Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجاهل لبنان في "مؤتمر بغداد" لغياب الحكومة أم لتصنيفه "ممانعة"؟

الوفد الأميركي يبحث مواصلة دعم الجيش في ظل "هاجس" أفغانستان

مجلس الأمن جدد ولاية "يونيفيل" لسنة ودعا إلى دعم القوات المسلحة اللبنانية بالغذاء والوقود والأدوية (رويترز)

يسعى بعض السياسيين اللبنانيين إلى تسقط الحقائق عن نتائج "مؤتمر بغداد" لدول الجوار العراقي ال`ي انعقد تحت شعار "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة" في العاصمة العراقية، وتحديداً عمّا دار داخل كواليس المؤتمر، والاجتماعات والمداولات الثنائية التي حصلت خلاله سواء في ما يتعلق الوضع الإقليمي، أو لمعرفة ما إذا جرى التطرق ولو جانبياً إلى الوضع اللبناني المأزوم.

فالمؤتمر انعقد السبت 28 أغسطس (آب) وسط تساؤلات من جهات سياسية عدة عن أسباب عدم دعوة لبنان إليه، في وقت تجذب أزمته السياسية الاقتصادية وتردي الأوضاع الحياتية فيه تحركات دولية متعددة، منها زيارة وفد من لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي إلى بيروت لاستكشاف أوضاعه المزرية والبحث في المساعدات للجيش اللبناني.

"مؤتمر بغداد" لم يذكر لبنان

وكان الرئيس المكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي قال عن "مؤتمر بغداد" قبيل انعقاده إن اللبنانيين يتطلعون بثقة إلى أن "لبنان سيحظى باهتمام القادة والأصدقاء الذين سيجتمعون في العراق الذي تحمل شعبه التحديات، واستطاع بحكمة حكومته أن يعيد دوره المميز عربياً ودولياً"، وهنأ القيادة العراقية بالنجاح في التحضير للمؤتمر – الحدث الذي أعاد الروح الى التضامن العربي.

وإذ لاحظ من اهتم من الوسط السياسي اللبناني والمراقبين بمتابعة المؤتمر كحدث إقليمي بارز، أن بيانه الختامي ركز على دعم العراق وإعادة إعماره ومواجهته الإرهاب ولم يتطرق إلى لبنان، ولم تتسرب معطيات عما إذا كانت اللقاءات الثنائية والجانبية تناولت الأزمة اللبنانية، وينتظر بعض الفرقاء معرفة ما إذا كان جرى التطرق إليها، فالفرقاء اللبنانيون دأبوا على ربط أزمتهم بأزمات المنطقة، واعتادوا ربط حلحلة التأزم على ساحتهم بما يدور في الإقليم، لا سيما بالنسبة إلى إنهاء الفراغ الحكومي المستمر منذ أكر من سنة، إذ لديهم شواهد وتجارب على ذلك، ففي العام 2015 لم تتشكل حكومة الرئيس السابق تمام سلام بعد 11 شهراً من المحاولات، إلا بعد أن جرى توافق بين الجانبين الأميركي والإيراني على تسهيل ولادتها.

ويروي الرئيس سلام أنه في حينها تلقى اتصالاً من سيد البيت الأبيض الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أنبأه فيه بأنه ستكون هناك حكومة في لبنان، وجاء ذلك بعد أن أثار وزير خارجيته آنذاك جون كيري المسألة مع نظيره الإيراني السابق محمد جواد ظريف على هامش محادثاتهما حول الاتفاق على النووي.

اختلاف قراءة اللبنانيين للمؤتمر

والأسئلة التي قفزت إلى أذهان بعض أوساط سياسية معنية بمتابعة العراقيل التي تحول من دون ولادة حكومة ميقاتي بسبب الخلافات بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون على الحصص الوزارية وتسمية الوزراء وعدد الوزراء المخصصين للفريق الرئاسي، هي هل أن جلوس الأضداد، أي إيران والدول الخليجية على الطاولة في العاصمة العراقية سيتيح نوعاً من الانفراج في علاقات الجانبين، ينعكس على لبنان إيجاباً؟ وهل أن إلمام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وملك الأردن عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فضلاً عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتفاصيل التأزم السياسي اللبناني وتعقيداته أتاح لأي منهم أن يبحث في لقاءاته الأزمة اللبنانية، سواء مع الجانب الإيراني أو غيره؟

كان من الطبيعي أن تختلف قراءة المعلقين والفرقاء السياسيين اللبنانيين لـ "مؤتمر بغداد" باختلاف نظرة هؤلاء إلى علاقات لبنان الإقليمية وتحالفاتهم وانقساماتهم وولاءاتهم الخارجية، فحلفاء محور "الممانعة" من الكتّاب والمعلقين كانوا صدى لانتقاد وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين أمير عبداللهيان في كلمته خلال جلسة الافتتاح عدم دعوة سوريا إلى القمة، بحجة أنها لعبت دوراً في محاربة "الإرهاب"، فقوى "الممانعة" ترى أن المعارضة التي ثارت ضد النظام السوري تتصف بكل فصائلها بهذه الصفة، ولم يخفِ بعض هؤلاء امتعاضهم من دعوة فرنسا باعتبارها "وكيلة لأميركا" ودول الغرب، واعتبروا أنه كان يجب دعوة روسيا والصين لأنهما الأقرب سياسياً إلى دول هذا المحور، في مقابل تراجع الدور الأميركي وما يعتبرونه "هزيمة" واشنطن في أفغانستان.

المعارضون دعوا إلى التمثل بالكاظمي

في المقابل، رأى الفرقاء اللبنانيون المعارضون للدور الإيراني ولمحور "الممانعة"، الذي يعتبرونه سبباً رئيساً لأزمة البلد السياسية والاقتصادية والمالية، أن "مؤتمر بغداد" تجسيد لتوجه الكاظمي بإعادة الدور المستقل والسيادي للعراق، عن أحادية النفوذ الإيراني بهدف استرجاع دوره الإقليمي العربي، فسعي رئيس الوزراء العراقي إلى أن تلعب بلاده دوراً وسيطاً بين الدول العربية وإيران لمعالجة أزمات المنطقة الأمنية والاقتصادية والإعمارية بعد عقود من الحروب والفساد والهدر لثرواته، يهدف إلى إنهاء تحوله إلى ساحة للصراع الإيراني – العربي، لا سيما مع دول الخليج، وعكس الكاظمي هذا التوجه في كلمته الافتتاحية للقمة بتشديده على "رفض استخدام الأراضي العراقية كساحة للصراعات الإقليمية والدولية، ورفض أن يكون منطلقاً للاعتداء على جيرانه من أي جهة كانت"، وانتقاده "تفلت السلاح"، وهو ما دفع المشاركين التسعة إلى دعم حكومة الكاظمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن تركيز هذا الفريق اللبناني على توجه الكاظمي نحو تحييد بلاد الرافدين عن الصراعات الإقليمية جاء بخلفية الدعوة إلى التمثل ببغداد، لعل السلطة الحاكمة في لبنان تعي أهمية سياسة النأي بالنفس عن حروب المنطقة التي كان اللبنانيون اتفقوا عليها، لكن "حزب الله" وحلفاءه نقضوها بالممارسة بالانخراط في حرب سوريا واليمن، والتدخل في دول الخليج العربي بتغطية من فريق رئيس الجمهورية، مما تسبب بمقاطعة عربية للبنان.

إيران تنطق باسم لبنان وسوريا

ويلفت مصدر سياسي مطلع على المواقف العربية حيال الأزمة اللبنانية إلى أنها ليست صدفة أن تكون القمة انعقدت بعد زيارة كل من الكاظمي خلال أغسطس، والملك الأردني عبدالله الثاني الشهر السابق إلى واشنطن.

وفي شأن عدم دعوة سوريا، فإن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت على موقفها برفض إضفاء الشرعية على نظام بشار الأسد قبل إحداث تقدم نحو الحل الساسي، وتطبيق القرار الدولي الرقم (2254) في شأنه، ومعظم الدول الحاضرة للقمة، ما عدا إيران، حليفة لواشنطن، وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أوضح أنه جرى إبلاغ دمشق بأن حضورها موضوع خلاف عربي وأنها تفهمت ذلك.

أما عدم دعوة لبنان إلى القمة فقد توزع تفسيره على أسباب عدة، ويعتقد نائب مختص في مجال علاقات لبنان الخارجية، أن الذريعة العربية هي أن في المؤتمر من ينطق باسم سوريا ولبنان معاً، أي الوزير الإيراني عبد اللهيان، مشيراً بذلك إلى هيمنة طهران على السياسة الخارجية والإقليمية في البلدين، وخصوصاً عبر "حزب الله"، وهذا ما يفسر الإعلان عن أن زيارة الوزير الإيراني للأسد غداة القمة كانت لـ "إطلاعه" على نتائجها.

لكن من يحسنون الظن في تفسير سبب عدم دعوة لبنان يعتبرون أن استبعاده يعود إلى غياب حكومة أصيلة، وأن خيار دعوة الرئيس عون لتمثيل البلد تعني القفز فوق رئيس الحكومة، في وقت يُتهم عون من قبل فريق واسع، ولا سيما رؤساء الحكومات السابقين، بالتعدي على صلاحياته سواء في تأليف الحكومة أو إقرار السياسات العامة وممارسة السلطة.

دعم أميركا للجيش والضعف اللبناني

وفي كل الأحوال يبدو موقع لبنان الإقليمي في أضعف حالاته بسبب تمادي أزمته الداخلية المتشعبة الأوجه على كل الأصعدة، ويلاحظ المصدر النيابي المواكب للموقف الخارجي حيال المأزق اللبناني أن وفد لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي الذي بدأ زيارة في مهمة وُصفت بأنها "عاجلة"، تأتي في ظرف بالغ الدقة، وبينما مهمة الوفد استكشاف المساعدات العسكرية للجيش الذي هناك إجماع دولي على دوره في ضبط وضع أمني أخذ ينفلت جراء الاضطراب الاجتماعي الناجم عن استفحال حالي العوز والفقر، فإن المشهد السياسي الداخلي يخضع لفوضى في التوجهات والسياسات، والوضع الأمني يزداد اضطراباً، وما يجري على محطات تعبئة البنزين من صدامات جراء التزاحم على طوابير الانتظار، واستمرار بيع المادة في السوق السوداء، فضلاً عن أنه في اليومين الماضيين تسبب الأمر باحتكاك أخذ طابعاً طائفياً مسيحياً - شيعياً بين قريتين في جنوب لبنان، والبلد بلا حكومة تدير الأمور منذ أكثر من سنة، في وقت أقحم استيراد "حزب الله" المحروقات من إيران متحدياً العقوبات الأميركية في الصراع الإقليمي مجدداً، وأدخل الحزب وإيران إلى سوق النفط اللبناني، حيث يشكل متمولون لبنانيون واجهة لذلك، أمر له تبعات مع إعلان الأمين العام للحزب أنه مستعد لاستقدام شركة إيرانية للتنقيب عن النفط والغاز في حال لم تقم بذلك الشركات الغربية التي تعاقد لبنان معها (توتال الفرنسية وإني الإيطالية ونوفاتك الروسية).

ويستفيد الفرقاء المؤيدون لمحور الممانعة من حاجة لبنان إلى هذه المادة الحيوية من أجل فرض انفتاح السلطة التي يسيطر عليها تحالف عون والحزب على النظام السوري، خلافاً لتوجهات واشنطن في هذا الصدد عبر توجيه وفد وزاري لزيارة دمشق، بحجة البحث في استجرار الكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية، فهي وافقت على البحث في آلية لاستثناء لبنان من عقوبات قانون "قيصر"، لكنها لا تحبذ إضفاء الشرعية على النظام السوري، كما يطالب الحزب والرئيس عون منذ سنوات.

مساعدات "يونيفيل" وهاجس أفغانستان

ومع طلب مجلس الأمن وبموافقة واشنطن، ليل 30 أغسطس، من قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان "يونيفيل" في قراره التجديد لها سنة جديدة، أن "تتخذ تدابير مؤقتة وخاصة لدعم القوات المسلحة اللبنانية بمواد غير فتاكة مثل الغذاء والوقود والأدوية والدعم اللوجستي مدة ستة أشهر"، فإن المهمة الاستطلاعية لوفد الكونغرس تأتي في وقت يخضع المشرعون الأميركيون إلى هاجس الفشل الأميركي في أفغانستان، والخيبة الكبرى من الدعم والتسليح الذي قدمته الإدارات المتعاقبة للجيش الأفغاني (يتردد رقم 88 مليار دولار في 20 سنة) من دون أن يحول دون سيطرة حركة "طالبان" بسرعة على البلد، وبالتالي ينتظر أن يتفحص الوفد مدى قدرة الجيش اللبناني الذي سيواصل برنامج مساعدته في الحؤول دون تمكن "حزب الله" من إحكام سيطرته على لبنان أمنياً وسياسياً، نتيجة العوامل المذكورة أعلاه وغيرها، لا سيما أن هناك زيارة متوقعة لقائد الجيش جوزيف عون إلى واشنطن خلال الأسابيع المقبلة من أجل محادثات في شأن مزيد من المساعدات للمؤسسة العسكرية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير