أجراس الإنذار تدق، ولكن هل من الغريب ألا يسمعها أحد؟ بخاصة أننا نعيش اليوم في عالم يتوق إلى التفاؤل في حقبة كورونا وتداعياتها، فحتى في الأسواق المالية تبقى سوق الأسهم البالغة 51 تريليون دولار هي مقياس الرفاهية الاقتصادية بالنسبة إلى الجمهور الأميركي، وقد سجلت هذه السوق أرقاماً قياسية أخرى، ومع ذلك فهناك سبب وجيه للقلق بخاصة مع تنامي الأخطار في أحد أركان الأسواق المالية.
يلوح المستثمرون هذا العام بصفقة بعد أخرى محفوفة بالأخطار باحثين عن أماكن لتخزين أموالهم، فقد الإقراض ضخماً وأدى إلى تضخم سوق سندات الشركات الأميركية إلى ما يقرب من 11 تريليون دولار، أي أكثر من عشر ما كان عليه نهاية عام 2019 قبل تفشي جائحة "كوفيد-19"، وفقاً لـ"سيفما"، مجموعة تجارة صناعة الأوراق المالية، لكن شروط الإقراض التي وافق عليها مديرو الأموال هؤلاء كانت سيئة بشكل مذهل كما تقول "فايننشال تايمز".
وفي وقت حذّرت وكالات التصنيف الائتماني من بذور الأزمة التالية أو على الأقل دورة التخلف عن السداد التالية، متوقعة أن يكون الألم حاداً بشكل خاص في سوق السندات غير المرغوب فيها والقروض ذات الرافعة المالية، وهو المكان الأكثر خطورة الذي تمول فيه الشركات نفسها وتمول متاجر شراء الأسهم الخاصة في عمليات الاستحواذ.
كما حذر المحللون في مزود التصنيف الائتماني "إس آند بي غلوبال" هذا الشهر من أن الأخطار المتزايدة في هذه السوق تعني أن المستثمرين يجب أن يطالبوا بتعويضات أكثر ملاءمة لإقراضهم، لكن اتضح أن "العكس هو الصحيح الآن"، وفقاً للمحللين.
وكمثال واحد فلنأخذ "كوين بيز" وهي بورصة العملات المشفرة ذات التصنيف غير المهم، التي وجدت نفسها في مرمى النوازل التنظيمية، فقد أقفلت هذا الأسبوع في سندات لمدة 10 سنوات بسعر فائدة 3.625 في المئة فقط، دفعت حكومة الولايات المتحدة لأقل من نصف نقطة مئوية من ذلك للاقتراض في 2018.
وأعلن الرئيس التنفيذي لشركة "أفينيو كابيتال مانجمنت" مارك لاسري في مؤتمر هذا الأسبوع أن شركته تمرر "مئات الصفقات" مع الرأي القائل بأن العديد من المقترضين سيواجهون مشكلات خلال السنوات المقبلة.
وقال لاسري، "هناك كثير من الناس يرتكبون أخطاء جسيمة"، وقد وافق هؤلاء المتهورون على تدابير حماية أضعف لأن العديد من المستثمرين الآخرين على استعداد للإقراض إذا رفضوا ذلك، في حين أدى ارتفاع الأسهم وانخفاض كُلف الاقتراض إلى جعل الظروف المالية في الولايات المتحدة فضفاضة وسهلة كما كانت في أي وقت مضى، كما يشير مؤشر جمعته "غولدمان ساكس" الذي يعود إلى عام 1982.
تحذيرات الافتقار إلى ضمانات المستثمرين
وقدر المحللون في وكالة التصنيف "موديز" هذا الأسبوع أن الافتقار إلى ضمانات المستثمرين من شأنه أن يدفع صناديق الأسهم الخاصة إلى دفع أرباح ضخمة إليها لاسترداد الأموال التي ينفقونها على شراء الشركات، ومن المؤكد أن الأسهم الخاصة كانت نشطة مع نشاط الاستحواذ القائم على الاستدانة إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، متجاوزاً الرقم القياسي لعام 2007 وفقاً لبيانات "رفينيتيف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التخلف عن سداد الديون
وهنا تكمن المشكلة إذ أظهر تحليل "مودي" الخاص لأداء الشركات خلال الوباء أن المجموعات المدعومة من الأسهم الخاصة تخلفت عن سداد الديون أكثر من الشركات ذات العائد المرتفع، وباستثناء قطاع النفط والغاز تخلفت 5.2 في المئة من الشركات الأميركية المصنفة على أنها عالية الأخطار بين عامي 2020 و2021 عن السداد، وبالنسبة إلى الشركات المملوكة للأسهم الخاصة فقد بلغ هذا الرقم 8.4 في المئة.
إذاً لماذا الإقراض بمثل هذه المعدلات المنخفضة عندما يعرف المستثمرون كيف ستنتهي دورة التخلف عن السداد في النهاية؟
في ورقة بحثية صادرة عن مجلة إدارة المحافظ "جورنال أوف بروتفوليو مانجمينت"، يجادل الأستاذ بجامعة نيويورك إدوارد ألتمان والمحاضر في جامعة ستانفورد مايك هارمون بأن المستثمرين يقرضون بناء على توقعات "عدوانية ومتفائلة للغاية"، قائلاً إنه "من خلال الاكتتاب في مجموعة من النتائج المحتملة عند الطرف الصعودي لمنحنى الاحتمالية يبدو أن المستثمرين يراهنون على الجانب السلبي غير المتماثل بدرجة كبيرة".
وخلال السنوات المقبلة يمكن ترك هؤلاء المستثمرين على خلفية تمريض الخسائر، فخلال الأزمة المالية ضربت عمليات الخفض الكبيرة محافظ ائتمان بنوك "وول ستريت"، ولكن الآن يتم تنفيذ الغالبية العظمى من هذا الإقراض من طريق صناديق الائتمان نيابة عن المعاشات التقاعدية والمستثمرين العاديين، وقد لا ينهار هذا النظام ولكن قد يتم ضرب حسابات التقاعد.
وتحذيراً من الأخطار عندما يبدو العالم المالي وردياً للغاية، فإن بعض مديري الصناديق يأخذون الأموال من على الطاولة بحثاً عن رهانات أكثر أماناً، وقد لا يكون هذا هو النهج الذي سيبرز على المدى القصير، بخاصة عندما تبدو عائدات الإقراض للمجموعات ذات التصنيف المنخفض جذابة للغاية مقارنة بأي شيء آخر معروض، ولكن علينا أن نتعلم أن كل الرهانات لن تؤتي ثمارها.