بعد مرور أكثر من سنة على كون اجتماعات الفيديو جزءاً يومياً من حياتنا المهنية جراء عمليات الإغلاق التي فرضتها جائحة كورونا، يميل بحث صدر حديثاً إلى إلقاء اللائمة على الكاميرات في ما يتصل بالإرهاق الذي يشكو منه البعض عقب إجراء مكالمات مرئية ومسموعة عبر تطبيق "زووم" Zoom.
إذ حللت دراسة نفّذتها جامعة أريزونا الأميركية، التأثيرات المتأتية من استخدام الكاميرات في اجتماع افتراضي بالمقارنة مع الإبقاء عليها مُطفأة.
ووجد الباحثون أن مستوى التعب الذي أصاب مستخدمي الكاميرا، جاء "أكبر بأشواط" بالمقارنة مع نظرائهم ممن أغلقوا الكاميرا، إضافة إلى أن النساء والموظفين الجدد شعروا بإرهاق أكثر من غيرهم. ومرد ذلك على الأرجح إلى ضغوطات إضافية يفرضها الظهور وتقديم النفس أمام الآخرين (من ناحيتي الشكل والتصرف بأسلوب يخلق الانطباع المطلوب)، بحسب أليسون غابرييل، بروفيسورة في الإدارة والمنظمات في جامعة أريزونا.
وكذلك كشفت النتائج الرئيسة الأخرى التي توصلت إليها الدراسة، عن أن تأثير الإرهاق "لا يُعزى إلى الوقت الذي يمضيه الشخص في الاجتماعات الافتراضية أو عددها"، بل إن الإجهاد بحد ذاته "يتسبب باضطرابات في صوت الموظف ومدى مشاركته في العمل".
وبغية استكشاف تأثير الكاميرات، أجرى الباحثون دراستهم على أكثر من مئة شخص طوال أربعة أسابيع. وطلبوا من نصف المشاركين (المجموعة الأولى) إغلاق كاميراتهم في كل الاجتماعات خلال الأسبوعين الأولين من البحث، ثم إبقاء كاميراتهم مفتوحة أثناء الاجتماعات خلال الأسبوعين التاليين.
أما بالنسبة إلى المشاركين في النصف الآخر (المجموعة الثانية)، فقد تابعوا اجتماعاتهم في اتجاه معاكس للنصف الأول، أي أنهم شغّلوا كاميراتهم في البداية ثم أقفلوها في الأسبوعين التاليين. وقد أوعِزَ إلى جميع المشاركين في الدراسة إنجاز مسح يومي قصير يقيس حجم التعب ومستويات المشاركة في الاجتماعات ومدتها.
من نتائج المسح، خلصت غابرييل إلى أن الفكرة "التقليدية" التي تشير إلى زيادة مشاركة الناس حين يعملون أمام الكاميرا، قد عفا عليها الزمن.
ووفق غابرييل، "ثمة افتراض دائم مفاده أن تشغيل كاميرتك سيحملك على التفاعل بصورة أكبر في الاجتماعات. وفي المقابل، يُصاحب الحضور أمام الكاميرا ضغوط كثيرة تتأتى من تقديم النفس للآخرين. ومن بين تلك الضغوطات امتلاك المؤهلات والمعلومات المهنية، والظهور بالشكل المناسب، أو إبقاء الأطفال خارج الغرفة".
وأضافت البروفيسورة أن التعب الذي أبلغ عنه الموظفون الذين استخدموا الكاميرا، أفضى إلى ضعفٍ في أصواتهم وتراجعٍ في نسبة مشاركتهم أثناء الاجتماعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق البروفيسورة غابرييل، "في الحقيقة، جاءت مشاركة الأشخاص الذين أبقوا على كاميراتهم مفتوحة أقل ممن لم يستخدموا الكاميرات. ويتعارض ذلك مع المفهوم التقليدي بأن الكاميرات مطلوبة من أجل تحقيق الانخراط أثناء الاجتماعات الافتراضية".
واستطراداً، نُشرت الدراسة أثناء الأسبوع الجاري في مجلة "جورنال أوف أبلايد سيكولوجي" Journal of Applied Psychology (مجلة علم النفس التطبيقي). وتتضمن أدلة تجريبية أولى على الظاهرة المتنامية المعروفة باسم "إجهاد زووم" Zoom fatigue، بمعنى الشعور بالاستنزاف والافتقار إلى الطاقة عقب يوم من الاجتماعات الافتراضية.
وكذلك تجيء الدراسة عقب مقال كتبه جيريمي بيلنسون، المدير المؤسس لـ"مختبر التفاعل البشري الافتراضي" في "جامعة ستانفورد" الأميركية، في وقت سابق من العام الحالي، وقد استفاض في مناقشة هذا الاتجاه.
بعد دراسته الآثار النفسية التي يخلفها التواصل الافتراضي طوال أكثر من 20 سنة، أشار بيلنسون إلى أربعة أسباب تحمل البعض على إيجاد اجتماعات الفيديو مرهقة جداً. وتشمل تلك الأسباب الوطأة الشديدة المتأتية من حدوث مقدار مفرط من التواصل بالعينين عن قرب، والإرهاق المتأتي من مشاهدة نفسك باستمرار أثناء محادثات الفيديو في البث المباشر، والقيود الكبيرة التي تفرضها محادثات الفيديو على قدرتنا المعتادة في الحركة، وارتفاع مستوى العبء المعرفي المطلوب أثناء محادثات الفيديو.
من وجهة نظر البروفيسورة غابرييل، لا يكمن الحل في التخلي عن اجتماعات الفيديو تماماً، بل أن تمنح الشركات والمؤسسات موظفيها حرية الاختيار بين الحضور أمام الكاميرا أو عدم فعل ذلك.
ووفق البروفيسورة غابرييل، "في نهاية الأمر، نريد أن يشعر الموظفون بالاستقلالية والدعم في العمل كي يكونوا في أفضل حالاتهم. ويشكل الحصول على الحرية في استخدام الكاميرا خطوة أخرى في هذا الاتجاه". وأشارت غابرييل أيضاً إلى وجوب أن يكف زملاء العمل عن وضع افتراضات بشأن تشتت الأفكار أو الإنتاجية، إذا اختار شخص ما إبقاء الكاميرا مغلقة.
وكخلاصة، أوصت غابرييل باللجوء إلى استراتيجية أخرى تتمثل في التحقق من جدول الاجتماعات الافتراضية كل صباح، وتقسيمها إلى مجموعة يمكن عقدها بتشغيل الكاميرات وأخرى من دونها، من أجل مساعدة الموظفين على إتمام أعمالهم بروية وتفادي الإصابة بـ"إرهاق الفيديو".
© The Independent