Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخوف من اللاجئين الأفغان يخيم على عالم الجدران العازلة

شرعت اليونان وتركيا وبولندا في بناء أسوار حدودية للحيلولة دون تكرار أزمة 2015

قبل نحو 32 عاماً، سقط جدار برلين الذي بُني للفصل بين شطر شرقي شيوعي وآخر غربي ليبرالي، وفي حين عمل السور كجدار للفصل الأيديولوجي، لكن على الصعيد العملي كان يهدف إلى وقف هجرة الناس إلى الشطر الغربي بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في الناحية الشرقية. وعلى الرغم من السقوط المدوّي لجدار برلين، لكن لم تنتهِ قط استراتيجية بناء الأسوار في التعامل مع الأزمات وموجات تدفق المهاجرين واللاجئين حتى في عالم "العولمة". فمع اشتعال الوضع في أفغانستان وسيطرة حركة "طالبان" على السلطة، بحيث يسعى آلاف الأفغان إلى الفرار من البلاد إما عبر طائرات الإجلاء الأميركية أو عبر الحدود، سواء إلى الدول المجاورة أو إلى تركيا عبر إيران، أملاً في أن ينتهي بهم المطاف بأوروبا، تسارع الحكومات في تركيا واليونان وبولندا إلى بناء سياجات على حدودها لمنع تسلل اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل. 

حمّى بناء الجدران العازلة

اليونان التي تُعدّ البوابة الرئيسة لأوروبا عبر البحر، أكملت للتو سياجاً بطول 40 كيلومتراً ونظام مراقبة لمنع المهاجرين الذين ما زالوا قادرين على دخول تركيا ومحاولة الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وخلال زيارة وزير حماية المواطنين اليوناني ميخاليس كريسوديس إلى إقليم إيفروس، الجمعة، قال للصحافيين "لا يمكننا الانتظار" وعدم التصرف حيال التأثير المحتمل"، مشيراً إلى الأوضاع المتدهورة في أفغانستان وفرار آلاف المواطنين، وأضاف "ستبقى حدودنا مصونة".

وقالت اليونان التي كانت على خط المواجهة في أزمة المهاجرين عام 2015 عندما عبر أكثر من مليون شخص فرّوا من الحرب والفقر في الشرق الأوسط عبر تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، إنها من الممكن أن تعيد أي أفغاني يصل بشكل غير قانوني إلى حدودها. ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية، فإنه من بين أولئك الذين وصلوا إلى اليونان خلال أزمة المهاجرين، سافر الكثير منهم شمالاً في جميع أنحاء أوروبا، لكن نحو 60 ألفاً ظلوا داخل البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتطارد أزمة عام 2015 التي أجّجتها الحرب السورية، القادة الأوروبيين الذين يريدون بشدة تجنّب تدفق آخر واسع النطاق للاجئين والمهاجرين من أفغانستان. وباستثناء أولئك الذين ساعدوا القوات الغربية في الحرب ضد "طالبان" التي استمرت عقدين، فإن الرسالة الموجهة إلى الأفغان الذين يفكرون في الفرار إلى أوروبا هي: إذا كان عليك أن تغادر، فانتقل إلى البلدان المجاورة، لكن لا تأتِ إلى هنا. 

مخزن المهاجرين

وفيما شرعت تركيا في بناء جدار فاصل على حدودها مع إيران، منذ عام 2017 بعلوّ ثلاثة أمتار وطول 243 كيلومتراً، فإنها تعتزم إضافة 64 كيلومتراً أخرى بحلول نهاية العام، وستغطي الخنادق والأسلاك والدوريات الأمنية على مدار الساعة بقية الحدود التي يبلغ طولها 560 كيلومتراً. والخميس الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده لا تقبل بأن تصبح "مخزن المهاجرين في أوروبا"، وحث الدول الأوروبية على تحمّل المسؤولية إزاء المهاجرين الوافدين من أفغانستان. 

وباتت قضية اللاجئين واحدة من القضايا الحساسة للوضع السياسي الداخلي في تركيا، وسط زيادة موجة عداء للاجئين في البلد الذي استضاف نحو ثلاثة ملايين سوري منذ اشتعال الحرب في مارس (آذار) 2011. ففي أواخر يوليو (تموز) الماضي، قُتل سبعة أفراد من عائلة كردية على أيدي مسلحين وسط مدينة قونية، الجريمة التي وصفها محامي الأسرة بأنها هجوم "عنصري تماماً".

وتعهد رئيس حزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيس في تركيا كمال كليتشدار أوغلو، الشهر الماضي، "بإعادة اللاجئين إلى الوطن"، إذا تولّى حزبه السلطة. وقال إن الغرب رأى أنه بإمكانه تحويل بلاده إلى ما وصفه بـ"سجن مفتوح للاجئين"، مشيراً إلى أن تدفقهم يمثل مشكلة بقاء حقيقية لتركيا. 

 

وفي يوليو الماضي، أعلن عمدة مدينة بولو الشمالية الغربية الذي ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري تانجو أوزكان، خططاً لفرض رسوم على "الرعايا الأجانب" 10 أضعاف مقابل خدمات المياه والنفايات. وكتب في تغريدة على "تويتر"، "نريدهم أن يغادروا. لقد طال كرم الضيافة. أصبحت تركيا أرض نفايات للمهاجرين". وأثارت هذه التصريحات الغضب والتأييد على حد سواء، فيما فتح مكتب المدعي العام تحقيقاً في الأمر.

سياج بولندي

وتُعدّ بولندا أحدث دولة أوروبية تبدأ بناء جدار لمنع تسلل اللاجئين على حدودها مع بيلاروس. وقال وزير الدفاع ماريوس بلاشتشاك خلال مؤتمر صحافي الاثنين إن السياج الذي يبلغ ارتفاعه 2.5 متر، سيُصمم على غرار الجدار الذي بنته المجر على حدودها مع صربيا عام 2015. وأضاف، "نحن نتعامل مع هجوم على بولندا. إنها محاولة لإحداث أزمة هجرة. لن نسمح بفتح طريق لنقل المهاجرين عبر بولندا إلى الاتحاد الأوروبي". وشدد على ضرورة زيادة عدد الجنود على الحدود، حيث سيُرفع العدد قريباً إلى 2000 جندي. 

وعرض الوزير البولندي صوراً لحاجز من الأسلاك الشائكة يبلغ طوله 100 كيلومتر، أقامته بلاده بالفعل في الأسابيع الأخيرة. وحاول نحو 2100 شخص من الشرق الأوسط وأفريقيا دخول بولندا عبر بيلاروس في الأشهر القليلة الماضية فيما وصفه بلاشتشاك بـ"لعبة قذرة لـ(رئيس بيلاروس ألكسندر) لوكاشينكو والكرملين" للردّ على عقوبات الاتحاد الأوروبي.

وذكرت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقدّر أن 90 في المئة من 2.6 مليون لاجئ أفغاني خارج البلاد يعيشون في إيران وباكستان المجاورتين. كما يستضيف البلدان أعداداً كبيرة من الأفغان الذين غادروا بحثاً عن فرص اقتصادية أفضل. وبالمقارنة، تقدّم نحو 630 ألف أفغاني بطلبات لجوء في دول الاتحاد الأوروبي في الأعوام العشرة الماضية، وكان أكبر الأعداد في ألمانيا والمجر واليونان والسويد، وفقاً لوكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي.

فشل العولمة أم رد فعل ضدها؟

استراتيجية الجدران العازلة أو كما تسمّيها الحكومات "سياج أمني" في مناورة لعدم الاعتراف بتجاهل الأزمات الإنسانية للاجئين، يعتبرها البعض إما أنها فشل العولمة أو رد فعل ضدها. وهناك عدد متزايد من الجدران التي تبنيها الدول حول العالم لمنع عبور اللاجئين إلى حدودها. فعلى سبيل المثال، هناك حواجز على الحدود الأوروبية أكثر من أي وقت مضى خلال الحرب الباردة، بحسب كتاب "نحن ضدهم: فشل العولمة" للمؤلف وأستاذ السياسة الأميركي إيان بريمر.  

ووفقاً لبيانات جمعتها الباحثة لدى جامعة كيبيك في مونتريال بكندا إليزابيث فاليت عام 2014، فإن مشاريع بناء الجدار انتشرت بشكل كبير بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، انعكاساً لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. وبحلول عام 2011، بلغ عدد الجدران العازلة التي تفصل بين الدول والأقاليم في العالم، أكثر من 45 جداراً. وبمعنى آخر يوجد الآن عدد من الجدران الفاصلة أكبر مما كان عليه عام 1989، العام المصيري الذي أنهى بشكل رمزي انقسامات الحرب الباردة.

وتشير عالمة السياسة الفرنسية ألكسندرا نوفوسيلوف، التي أجرت تحليلاً مقارناً شاملاً للجدران الفاصلة الحديثة، إلى أن "جدران اليوم الجديدة المبنية على حدود معترف بها هي رد فعل للتحديات والمخاوف الجديدة المتعلقة بالعولمة، والقضايا مثل الإرهاب والفقر والجريمة المنظمة وحركات الهجرة. فعلى الرغم من التكلفة الباهظة للجدار الذي شرع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في بنائه على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، فإن هذا لم يمنع الناخبين من التصويت له، بل كان دافعاً قوياً لأصوات عدة حصل عليها في انتخابات عام 2016، إذ تغلّبت الرغبة بالحماية على جميع الاعتبارات الأخرى". 

 

وفي حين يشمل قاموس "العولمة" مصطلحاً رئيساً وهو "الجسر" وليس "الجدار"، تقول أستاذة دراسات الاتصالات بجامعة ميشيغان في الولايات المتحدة ومؤلفة كتاب "قصص بلا حدود" جوليا سونيفند، إن "عمليات العولمة التي ارتبطت بمُثُل الانفتاح والتواصل، جعلت الكثير من الناس قلقين للغاية بشأن مستقبل مجتمعاتهم واستدامة البيئات التي عاشوا فيها من قبل".

وأكد خطاب العولمة فوائد التدفق الحر للأشخاص والسلع والأفكار. لكن وفق سونيفند، "فإن هذه الصور تجاهلت حقيقة أن بعض الأشخاص لا يريدون الارتباط بالآخرين، وأن بعض الروابط تجعل العلاقات أسوأ وليس أفضل. كما أن الاعتقاد الحالي بالجدران كحل طويل الأمد للصراعات العالمية يتجاهل بالمثل أن (الأسوار الجيدة تصنع جيراناً جيدين) صحيح في بعض الحالات، لكن ليس في حالات أخرى. وفي كثير من الأحيان، تعمل الجدران والحواجز باهظة الثمن في الغالب وظيفة رمزية، يتم استخدامها في الخطب والصور الفوتوغرافية للترويج لرسالة انعزالية، ولكنها لا تفعل شيئاً يُذكر لوقف حركة الناس، ربما أبلغ دليل على ذلك صور المهاجرين غير الشرعيين على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة وهم يتسلقون الأجزاء الموجودة بالفعل من الحائط بين الولايات المتحدة والمكسيك أو الفلسطينيين الذين يستخدمون السلالم لتسلّق الجدار العازل للضفة الغربية. حتى في حالة جدار برلين، لم يكُن (الجدار) هو الذي يمنع العبور، بل مئات من حرس الحدود المسلحين ونظام متطور من أبراج المراقبة وأسوار الإشارات الكهربائية".

وتضيف، "على الرغم من التكاليف المتزايدة للجدران الفاصلة وعدم التطبيق العملي لها، فإنها ستستمر في الارتفاع في جميع أنحاء العالم، مما يخلق واقعاً عالمياً من الاتصال والانفصال في آن. فمن السهل رفض رغبة الكثير من الناس بالعيش في مجتمعات تبدو آمنة ومتجانسة، حيث يُجرى تصنيف هذه الرغبة على أنها كره للأجانب أو عنصرية، بينما المهمة الأصعب بالنسبة إلينا جميعاً هي مواجهة السؤال: لماذا يوجد الكثير من الأشخاص الذين يرغبون برؤية نظام ضخم لمراقبة الحدود يغلق حدودهم؟". وتقول إنه "إذا أردنا مكافحة واقع مستقبلي تكون فيه المجتمعات محصورة خلف جدران وحواجز، نحتاج إلى التفكير مليّاً وبعمق في سبب تخيّل الكثيرين أن هذا هو العالم المثالي".

المزيد من سياسة