يبدو أن السلطات الجزائرية بلغت السرعة القصوى في ملاحقة نشطاء معارضين ومسؤولين فارين إلى الخارج تقول إنهم باتوا يشكلون "تهديداً على وحدة الوطن" لتناولهم الشؤون الداخلية للبلد وانتقادهم شخصيات مدنية وعسكرية.
وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطاب متلفز أخيراً، "سنستعمل كل الوسائل مع الأشخاص الذين يمسون الوحدة الوطنية وسيدفعون الثمن غالياً حتى لو كانوا يتكلمون من بعيد (أي خارج الوطن)"، وجاء كلام تبون، بالتوازي مع إعلان بلاده استلام الدركي الفار محمد عبد الله (33 سنة) من إسبانيا مع منعه من دخول التراب الإسباني لمدة 10 سنوات، ليتم إيداعه رهن السجن المؤقت، عقب مثوله أمام محكمة جزائرية حيث وجهت إليه اتهامات بالانتماء إلى جماعة إرهابية وهي حركة "رشاد" الإسلامية، وتمويل جماعات إرهابية وتبييض الأموال.
ظاهرة جديدة
ونشط الدركي عبد الله كمعارض للنظام الجزائري على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال نشره فيديوهات ينتقد فيها شخصيات مدنية وعسكرية والوضع العام في البلاد، وحاولت هيئات حقوقية ونشطاء يعيشون في المهجر، الضغط على السلطات الإسبانية من أجل العدول عن قرار تسليمه إلى الجزائر، بداعي عدم خضوعه لمحاكمة عادلة وإمكانية تعرضه للتعذيب، وفق قولها، لكن القضاء الإسباني رفض التجاوب مع هذه الدعوات.
وأفاد بيان صادر عن محكمة سيدي أمحمد في العاصمة الجزائرية بأنه "تم تقديم المتهم أمام مصالحنا، والذي كان موجوداً في حالة فرار تنفيذاً للأمر بالقبض الدولي الصادر ضده من طرف قاضي التحقيق لتورطه في وقائع ذات صلة بالانخراط في جماعة إرهابية، ووقائع تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية، وكذلك تمويل للجماعات الإرهابية".
أضاف البيان أن المتهم سيكون محل متابعات قضائية أمام جهات قضائية أخرى، وسيمتثل أمامها بعد إخطار هذه الجهات وفقاً للقانون مع احترام كل الحقوق التي يخولها له القانون.
ويقول المحلل السياسي طارق يحياوي إن "المتابعات القضائية موجودة منذ مدة، والأوامر بالقبض صادرة ومبلغة للإنتربول، لكن هناك مماطلة من دول معينة لأسباب سياسية بحتة تعرقل تسليم المجرمين"، مضيفاً، "كل دولة لها مصالح، وتستعمل اللاجئين لديها كأوراق ضغط، وهنا يعول على الدبلوماسية في تفعيل المطالب المشروعة للجزائر في هذا الصدد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته، قال الناشط والمحامي هاشم ساسي، إن "الإجراءات القانونية لتسلم الدركي الفار تمت بطريقة سليمة، لكونه لم يتحصل على لجوء سياسي في إسبانيا، فتم التعامل معه كمهاجر غير شرعي"، إذ استغلت إسبانيا ثغرة تتعلق بعدم استيفاء الدركي السابق وثائق الإقامة القانونية على ترابها فقامت بترحيله ضمن قائمة من الشباب "الحراقة" إلى الجزائر.
ورأى الكاتب عبد العزيز غرمول أن ما بات يُسمى معارضة الخارج "ظاهرة انفردت بها الجزائر بين كل الدول التي تعاني من تعثر سياسي، ومن غضب شعبي على الأنظمة، وبخاصة بعض الدول العربية التي تعاني من اختلاف كبير حول الشرعية"، وذكر في منشور له على صفحته "فيسبوك"، "لا يمكن بأي حال اعتبار أولئك الأشخاص معارضين، ولا يمكن بأي حال اعتبار سبابهم وشتمهم حرية تعبير وحرية رأي، كما لا يمكن إهمال أقوالهم واعتبارها مجرد "فش غيظ"، من أراد أن يعارض أو يختلف مع هذا النظام، سواء داخل الجزائر أو خارجها، فليبق في حدود الآداب والأخلاق، ومن أراد أن يمارس السياسة فليمارسها بالأصول، ومن لديه نقد فليتسلح بالعقل والمنطق".
مذكرات دولية
وكانت النيابة الجزائرية قد أصدرت في 22 مارس (آذار) 2021، أربع مذكرات توقيف دولية في حق أربعة ناشطين موجودين في الخارج، منهم الدركي محمد عبد الله، والدبلوماسي السابق المقيم في المملكة المتحدة محمد العربي زيتوت، أحد مؤسسي حركة "رشاد" الإسلامية، التي صنفتها الجزائر منظمة إرهابية، وكذلك المدون أمير بوخرص المعروف باسم "أمير دي زد"، المقيم في فرنسا، والنقيب السابق في الجيش الصحافي والكاتب هشام عبود المقيم أيضاً في فرنسا، وكلهم ينشرون فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لعمامرة يتوعد
في هذا الوقت، أعطى وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الانطباع بأن قرار جلب نشطاء معارضين متابعين قضائياً في الخارج لا رجعة فيه، وقال في مؤتمر صحافي بالعاصمة الجزائرية، الثلاثاء 23 أغسطس (آب)، إن "كل من يقوم بأعمال عدائية ضد الجزائر من الخارج ستطلب الدولة أن تطبق عليه القوانين الدولية وقد شرعت في ذلك"، ووفق لعمامرة، "سيتم تطبيق القوانين والمواثيق الدولية على هؤلاء الأشخاص، والتي تمنع الأعمال المخلة لسيادة الدول الصديقة، وأيضاً الأعمال التي من شأنها أن تؤدي للعنف، إضافة إلى الأعمال التي تخلق البلبلة في أوساط الجاليات الجزائرية في هذا البلد أو ذاك"، وتابع لعمامرة أن "الدبلوماسية الجزائرية ملتزمة بالسهر على تحسين أوضاع جاليتنا في كل مكان وتحت كل الظروف".
وتسلمت الجزائر عدداً من نشطاء ومسؤولين فارين إلى الخارج، كان آخرهم عبد المؤمن ولد قدور الرئيس والمدير العام الأسبق لشركة النفط الجزائرية "سوناطراك"، بموجب مذكرة توقيف دولية صادرة ضده على ذمة قضايا فساد، أهمها اقتناء الجزائر مصفاة "أوجيستا" في إيطاليا عام 2018، إضافة إلى "التنازل عن بعض الحقول في مشاريع نفطية في صحراء الجزائر، لصالح شركات أجنبية بينها شركة ربسول الإسبانية، وتوتال الفرنسية".
وفي أغسطس 2020، تسلمت السلطات الجزائرية من نظيرتها التركية عسكرياً بارزاً كان مسؤولاً عن "أمانة" مكتب رئيس الأركان السابق، الراحل أحمد قايد صالح، المدعو قرميط بونويرة، وهو مساعد أول تقاعد من صفوف الجيش قبل أن يطلبه قايد صالح ليكون سكرتيره الخاص، وخازن أسراره.
المسار القضائي
في المقابل، لا يزال الشارع يترقب استلام عدداً من المسؤولين في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أبرزهم وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب، ووزير الطاقة الأسبق شكيب خليل الفار إلى الولايات المتحدة الأميركية، والرئيس الأسبق للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان) عمار سعداني، الذي شغل أيضاً منصب الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني"، وجميع هؤلاء متهمون بالفساد المالي، إضافة إلى القائد الأسبق للدرك الوطني غالي بلقصير ويحمل رتبة جنرال، والذي صدرت في حقه أربعة أوامر بالقبض الدولي عن المحكمة العسكرية بالبليدة لتورطه في ثلاث قضايا فساد، والرابعة تتعلق بالخيانة العظمى، والجنرال المتقاعد قائد الناحية العسكرية الأولى سابقاً حبيب شنتوف، المتهم بتبديد أسلحة وذخيرة حربية ومخالفة التعليمات العامة العسكرية.
ويقول قانونيون في الجزائر، إن المسار القضائي الذي يتطلب تسليم مطلوبين من دول أوروبا عادة ما يكون طويلاً ويحمل تعقيدات عدة بالنظر إلى أن القانون الدولي لا يحمل صفة الإلزامية، خصوصاً إذا ما ارتبط الأمر بأشخاص يحوزون على جنسية البلد الذي يقيمون فيه.