر يصحو الأميركيون على زيف كبير اصطلح على تسميته محاربة الإرهاب وذلك من خلال نشوء وارتقاء نظام ديمقراطي أفغاني وليد، وذلك لعجرفة غير محدودة، إلا من وهم من نسج خيال أصحاب المجمع الصناعي العسكري الأميركي، أولئك الذين كشفت التقارير لاحقاً أنهم أكثر من استفادوا وحققوا ثروات مالية طائلة بعد عودتهم من الحرب هناك.

غزو الدول لا يقضي على الإرهاب

 تصحو أميركا في هذه الأيام على حقيقة ما جرى عبر عشرين سنة، ويبدو الرفض للمنهجية المعتمدة على القوة الخشنة، ديدناً يجمع المدنيين والعسكريين على حد سواء.

خذ إليك تصريحات السيناتور الأميركي الديمقراطي كريس ميرفي، في المقابلة التي أجرتها معه المذيعة المعروفة كريستيان أمانبور، والذي وصف فكرة احتلال القوات المسلحة الأميركية للدول بحجة محاربة الإرهاب بأنها "محض هراء".

يتفق مع ميرفي شخصيات بارزة من العسكريين الأميركيين السابقين من أمثال الكولونيل المتقاعد مايكل ماسترانجيلو، وهو قائد سابق لمجموعة من قدامى المحاربين في الحروب الخارجية، وضابط سابق في استخبارات الجيش الأميركي.

لا يلوم ماسترانجيلو القوات أو الحلفاء على خسارة الحرب في أفغانستان في نهاية المطاف، بل يلقي باللوم على قادة أميركا الذين حاولوا فرض الديمقراطية الأميركية، وطريقة الحياة الأميركية على بلد لم يكن مستعداً لها.

يقول القائد العسكري الأميركي السابق "كان ينبغي على الأرجح الخروج قبل ذلك بكثير، مثلاً بعد مقتل أسامة بن لادن، كما أن فرض القيم الديمقراطية الأميركية بشكل خاص على الشعب الأفغاني كان أمراً خطأ".

كان التصور القائم على تصدير الديمقراطية إلى أفغانستان وتالياً العراق، وهو تصور غير منبت الصلة بما جرى في الشرق الأوسط، خلال سنوات ما عرف باسم الربيع العربي، تصوراً زائفاً منفصلاً عن الواقع.

في أفغانستان بات اليوم الفائز الحقيقي بالحرب هو جماعة "طالبان"، وما من أحد يصدق أنها في طريقها لتضحى حركة معتدلة، لسبب بسيط وهو أن أبجدياتها السياسية، تنطلق من ركائز دوغمائية، لا تقبل فلسفة المواءمات أو القسمة على اثنين أو أكثر.

ولعل الكارثة الكبرى في مآلات أفغانستان عما قريب جداً، تتمثل في الصراع الذي طفا على السطح في الأيام القليلة التي أعقبت النصر، وما اختفاء غالبية هؤلاء القادة، أخيراً، إلا بسبب تهيئة الأجواء للصراع الأهلي القائم في العقول، والذي لن ينفك يخرج إلى الملأ معبراً عن نفسه في حرب أهلية.

في هذه الأجواء سيكون من الطبيعي للغاية أن تضحى أفغانستان حاضنة جديدة لجماعات إرهابية تمثل طفرات مختلفة عن "القاعدة" و"داعش"، وإن وجد أتباع هذه وتلك بتكتيكات مغايرة، واستراتيجية واحدة، تهدد أمن العالم وسلامه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فريدمان: هل سقطت أميركا في فخ الإرهاب؟

يبدو التساؤل المتقدم جوهرياً بدرجة كبيرة، ولعل أحد أفضل العقول الأميركية التي تصدت للجواب عنه، هو جورج فريدمان، مؤسس شبكة "ستراتفور"، والتي تعرف بقيامها بدور استخبارات الظل في الداخل الأميركي، أو الجناح المدني الموازي للاستخبارات المركزية الأميركية.

في كتابه: "الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير"، يخبرنا بأنه حين أعلنت الولايات المتحدة أنها تعتبر الإرهاب تهديداً وحيداً متعدياً لكل التهديدات الأخرى، وأصبحت حماية الولايات المتحدة من الآمال الإرهابية الدافع الأساسي لاستراتيجية واشنطن العالمية، ساعتها استهلكت طاقة وموارد هائلة نفسية ومادية.

وعند فريدمان أن الإرهاب كما تمارسه "القاعدة"– وربما "داعش" من بعدها– لا يمثل خطراً استراتيجياً على الولايات المتحدة، فهي يمكنها أن تقتل آلاف الأميركيين وربما تفعل ذلك في بعض الأحيان، وسوف تسبب ألماً وتولد الخوف، ولكن الإرهاب في حد ذاته لا يمكن أن يدمر الأساس المادي للجمهور الأميركي... لماذا وكيف؟

باختصار، لأن الإرهاب– حتى بما في ذلك الإرهاب النووي– لا يمثل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة، فالسياسة الخارجية التي تركز بشكل فردي على الإرهاب سياسة غير متوازنة في المقام الأول. ويتكون انعدام التوازن من تكريس كل الموارد المتاحة لتهديد واحد، من بين تهديدات كثيرة، مع الفشل في السيطرة على التهديدات الأخرى المساوية لها في الأهمية والخطورة أو الأعظم منها... هل هذه حجة لتجاهل الإرهاب؟

بالقطع لا يمكن أن يكون ذلك كذلك، بل حجة على أنه لا بد من بحث الإرهاب في سياق الاستراتيجية القومية، وهذه هي النقطة التي وقع عندها جورج بوش الابن في الفخ، ودخل خلفاؤه في مخاطرة الوقوع في الفخ نفسه.

رؤية استشرافية أميركية مضطربة للإرهاب

قضي الأمر، وانسحبت القوات الأميركية من أفغانستان، وبات السؤال الذي يقض مضاجع العالم برمته: هل باتت أفغانستان موئلاً من جديد للإرهاب كما حذر المجتمعون في قمة الاستخبارات والأمن القومي في الداخل الأميركي أخيراً؟

يكاد المراقب لما يجري في الولايات المتحدة هذه الأيام أن يقطع بأن ارتباكاً كارثياً تجري به المقادير، وتضاد في الأرواح ساكن الجسد الأميركي منذ زمان يتمثل في أسوأ صورة... لماذا؟

السبب المباشر هو ما فاهت به مديرة وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية، أفريل هاينز، في القمة نفسها، أي المؤتمر السنوي للاستخبارات والأمن القومي في واشنطن، من أن: "أفغانستان لم تعد على قمة اهتمامات الولايات المتحدة بالنسبة للتهديدات الإرهابية الدولية للولايات المتحدة الأميركية"، بحسب ما نقل موقع وكالة "بلومبرغ".

هكذا وبكل بساطة وبعد الانسحاب الأميركي، ذاك الذي شابه بشكل أو بآخر انسحاب القوات الأميركية من العاصمة الفيتنامية سايغون، تأتي مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، لتقطع بأن أفغانستان لم تعد مهدداً إرهابياً لأميركاً، حتى وسط مخاوف مستمرة من بعض المنتقدين الذين يجادلون بأن أفغانستان يمكن أن تصبح ملاذاً للتنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة" لإعادة تجميع صفوفهما بعد الانسحاب الأميركي.

التصريح المتقدم يفتح الباب واسعاً أمام أنصار التاريخ المتآمر، أولئك الذين يرون في هذا الانسحاب، وترك معدات وأسلحة تصل إلى مئة مليار دولار، فخاً أميركياً مقصوداً، يجعل من أفغانستان دولة إرهابية بهدف لا يدارى أو يوارى، وهو جعل "طالبان" ومن لف لفها من "القاعدة" و"داعش وخوراسان وغيرهما، خناجر وليس خنجراً واحداً في خاصرة كل من الصين الشعبية، وروسيا الاتحادية.

ولعل ما يثير التفكير ويستدعي إطلاق بوق القرن لخطورة ما هو آت تأكيدات مديرة الاستخبارات الأميركية لجهة أن: "التهديدات الإرهابية من 4 دول عربية، هي الصومال، واليمن، وسوريا، والعراق، وتحديداً داعش، تشكل خطراً أكبر من تلك التي قد تأتي من أفغانستان".

بجرة قلم هكذا تكاد السيدة هاينز، تخرج أفغانستان وبعد عشرين سنة من دائرة الإرهاب المهدد للداخل الأميركي، وتستبدل بها أربع دول كانت ثلاثة منها ضحية للربيع العربي الذي أثار حماسة واشنطن، والثالثة أي الصومال عرفها العالم مقبرةً لأحلام أميركية، انتهت بانسحاب في نهاية التسعينيات، كما كان الحال تالياً مع أفغانستان.

هل هي حرب أميركية عقيمة على الإرهاب ومن غير مقدرة على الفوز بها بعدما اعتبرت من إدارات متعاقبة هدفاً استراتيجياً وليس خططاً تكتيكة حركية ينبغي أن يكون لها رديف فكري وعقلي؟

صراع بلا نهاية وحرب من غير فوز

في مقال سابق له عبر مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية ذائعة الصيت، أعلن بول بيلار، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب قد تستمر إلى ما لا نهاية... ما مبررات بيلار؟

في واقع الحال أنه يرجع الأمر لخطأين في تفسير الإرهاب:

الخطأ الأول: نادراً ما يفكر الناس في أن الإرهاب هو تكتيك. الناس يظنون أن الإرهاب هو مجموعة من الأشخاص الأشرار هدفهم التخريب وجلب الضرر للغير لتحقيق مآرب خبيثة، وإذا قضي عليهم ستنتهي المشكلة.

الخطأ الثاني: هناك محاولة دائمة لربط الإرهاب الدولي بتسميات محددة مثل "القاعدة" أو "داعش". ما أن نسمع هذه الكلمات حتى يخطر على بالنا منظمة دولية واسعة ومتشبعة.

تقصف الولايات المتحدة هنا وهناك، وتفقد كثيراً في مقابل ذلك. هذا التكتيك عقيم ولن يعطي النتائج الكبيرة. القصف يؤدي إلى الدمار ومقتل المدنيين وهو ما يؤجج المزاج المعادي للأميركيين وزيادة العنف والنتيجة تأتي عادة بخلاف ما هو مرجو ومتوقع...

هل هي حرب من غير فوز إذن؟

هذا ما يخلص إليه ماثيو ليفيت، مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في قراءة معمقة أخيرة له أكد فيها أنه: "خلال العقدين التاليين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، بنت الولايات المتحدة مؤسسة لمكافحة الإرهاب من خلال معلوماتها الاستخبارية، وعمليات إنفاذ القانون والهيئات العسكرية التي حققت نجاحاً ملحوظاً من منظور تكتيكي، تمثل في إحباط الهجمات، وتعطيل الشبكات الإرهابية.

هل أحرزت واشنطن نجاحاً استراتيجياً موازياً؟

بالقطع أخفقت في ذلك، والحديث للخبير الأميركي نفسه، الذي يرى أن عدد الأفراد ذوي الفكر المتطرف العنيف اليوم يفوق ما كان عليه عام 2001 كجزء من تهديد إرهابي أكثر تنوعاً وانتشاراً على الصعيد العالمي.

وفي الخلاصة، بعيداً عن المخططات الماورائية الأميركية، وهي عادة ما تدخل العالم في أنفاق مظلمة بعدما تكتشف أنها جربت كافة البدائل الخطأ، بهدف التوصل إلى الحل السليم، كما قال رئيس وزراء بريطانيا العتيد ونستون تشرشل ذات مرة.

بعيداً نقول إن أميركا أعلنت الحرب على الغضب، وهنا لا يمكن الفوز في حرب غير محددة الأهداف العقلية، والتركيز على التكتيكات الحركية.

انتصر الغرب وأميركا رأس الحربة فيه على الاتحاد السوفياتي من خلال أدوات القوة الناعمة، تلك التي حررت العقول من سجن الأفكار الشيوعية، عبر إذاعة "أوروبا الحرة"، و"صوت أميركا"، وسحر هوليوود، ولهذا كان الانتصار على الستار الحديدي.

 ما الذي يتبقى قوله؟

ربما الإشارة إلى أن العالم على موعد مع فصل جديد من فصول معركة بغير نهاية وصراع من غير فوز.

المزيد من تقارير