Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عماد عاشور: نحتاج 50 عاما للخلاص من ضجيج النصوص الهابطة

الموسيقار المصري يقول إن المنافسة النخبوية السابقة أنتجت أرقى الأعمال في حين أفرزت "أغاني المهرجانات" جمهوراً راقصاً

 الموسيقار عماد عاشور (اندبندنت عربية)

الموسيقار عماد عاشور، المايسترو الذي يومئ بعصاه، ليطرب بها ملايين المستمعين الذين انتظروه خلف فنانهم المفضل، وهو الذي جلس في ظل أبرز أسماء الفن العربي، يعرف البعض اسمه، ويعرف كثيرون صوت المقطوعة التي خُطت تحت اسمه.

جئته وهو يعكف على مجموعة نوتات كان في لحظة تشكل تجليات الطرب الذي ألقاه إلينا خلف آلته المفضلة، التشيللو، أو بقية الآلات الحزينة كالناي والكمان. ابتسم مرحباً لمهمتي التي بدت معقدة، فكيف يمكن الإلمام بمن امتدت مسيرته عقوداً من تشكل الذائقة العربية، غير أن لطفه أخفض طبقة "قرار" الحوار.

البداية مع الكبار

لطالما شهد تأريخ الأغنية المصرية حضوراً رائداً منحها مكانة خاصة في وعي كل العرب. وهو الحضور الذي انعكس بدوره على عطاء الأغنية العربية. هذا التأثير، وفقاً لضيف "اندبندنت عربية"، جاء "على يد كوكبة أفخر أنني كنت واحداً منهم، جمعت أبرز أسماء النخبة الموسيقية الذين قدموا أعمالاً كبيرة ضمن قوام الفرق التي شاركنا فيها ولا تزال الأجيال تتوارث نتاجها الإبداعي بانشراح واعتزاز جم".

ولهذا، يمكن القول إن هذا العطاء، شكل النواة الأولى لتطور الموسيقى والأغنية العربية كامتداد موضوعي لهذا النجاح الذي خلق بعداً تنافسياً ونتاجاً موسيقياً زاخراً.

بدأ عاشور احتراف العزف على آلة التشيللو في عام 1974 مع فرقة الراحل حمادة النادي، وبرز وقدم مع عمالقة الطرب أعظم الأعمال: محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، ووردة، وغيرهم.

 

كما أن تحصيله الأكاديمي خلق لفضائه بعداً إضافياً واسعاً لينال درجة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من المعهد العالي للموسيقى العربية، تخصص تشيللو بامتياز.

هذه الآلة من حيث بدأت حديثي معه، فالتشيللو التي برز عطاؤه معها في حضرة كبار الفنانين العرب بمختلف أجيالهم، وهي العلاقة التي قادته بعدئذ ليغدو قائد أكبر الفرق الموسيقية، "حياتي كلها صدف، لم أقصد يوماً أن أصبح مايسترو، أو موزعاً، لكن المجال الذي قصدته من قلبي ونفسي أبقى حاجة فيه هو آلة التشيللو".

"النادي" نقطة مضمار النجاح

يدين عاشور للفترة التي شكلت بداية خوضه غمار تجربة النجاح، وهي الفترة التي تتمثل في مشاركته ضمن قوام "فرقة الأستاذ الكبير حمادة النادي التي ضمت أشطر الطلاب والعازفين حينها، مثل طارق عاكف وأمير عبد المجيد ورضا بدير ومحمود جيرشة وغيرهم".

بانتشاء واعتزاز، يشير ضيفنا إلى أن ظهور هذه الفرقة شكل نقلة نوعية في مسار الأغنية المصرية والعربية على السواء، إذ "قدمت أعمالاً عظيمة، ولا أبالغ إن قلت إن هذه الفرقة أنتجت قرابة 70 في المئة من نتاج الأعمال الموسيقية في الوطن العربي من حفلات وألبومات وغيرها، وشاركنا في مختلف فعاليات ومناسبات معظم الدول العربية، وحققنا نجاحات لافتة".

الكبار إذ يلهمون للنجاح

بتواضع ملحوظ، لا يقف عاشور عند سؤالي عن محطات نجاحاته الشخصية منذ بداياتها، لكني أراه منطلقاً للحديث بإسهاب وإعجاب عن زملائه الفنانين والموسيقيين، الذين رافقهم على امتداد مسيرته المرصعة بالأضواء.

يتحدث عن "العمل مع الكبار" إذ يلهمون على "العطاء والنجاح، ويعدون مصدر تحفيز، لأنهم كبار حتى على مستوى تعاملهم وعلاقتهم بزملائهم، ولهذا أنتجوا أعمالاً غنائية خالدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يروي هنا قصة جمعته بالعندليب الراحل عبد الحليم حافظ، "كنا في منزل عبد الحليم في حي الزمالك نعمل بروفة على (قارئة الفنجان)، وبينما نحن نجهز آلاتنا، يطل علينا بوجه مبتسم لطيف ويقول صباح الخير يا أساتذة". يخلص إلى أن هذا التعامل، كمثال، "يمنح الموسيقي فضاءً للعطاء والإبداع".

يستدل أيضاً بتعاملاته مع "محمد عبد الوهاب في أغنية (من غير ليه)، ونجاح هذه الأغنية التي جمعته مع موسيقار الأجيال، إضافة إلى الإنسان العظيم الفنان الكبير رياض السنباطي صاحب السيمفونية العربية والمتصوف في أغانيه، نفس الحال مع الكبير والخلوق فنان العرب محمد عبده، الذي يمنحك جرعات انشراح وانطراب خاص، وكذا الحال ببقية الفنانين والفنانات على السواء".

"قزاح" الوطن العربي

التجربة الممتدة التي جمعته مع هاني شاكر وأنغام ونوال الكويتية ورباب وعلي الحجار ونعيمة سميح من المغرب وذكرى ووعد من السعودية ومن الشباب الكثير مثل جنات من المغرب وديانا كرازون من الأردن وحسين الجسمي وريم من الإمارات وغيرهم كثير، خلق منها ما يمكن تشبيهه بالقزاح الطربي المتعدد الألوان من كل الوطن العربي "أعتز وأفخر بها، وأتطلع للمزيد".

من بين الوجدانيات التي يتذكرها في تلك المرحلة مرافقته الفنان اليمني أبو بكر سالم بلفقيه، في حفلاته التي أقامها في عدد من الدول العربية. وعبر عن اندهاشه بأجواء حفلات "أبو أصيل" التي أحياها في كل من صنعاء وتعز والحديدة، مطلع الثمانينيات. "ذُهلت من الجمهور وعشقهم للفن، وانشراحهم بأغنيات أبو أصيل".

ويضيف، "تحسهم فنانين بطبعهم، ومقدرين أبو بكر سالم الذي يعتبرونه هرماً فنياً، وعلاوة على كونه ملحناً وشاعراً، فهو صاحب صوت عظيم، وقدمنا حينها أعمالاً عظيمة، لا يمكن أن تنسى".

رابح وأول فرقة

عن الصدفة التي تحدث عنها ومنحته هذه المكانة العربية، وقيادة إحدى أشهر وأكبر الفرق الموسيقية، يكشف أنه لم يكن يسعى أو يخطط لها، "كنت مع الفنان رابح صقر في حفلة في فرنسا، وأثناء ما كنا عائدين ونعاني في الطائرة جراء مطبات هوائية مخيفة قال لي هات ورقة نوتة لكي أكتب له لحناً في الطيارة، ثم تقابلنا ثاني يوم في القاهرة، وأكملنا تلحين وتوزيع بقية أغاني ألبومه".

يتابع، "عندما أكملنا قال لي ما رأيك تعمل فرقة نتحرك فيها مع بعض؟ فوافقت لثقتي به، لأنه صديق وجهزنا فرقة، وفعلاً اشتغلنا مع بعض كثيراً جداً، واشتغلت بعدها مع فنانين آخرين وحققنا نجاحات".

الأستاذ المحاضر في معهد الموسيقى، قاده نجاحه من قيادة الفرقة الموسيقية لأكبر وأبرز المهرجانات الغنائية في الوطن العربي، ويتذكر منها "مهرجان جدة غير لمدة 10 سنوات، ومهرجان أبها 6 سنوات، ومهرجان الأغنية في قطر 11 سنة، ومهرجان دبي للتسوق 4 سنوات، ومهرجان هلا فبراير في الكويت 3 سنوات، وجميع حفلات قناة أوربيت 6 سنوات، وغيرها كثير، لا تحضرني الذاكرة لسردها".

ومن أبرز الأعمال الغنائية، التي يعتز بتوزيعها الموسيقي، "كثير، على سبيل المثال هناك أكثر من ألبوم للفنان الكويتي الكبير عبدالله الرويشد، من أشهرها دنيا الوله وأبيك وغيرها الذي لا يحضرني ذكرها، إضافة إلى توزيعي أول ألبوم للفنان علي بن محمد وأغنية اسمع الصد والهجران".

الوتر الغربي يطوع شرقياً

كونه آلة وترية غربية، استطاع عاشور تطويع آلة التشيللو بعزفه مقامات شرقية عربية، وتأديته صولوهات منفردة في سابقة فريدة على آلة الحنين والشجن.

يؤكد قدمت "أول صولو على التشيللو خلال أغنية (هان الود) لمحمد عبد الوهاب، و(أنا في انتظارك) لكوكب الشرق أم كلثوم، ثم توالت بعدها مجموعة أغان مثل (دارت الأيام) وغيرها كثير جداً، وهذه كانت أول حاجة اسمها صولو تشيللو عربي في دار الأوبرا، وأول واحد عزف صولو يقدم في الأغاني العربية والمسلسلات والأفلام".

هذا التفرد دفع عاشور إلى "تأليف كتاب عن التشيللو العربي، كما أن هناك من عمل أبحاثاً علمية عن عزفي على هذه الآلة وتطويري لها شرقياً ضمن الدراسات العليا".

لسنا في زمن العمالقة

أثناء حديثنا، تطرقت إلى واقع الأغنية اليوم وما تقابله من سخط نقاد الفن، إذ يغلب عليها ضجيج الإيقاعات والموسيقى الصاخبة وتراجع بلاغة النصوص وبلوغها حد الركاكة بحسب وصفه، ويعزو ذلك إلى "اختلاف الأجيال، فالقديم ولد في عصر كان شاهداً على وجود أكبر الشعراء في الوطن العربي وأكبر الملحنين، علاوة على صف من الفنانين الموهوبين الذين كان إلى جوارهم جيل آخر منافس، وهذا خلق تسابقاً خلاقاً نحو العمل الأفضل".

يخلص إلى أن "هذه المنافسة النخبوية أنتجت للمستمع العربي أرقى الأعمال، كما أن المستمع نفسه كان مثقفاً موسيقياً وسميعاً. أما اليوم، فهناك أناس تذهب إلى الحفلة كي ترقص بغض النظر عن الأغنية"، مؤكداً أننا بحاجة إلى 50 سنة لمعالجة هذا التغيير الذي "يراه تشوهاً"، لكن على الرغم من ذلك "لا يمكن أن ننكر أن لكل مرحلة مستمعين، ولكل مطرب جمهوره الخاص".

 

حتى مطربي المهرجانات؟ سألته، فيجيب "نعم". ويعلل بقوله "يمكن 90 في المئة من الناس تحب هذا النوع من الفنانين لحفلاتهم الخاصة".

وبعبارة علتها مسحة عدم رضى "الواقع أصبح هكذا ما تقدرش (تعجز) تقول له لا".

موجة العصر الطاغية

في حين ظل النقاد ينتقدون توسع رقعة جماهير المطربين الشعبيين أو "فناني المهرجانات" وتصنيفهم كفئة غير مثقفة وانتشارهم كمؤشر على انحدار الذائقة الغنائية العامة، يرفض عاشور هذا التصنيف، ويفند بقوله "هناك حاجة اسمها موجة العصر تبقى طاغية لما لا يقل عن خمسين سنة، وهي موجة تأتي في كل زمان، تأخذ معها جيلاً أو جيلين، إلى أن يظهر مطرب يوقظ الناس مرة أخرى بعمل غنائي قيم".

يستدل هنا بأغنية "لولاكي" للفنان علي حميدة "التي انتشرت انتشاراً كبيراً، وكانت أكثر أغنية بيعت في العالم مع أنها عادية جداً".

يتابع "بعدها عمل محمد عبد الوهاب أغنية (من غير ليه) وملأت الدنيا وسمعها الجميع، ونفس الحكاية مع أغنية (الأماكن) لفنان العرب محمد عبده التي غنيت في مهرجان جدة غير 2004، إذاً هناك مستمعون لهذا ومستمعون لهذا"

في خضم التنافس الغنائي اليوم، في النصوص والألحان والفيديو، يضع عملية إتقان وانسجام الفرقة الموسيقية في مقدم عوامل نجاح الأعمال الغنائية، "لهذا نحرص في البروفات على إتقان عمل الفرقة بأدق التفاصيل، ثم يأتي تالياً الصوتيات التي هي عامل مهم لإبراز جودة الفرقة والفنان على السواء"

حفلات خالدة

لطالما حازت حفلات معينة قاد ضيفنا دفتها، إشادات وانشراح الجماهير، تأتي على رأسها حفلات هلا فبراير، وحفلات مهرجان أبها 1998 والدوحة 2010 وجدة غير وغيرها، يحدثنا "قدمت عديداً من الحفلات التي لقيت نجاحاً كبيراً ولا تزال عالقة في وجدان الجماهير العربية، لعل أبرزها مهرجان هلا فبراير ومهرجان أبها، وأعتز أن كثيرين جداً يعتبرون حفلات أبها مع فنان العرب من أعظم الحفلات التي قدمها".

وعلى ذكر الفنان محمد عبده، وسر هذا التفوق الذي حازه معه يقول "من حسن حظي أن فنان العرب منذ أول يوم اشتغلت معاه، وهو ينقب على الأغاني القديمة التي تعشقها الناس وأجدنا فيها وجددناها بشكل جميل على الرغم من أن القديم أصعب من الحديث، وأدخلنا عليها بعض اللمسات الموسيقية، وتقدم للجمهور بشكل جديد وجميل، وكأنه يستمع لها لأول مرة، وهذا سر من أسرار نجاح هذا الفنان الكبير ونظرته الثاقبة في الاختيار الذي يتم بالتشاور بيننا".

من الخفايا التي يحتفظ بها من خلال ارتباطه الوثيق بفنان العرب، يقول "محمد عبده منظومة متكاملة، فهمه للموسيقى كونه دارسها وعذوبة صوته ويعرف كيف يوصل كل كلمة للمستمع ويصل للقلوب من غير استئذان".

يروي موقفاً لفت نظره "من جماله قال لي مرة هات لي موسيقيين ومش مهم يكونوا محترفين معروفين، أنا عايز كل الموسيقيين في العالم العربي يعزفوا مع محمد عبده".

لمسة على بنت النور

عما حوته ذاكرته من هذه السيرة المكللة بالنجاح، يستذكر بشيء من الحنين "عندما ألفت المقدمة الموسيقية لأغنية (بنت النور) استدعيت الأستاذ محمد وسمعته وارتاح لهذه الإضافة الموسيقية كثيراً".

يستخلص من هذه التجربة مقولة للفنان محمد عبد الوهاب قال فيها، إن "العازف الموسيقي هو المستمع الأول للحن". يضيف "ولهذا فإذا دخل اللحن وجدان الموسيقي فهو لحن ناجح".

هذا هو المايسترو

عندما يكون العازف على إتقان عال وخبرة طويلة في مجاله، فبإمكان الحظ أو الحاجة تالياً أن تدفعانه ليصبح مايسترو، هكذا يذهب. يستطرد "لهذا لا بد أن يجمع المايسترو بين الشخصية القيادية والكاريزما والتمكن في شتي فنون الموسيقى، ويكون على قدر وقفته أمام الأساتذة الموسيقيين والإلمام التام بالأدوات التي لديه".

ويختتم بالكشف عن وصفته المثلى لقيادة فرقته الموسيقية، وتتمثل في قاعدة "الناس تخشاك، ولكن يحبونك".

المزيد من ثقافة