توجه الناخبون في المغرب، اليوم الأربعاء، إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخابات عامة يراهن حزب العدالة والتنمية الإسلامي على تصدرها للاستمرار في رئاسة الحكومة التي يقودها منذ عشرة أعوام، وينافسه خصوصاً حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة رجل الأعمال عزيز أخنوش.
وسيختار الناخبون أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 395 وأعضاء مجالس المحافظات والجهات (أكثر من 31 ألفاً). وهي المرة الأولى التي تجرى فيها انتخابات عامة في يوم واحد.
من المتوقع أن يبدأ الإعلان عن النتائج الأولية ليل الأربعاء- الخميس.
ويراهن نحو 30 حزباً على إقناع نحو 18 مليون مغربي مسجلين في القوائم الانتخابية بالمشاركة في التصويت لتجاوز نسبة 43 في المئة المسجلة قبل خمسة أعوام. علماً أن عدد البالغين سن التصويت يقارب 25 مليوناً، من أصل 36 مليوناً من سكان المملكة.
ويعين الملك محمد السادس بعد الانتخابات رئيس وزراء من الحزب الذي يحصل على الكتلة الأكبر في البرلمان، ليشكل حكومة جديدة لخمسة أعوام.
ويمنح الدستور الذي تم تبنيه في سياق "الربيع العربي" عام 2011 صلاحيات واسعة للحكومة والبرلمان. لكن الملك يحتفظ بمركزية القرار في القضايا الاستراتيجية والمشاريع الكبرى التي لا تتغير بالضرورة بتغيّر الحكومات.
وكان الحزب الإسلامي المعتدل وصل إلى رئاسة حكومة ائتلافية في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير (شباط) 2011 المطالبة "بإسقاط الفساد والاستبداد". ويعد المغرب البلد الوحيد في المنطقة الذي استمر فيه وجود الإسلاميين في السلطة عشرة أعوام بعد "الربيع العربي".
حملة انتخابية باردة
بعد حملة انتخابية باردة غابت عنها التجمعات الكبرى بسبب جائحة كورونا، تصاعدت حدة المواجهة في الأيام الأخيرة بين الإسلاميين وحزب التجمع الوطني للأحرار.
واهتمت وسائل الإعلام المحلية في هذا الصدد بدخول رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران (العدالة والتنمية) يومين قبل موعد الاقتراع على خط الجدال، فوجه انتقادات لاذعة لعزيز أخنوش الذي يوصف بالمقرب من القصر.
وخاطب بنكيران أخنوش قائلاً "ليس لك إلا المال"، مضيفاً في منشور على حسابه على "فيسبوك"، "رئاسة الحكومة تحتاج شخصية سياسية نزيهة نظيفة ليس حولها شبهات".
في المقابل، وصف أخنوش الذي يتولى وزارة الزراعة منذ 2007، في حوار مع موقع إخباري محلي الاثنين هذه التصريحات بأنها "إقرار بالهزيمة". وقال "لا نرد على هذه الهجمات التي تستهدف فقط التشويش. ما يهمنا هو المواطن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قبل خمسة أعوام، لعب أخنوش دوراً رئيسياً في تشكيل الحكومة المنتهية ولايتها فارضاً شروطاً رفضها رئيس الحكومة المكلف آنذاك عبد الإله بنكيران لأشهر.
وانتهت الأزمة بإعفاء بنكيران من طرف الملك وتعيين الرجل الثاني في الحزب سعد الدين العثماني مكانه. وقبل العثماني بشروط أخنوش، ما أضعف الإسلاميين.
في غياب استطلاعات للرأي حول توجهات الناخبين، تشير تقديرات وسائل إعلام محلية إلى تركز المنافسة حول رئاسة الحكومة المقبلة بين الإسلاميين وحزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة المعاصرة المحسوبين على الليبراليين. كما يخوض المنافسة حزب الاستقلال (يمين وسط).
وشهدت الحملة الانتخابية التي انتهت عند منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء، توجيه اتهامات باستعمال المال لشراء أصوات الناخبين ولاستقطاب مرشحين. ودان حزب العدالة والتنمية ذلك في مناسبات عدة، لكن من دون تسمية أي طرف.
ميثاق وطني للتنمية
تواجه الحكومة الجديدة تحدي تقليص الفوارق الاجتماعية العميقة في المملكة من خلال "نموذج تنموي جديد"، يطمح أيضاً إلى مضاعفة الناتج الداخلي الخام في أفق عام 2035.
وبغض النظر عن هوية الحزب الفائز وتشكيلة الحكومة المقبلة، يفترض أن تتبنى كل التشكيلات السياسية "ميثاقاً وطنياً للتنمية" مستوحى من "النموذج التنموي الجديد"، الذي أعدته لجنة ملكية وأعلن عنه في مايو (أيار) الماضي.
وهو يهدف إلى تغيير "مناخ اتسم بأزمة ثقة خيم على البلاد" بسبب "تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي وتفاقم الفوارق"، وفق تقرير اللجنة.
ويشير التقرير الذي يستند إلى أرقام رسمية إلى أن "10 في المئة من المغاربة الأكثر ثراء يركزون ثروة تساوي 11 مرة ما يملكه 10 في المئة من السكان الأكثر فقراً"، في المملكة البالغ عدد سكانها 36 مليون نسمة.
وأدت تداعيات جائحة كورونا إلى تعميق معدلات الفقر والهشاشة، وفق معطيات رسمية.
وقبل الجائحة، وعد ملك المغرب محمد السادس في خطاب في عام 2019 بمناسبة مرور 20 عاماً على توليه الحكم بـ"تجديد النموذج التنموي" من أجل "مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة"، مشيراً إلى أن الإنجازات التي تحققت على مستوى البنية التحتية خصوصاً "لم تشمل بما يكفي مع الأسف، جميع فئات المجتمع".
في السنوات الأخيرة، ظهرت حركات اجتماعية متفرقة كان أبرزها "حراك الريف" بين 2016 و2017 في مدينة الحسيمة ونواحيها (شمال) حملت مطالب اقتصادية واجتماعية، وتسببت في توترات أدت إلى اعتقال ومحاكمة المئات من المتظاهرين.
الصحة والتعليم
يعد ضعف الاستفادة من الحقوق الاجتماعية في قطاعي الصحة والتعليم من أبرز مظاهر التفاوتات في المملكة، التي تطمح إلى تعميم التغطية الصحية على نحو 22 مليون شخص بحلول 2025. ولا يستطيع هؤلاء حالياً تحمل تكاليف العلاج الباهظة في القطاع الخاص، مقابل محدودية الخدمات في القطاع العام.
ويسجل التقرير أيضاً "أداء جد متدن للمدرسة" المغربية وارتفاعاً في معدلات الهدر المدرسي، فضلاً عن إنهاك القدرة الشرائية للطبقة الوسطى التي تضطر بسبب ذلك إلى تعليم أبنائها في مدارس خصوصية.
وهو يدعو إلى "إعادة وضع المدرسة العمومية في صلب المشروع المجتمعي"، والإسراع بإنشاء "قاعدة موسعة وفعالة للحماية الاجتماعية".
وإذا كان تراجع معدلات نمو الاقتصاد في العشرة أعوام الأخيرة، مقارنة بالعشرية السابقة، سبباً رئيساً للبطالة، فإن التقرير يؤكد أيضاً على عوامل هيكلية تعيق النمو الاقتصادي.
وهي ترتبط أساساً "بالممارسات غير النزيهة لمقاولات تعمل جزئياً أو كلياً في القطاع غير المنظم... حيث تسود التفاهمات بين الأشخاص وبعض الممارسات كالرشى".
وللخروج من هذا "المأزق" يراهن النموذج الجديد على تحقيق "نسبة نمو سنوية تفوق 6 في المئة" بحلول 2035، مشدداً على ضرورة إدماج الأنشطة غير المنظمة في القطاع المنظم، وبث روح المقاولة وتشجيع الشركات المغربية على التصدير بعلامة "صنع في المغرب".
لكن تمويل النموذج المنشود يظل رهناً بزيادة حصة الرساميل الخصوصية في الاستثمار التي لا تتجاوز حالياً 35 في المئة، وإصلاح جبائي يعزز مداخيل الخزينة العامة، فضلاً عن اللجوء إلى سوق الرساميل الدولية والشركاء والمانحين الدوليين "شريطة أن يكون مسار التنمية المقترح ذا مصداقية".