بعد ساعات قليلة من إفشال المحاولة الانقلابية على السلطة الانتقالية بالخرطوم، وإعلان القبض على 40 من القادة العسكريين المشاركين فيها، بهدف إطاحة الحكومة الانتقالية، والسيطرة على الأوضاع بالبلاد، وإقصاء مجلس السيادة الانتقالي وحكومة عبد الله حمدوك الانتقالية، عبّرت قطاعات كبيرة من الشارع السوداني عن رفضها المحاولة، بينما تتهيأ الساحة السياسية وسط الثوار لتحريك مليونيات على مستوى لجان المقاومة وتنظيمات الأحياء من الشيوعيين والأحرار الديمقراطيين من أجل حماية الثورة والمحافظة عليها.
الشارع يترقب
بدا الشارع السوداني للوهلة الأولى من سماع النبأ مشوشاً ومنزعجاً بين الترقب والخوف، وما بين مصدق ومكذب ومستنكر هذه المحاولة التي اختلفت عن سابقاتها، كونها وصلت إلى مرحلة التنفيذ المتقدم، بينما كُشفت سابقاتها وقبرت في مهدها عند مراحل التخطيط الأولى، لكن سرعان ما أُعلن عن السيطرة على الانقلابيين وعودة الحياة الطبيعية إلى شوارع العاصمة الخرطوم، وإعلان القبض على كل قادة ومدبري الانقلاب من الضباط الإسلاميين داخل القوات المسلحة الذين ينتمون إلى الإخوان المسلمين، وحزب المخلوع عمر البشير، الذي أطاحته ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019.
وأصدرت معظم القوى والأحزاب السياسية داخل وخارج تحالف قوى الحرية والتغيير بيانات أدانت فيها المحاولة، ودعت إلى التمسك بحماية الفترة الانتقالية ومسيرة التحول الديمقراطي.
في الأثناء دخل مجلسا السيادة والوزراء في اجتماع طارئ ظهر اليوم الثلاثاء، لبحث تداعيات المحاولة الانقلابية، والخطوات التي جرت لإفشالها واحتوائها، ومآلات ما بعد ذلك.
وعقب احتواء الانقلاب الفاشل زار رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة، الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو، سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة بالخرطوم، التقيا خلالها الضباط والجنود، وقدما لهم الشكر والإشادة على حسن التعامل مع الوضع الذي شهدته المنطقة العسكرية.
حمدوك يدعو الشعب
في السياق شدد رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، عبد الله حمدوك، على محاسبة كل الضالعين في تدبير المحاولة الانقلابية من عسكريين ومدنيين داخل وخارج القوات المسلحة من فلول النظام المُباد، والعمل مع الجهات المختصة في اتخاذ إجراءات فورية لتفكيك النظام البائد.
ودعا حمدوك، في بيان تلفزيوني ظهر اليوم، كل قوى الثورة والشعب السوداني إلى ممارسة حقه في التعبير الديمقراطي لمؤازرة ودعم الحكومة الانتقالية، وحماية الانتقال الديمقراطي، مشدداً على ضرورة استكمال مؤسسات الفترة الانتقالية التشريعية والعدلية، وأهمية وحدة قوى الحرية والتغيير، باعتبارها الضمان لاستكمال الانتقال.
وأوضح رئيس الوزراء أن المحاولة جاءت في وقت بدأت فيه السياسات الاقتصادية تؤتي ثمارها، من خلال المؤشرات الإيجابية للأداء الاقتصادي، مما يستدعي تعزيز قبضة وزارة المالية وولايتها على كل موارد البلاد، مشيراً إلى أن ما حدث بمثابة درس يُستفاد منه، لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
الأحزاب تتحرك
على صعيد الحركة الجماهيرية والسياسية، أصدر حزب الأمة القومي بياناً أدان فيه المحاولة الانقلابية الفاشلة، مؤكداً استمرار العمل على حماية ثورة ديسمبر والحكومة الانتقالية بكل ما أوتي من قوة، مؤكداً أن الجماهير الصامدة التي ضحّت من أجل هذا التحول الديمقراطي ستقف سداً منيعاً لحماية الحق ودحر المتربصين بأمن وسلامة الوطن.
وناشد الحزب الشعب السوداني ولجان المقاومة والقوى السياسية الانتفاض من أجل حماية مكتسبات الوطن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الصعيد ذاته، أكد رئيس اللجنة التسييرية للاتحاد المهني للضباط الإداريين، عبد الله جمعة النور، أنهم "ملتزمون حماية أهداف الثورة، وشعاراتها التي لن تتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي مدني".
وناشد النور الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري والحاضنة السياسية في تحالف قوى الحرية والتغيير، "أن تتعظ من مثل هذه المحاولات اليائسة التي تسعى لاستغلال ضعف وتفكك الحاضنة السياسية، للانقضاض على الثورة والحكومة الانتقالية المدنية".
وأضاف، "لقد آن الأوان أن تُستكمل الهياكل السياسية والتنفيذية والتشريعية والعدلية للفترة الانتقالية، وأن تسعى جاهدة للعبور بالوضع الاقتصادي ومحاكمة رموز النظام البائد وتفكيك بنياته السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد، عبر تسريع إيقاع العمل التنفيذي ووحدة الجبهة السياسية الداخلية لقوى الثورة".
وقالت القيادية بالحزب الشيوعي السوداني، المنسلخ عن تحالف قوى الحرية والتغيير، آمال الزين، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "إن الأداء الضعيف للحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري وتساهلها أسهم في إغراء المغامرين من بقايا الإسلاميين للقيام بهذه المحاولة الفاشلة".
وأضافت، "أداء السلطة الانتقالية وانتهاجها سياسات مُضرة بالجماهير التي تحميها وتوفر لها السند السياسي، أضعفا علاقتها بالجماهير، فضلاً عن الإخفاقات التي لازمت اتفاق جوبا للسلام والتباطؤ في إصلاحات الأجهزة القانونية والعدلية، مما شكل بيئة مواتية للمحاولات الانقلابية".
وأوضحت القيادية الشيوعية أن المحاولة الفاشلة كشفت عن أن فلول النظام البائد من الإسلاميين بلا قواعد جماهيرية، وأن السلطة الانتقالية كانت فيما سبق تستخدم فزاعة الفلول الجماهيرية لكبح مواكب الثوار، مشيرة إلى أن ديسمبر ثورة شعبية وعلى الشعب استعادة زمام المبادرة لاستردادها وتحقيق أهدافها.
وأشارت الزين إلى أن المحاولة تستدعي نسف وجود فلول النظام داخل الأجهزة العسكرية في المرحلة المقبلة، من خلال إحداث إصلاح وتحول حقيقي داخل تلك المؤسسة التي لا تزال تحتضن الكثيرين ممن يضمرون العداء للثورة ويتربصون بها.
وربطت القيادية الشيوعية بين المحاولة الانقلابية وما يحدث في شرق السودان من إغلاق وقطع للطريق القومي، والتصريحات التي يطلقها الفلول في الشرق والشمال، بحيث يجب أن تكون هذه المحاولة المسمار الأخير في نعش سدنة النظام المباد.
بدوره استنكر حزب المؤتمر السوداني بشدة المحاولة الانقلابية، ووصفها بأنها محاولة يائسة من فلول نظام البشير. وقال فؤاد عثمان، أمين العلاقات الخارجية بالحزب لـ"اندبندنت عربية"، إن الشعب السوداني "لن يقبل بأي حال عودة على ظهر دبابة أو غيرها بعد أن لفظهم الشعب"، مشيراً إلى أن الحزب بصدد إصدار بيان شامل في هذا الصدد.
وكان عضو مجلس السيادة والمتحدث باسمه، محمد الفكي سليمان، قد دعا الشعب السوداني صباح اليوم إلى أن يهب للدفاع عن الديمقراطية والفترة الانتقالية والثورة في مواجهة محاولة انقلابية كان يجري التعامل معها، وذلك قبل أن يعلن عن إلقاء الجيش القبض على الضالعين في المحاولة الانقلابية وخضوعهم للتحقيقات.
كما أعلن التلفزيون السوداني صباح اليوم عن وقوع محاولة انقلابية فاشلة، ودعا الجماهير إلى التصدي لها بعد سيطرة مجموعة من الضباط على سلاح المدرعات، كذلك أوقفت الإذاعة السودانية بثها لتعلن عن وقوع محاولة انقلابية وتدعو الجماهير إلى التصدي لها.
ومنذ البداية كانت أصابع الاتهام تشير إلى علاقة الانقلابيين بفلول النظام المباد، وأحداث شرق السودان.
وكانت شوارع الخرطوم قد شهدت انتشاراً أمنياً كثيفاً، بينما كان يجري التصدي لبعض جيوب الانقلابيين في منطقة الشجرة (سلاح المدرعات) حتى التاسعة والنصف من صباح اليوم الثلاثاء حتى سلموا أنفسهم والسلاح إلى القوات المسلحة.