تواجه الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية في السودان (قوى الحرية والتغيير)، خلافات وانقسامات عديدة، ما دفع بعض مكوناتها إلى تجميد عضويته، وخرج آخرون رافعين سلاح إسقاط الحكومة، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على أدائها.
فما رؤية القوى السياسية لعودة الروح من جديد إلى هذه الحاضنة، وما الأسباب التي قادت لهذا الانقسام، وما مستقبلها في ظل التحديات الماثلة؟
أكد رئيس المكتب السياسي في حزب الأمة القومي السوداني محمد المهدي أن الحاضنة السياسية للحكومة أصابها الانقسام وأصبحت بحاجة للم الشمل والإصلاح، مشيراً إلى أن حزبه اقترح مشروعاً أطلق عليه "العقد الاجتماعي الجديد"، كمبادرة تهدف إلى "جمع وحدة صف قوى الحرية والتغيير وتوسيعها من خلال آليات وميثاق جديد يتم الاتفاق عليه في مؤتمر تأسيسي يجري الإعداد له، بحيث تشمل هذه الحاضنة القوى السياسية والمدنية التي وقعت على ميثاق الحرية والتغيير ولم تشارك في الحكم الانتقالي، وكذلك القوى التي لم تشارك في النظام السابق، لكنها لم توقع على هذا الميثاق، فضلاً عن قوى الكفاح المسلح التي جمدت عضويتها في قوى الحرية والتغيير منذ فترة".
إعادة الهيكلة
وأضاف المهدي "فكرة هذا المشروع تقوم على إعادة هيكلة الحاضنة السياسية لتطلع بدورها الأساسي سواء في الإسهام في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية المركبة، أو تكملة أجهزة ومؤسسات الحكم المعطلة وهي المجلس التشريعي، وإعادة النظر في مجلس السيادة، وولاة الأقاليم بعد توقيع اتفاقية السلام مع الحركات المسلحة في العاصمة جوبا مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي".
وقال "بالتأكيد هناك خلافات داخل قوى الحرية والتغيير، لكنها ليست مبنية على الموضوعية بقدر المصلحة، كونها وجدت وضعية تمكنها في فترة الانتقال، لأن عملية المشاركة في أجهزة ومؤسسات الحكم لم تكن مرتبطة بمعايير الأوزان الحقيقية للمكونات السياسية والمدنية، حيث لم تفكر بعض هذه المكونات في الأضرار التي تحل بالبلد نتيجة هذا الخلل، وقد اتضح لها في نهاية الأمر أن القرار مختطف لجهة بعينها".
وأرجع رئيس المكتب السياسي في حزب الأمة ما حدث إلى التقديرات الخطأ لقوى الحرية والتغيير بأن موضوع السلام يجب أن يستكمل في ستة أشهر، وتشكيل المجلس التشريعي بعد 90 يوماً من توقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس (آب) 2019.
خرق الوثيقة
في المقابل، يشير القيادي في الحزب الشيوعي السوداني صديق فاروق الشيخ إلى أن "السلطة الحاكمة في السودان أصبحت في يد مجموعة من الميليشيات، لذلك سنسعى خلال هذه المرحلة إلى إسقاط الحكومة الانتقالية، وذلك من خلال إبعاد المكون العسكري من المشهد السياسي في البلاد، وقيام مجلس سيادة جديد بمهام شرفية محددة، والعمل على تصحيح الوثيقة الدستورية وتفريغ محتواها من البنود التي أقحمت بشكل غير قانوني حتى تضطلع بوظيفتها الأساسية، فضلاً عن قيام برلمان شعبي من الثوار الشباب"، مؤكداً أن المكون العسكري لن يقود البلاد إلى تحول ديمقراطي، حيث يظل يعمل على خرق الوثيقة الدستورية من وقت لآخر سعياً وراء تمديد الفترة الانتقالية وطول أمد مدة الحكم.
ولفت الشيخ إلى أن حزبه سيقوم بطرح رؤيته للخروج من هذا المأزق على الشعب السوداني بكل مكوناته السياسية، مرحباً بمن "يتوافق معنا على هذه المبادئ، لكننا لا نريد احتكار عملية التغيير، ولا أن نناضل بالإنابة عن الجماهير"، منوهاً إلى أن معظم القوى داخل الحاضنة السياسية تنكرت لبرنامج الثورة وتدير السلطة الحالية بعقلية انهزامية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أنه كان متاحاً أن تتفق القوى على رؤية سياسية مشتركة، لكن تلك التي تتخذ القرار ذهبت إلى تنفيذ برنامج مختلف عن شعارات وأهداف الثورة، قائلاً "تجربتنا فيها دروس كثيرة حول العمل المشترك، فالأزمة ليست أزمة تخندق أيديولوجي أو فكري، بل أكثر تعقيداً وتتعلق بسياسات وقرارات وقوانين تتخذها الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري تعد مخالفة لبرامج الثورة المتفق عليه قبل وبعد اندلاعها، بل إننا نرى ما يجري الآن سعي ممنهج لتصفيتها وأهدافها".
وأوضح أن "تصحيح مسار الثورة وتمليك الجماهير لموضع اتخاذ القرار لا يتأتى بحلول تنظيمية لمؤسسات تحالف قوى الحرية والتغيير، باعتباره النهج نفسه الذي انحرف بالانتفاضة إلى تبني المسار المعادي للثورة والوقوف مع مصالح ليست بالضرورة هي مصالح الشعب وأولوياته".
ونوه القيادي في الحزب الشيوعي السوداني إلى أنه من الضروري والمهم التوحد مع الآخرين حول قضايا الديمقراطية والعدالة والمواقف وليس عبر خلق وحدة تنظيمية من دون التوصل إلى آراء مشتركة ومتقاربة حول قضايا السودان المعاصرة، معتبراً "السلطة الانتقالية الحالية امتداداً لسيطرة الرأسمالية الطفيلية التي ضمت وجوهاً جديدة ووسعت قواعدها بضم رموز مسلحة ومعارضة، وأبقت السودان في ظل السياسات نفسها التي أنتجت الأزمة".
مؤتمر موسع
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق، "ما تعاني منه الحاضنة السياسية له تأثير كبير على أوضاع البلد، من ناحية أن للحاضنة دوراً في رفد الحكومة بالأفكار والبرامج، ومعلوم أن قوى الحرية والتغيير تكونت من أجل الإطاحة بالنظام السابق، ولم يكن في بالها تسلم السلطة بهذه السرعة، بالتالي لم تكن مهيأة للعب هذا الدور. ونذكر جيداً قول رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في بداية توليه منصبه بأن الحاضنة السياسية لم تسلمه أي برنامج لحكومته، لذلك كان برنامجها قائماً على ارتجال أو اجتهادات من الوزراء أو رئيس الوزراء".
وأشار صديق إلى أن تشرذم هذه الحاضنة جعلها غير قادرة على مواكبة هذه المرحلة بشكل جيد، لذلك من المهم جداً التفكير في معالجة أوضاعها، لأن "المعالجات التي تمت كانت ترميمية وليست جذرية للإشكال الكبير الذي تعاني منه الحاضنة. فالأمر ربما يقتضي جلوس المكونات السياسية والمدنية مع بعضها في محاولة لملمة الإشكاليات المختلفة، لكن من المهم اصطحاب كثير من الجهات التي كانت قريبة من النضال السياسي، والتي ربما أثرها أكبر من هذه الحاضنة مثل شباب الثورة ورجالاتها".
ويرى أن جهود إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير ربما تكون مفيدة، لكن حالة الضعف الداخلي كبيرة، كما أن العلاقات بين مكوناتها فيها إشكاليات مختلفة، فمثلاً هناك اختلاف حول مسألة العلاقات مع إسرائيل والتعامل مع الملف الاقتصادي، وكذلك ملف العلاقات الخارجية، وكثير من القضايا الداخلية كإزالة التمكين.
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن إعادة الروح والحياة لقوى الحرية والتغيير تحتاج إلى جهد استثنائي ونشاط سياسي وحوار، وقد يكون من المناسب عقد مؤتمر موسع تقدم فيه أوراق علمية جادة تضع حلولاً للإشكاليات المطروحة، وخريطة طريق للعبور من هذه المرحلة التي طال أمدها، فكلما وقع فصيل على اتفاق السلام زاد من عمر المرحلة الانتقالية، وهو ما أخر تسلم المكون المدني رئاسة مجلس السيادة حتى الآن.