Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

باكستان ستندم على دعمها عودة "طالبان"

إسلام أباد حققت انتصارا باهظ الثمن في أفغانستان

كابول اعترفت بباكستان بعد بضعة أيام من استقلالها، ولكنها لم تعترف بخط دوراند الحدودي الذي رسمته بريطانيا قبل 1976 (رويترز)

تهلل المؤسسة الأمنية الباكستانية للمكاسب العسكرية التي حققتها "طالبان" حديثاً في أفغانستان. فبعد عقود من توجيه الدعم للحركة، يمكن للمتشددين في البلاد رؤية حلفائهم وهم مستقرين وراسخين في كابول. حصلت إسلام آباد على ما كانت تصبو إليه - لكنها ستندم، إذ سيؤدي استيلاء "طالبان" على السلطة إلى جعل باكستان أكثر عرضة للتطرف في الداخل وربما أكثر عزلة على الساحة الدولية.

وتشكّل نهاية حرب الولايات المتحدة في أفغانستان، التي استمرت 20 عاماً، أيضاً نقطة تحوّل في علاقتها مع إسلام آباد. فلطالما أخفت الأخيرة طموحاتها في أفغانستان حفاظاً على علاقاتها مع واشنطن، لكن هذا التوازن - الذي يُنظر إليه في أميركا كلعبة مزدوجة – سيكون مستحيلاً في حالة إنشاء إمارة إسلامية بصيغة جديدة في كابول. وهذا لن يكون الخلاص الذي يتوقعه الجيش الباكستاني، إذ من غير المرجح أن ترضخ "طالبان" لباكستان في لحظة انتصارها، وليس من المرجح أن يتصالح الأميركيون مع الجماعة على الأمد الطويل. وسيكون أسوأ سيناريو لباكستان أن تجد نفسها عالقة بين عناصر حركة لا يمكن السيطرة عليهم ومطالب دولية لكبح جماحهم.

سيكون لانتصار "طالبان" أيضاً تأثير كارثي مماثل على السلم والأمن في داخل باكستان، حيث أدى التطرف الإسلامي بالفعل إلى تقسيم المجتمع على أسس طائفية، ولن يسفر صعود الإسلاميين الأفغان في الجوار إلا إلى تشجيع المتطرفين في الداخل. ويمكن أن تنتج محاولات التضييق على الحركة رد فعل عنيف، إذ من المحتمل أن تهاجم "طالبان الباكستانية" أهدافاً داخل باكستان. وإذا تصاعد القتال بين الحركة وخصومها، فسيتعين على باكستان التعامل مع تدفق جديد للاجئين، ومن شأن اندلاع حرب أهلية في الجوار أن يلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد المتعثر في البلاد. وعبّر الباكستانيون الذين ينتقدون تورط بلادهم مع "طالبان" عن خشيتهم من هذا السيناريو الذي توقعوه. لكن الجنرالات الباكستانيين يرون في الحركة شريكاً مهماً في تنافسهم مع الهند. في غضون ذلك، رضخ القادة المدنيون الضعفاء في إسلام آباد لسياسة تعطي الأولوية للقضاء على النفوذ الهندي الحقيقي أو المفترض في أفغانستان.

لعقود من الزمان، انخرطت باكستان في لعبة محفوفة بالمخاطر تتمثل في دعم "طالبان" أو التسامح معها وفي الوقت ذاته محاولة الحفاظ على علاقة جيدة مع واشنطن. نجحت هذه اللعبة لفترة أطول مما توقعه الكثيرون، لكنها لم تكُن يوماً مستدامة على المدى الطويل. استطاعت باكستان تأجيل هذه المسألة لفترة طويلة، لكنها قريباً ستصل إلى نهايتها.

الهوس الهندي

ظلت المؤسسة الأمنية الباكستانية مهووسة بفرض حكومة صديقة في كابول، وينبع هذا التركيز من الاعتقاد بأن الهند تخطط لتفكيك بلادها على أسس عرقية وأن أفغانستان ستكون نقطة انطلاق لحركات التمرد المناهضة للحكومة في منطقتي بلوشستان وخيبر باختونخوا الباكستانية. وتعود جذور هذه المخاوف إلى حقيقة أن أفغانستان طالبت بأجزاء من بلوشستان ومناطق البشتون الباكستانية إبّان تأسيس دولة باكستان في أغسطس 1947. وعلى الرغم من أن كابول اعترفت بباكستان وأقامت علاقات دبلوماسية معها بعد بضعة أيام من استقلالها، فإنها لم تعترف بخط دوراند الحدودي الذي رسمته بريطانيا حتى عام 1976. كما ظلت أفغانستان صديقة للهند، ما دفع إسلام آباد إلى السماح للإسلاميين الأفغان بالتنظيم والعمل على أراضيها حتى قبل الاحتلال السوفياتي لبلادهم عام 1979.

على الرغم من التعاون الأميركي - الباكستاني الواسع في أفغانستان خلال الحرب الباردة، فإن الدولتين لم توفّقا حقاً في التسوية بين مصالحهما المتباعدة في البلاد.  فأرسلت الولايات المتحدة أسلحة وأموال للمجاهدين عبر باكستان كجزء من استراتيجية عالمية لاستنزاف الاتحاد السوفياتي لكنها أبدت القليل من الاهتمام بمستقبل أفغانستان بمجرد مغادرة السوفيات. من ناحية أخرى، رأى المسؤولون الباكستانيون في الجهاد ضد السوفيات فرصة لتحويل أفغانستان إلى دولة تابعة لهم. وفي هذا المسعى، فضّلوا التعاون مع الأكثر تشدداً على أمل أن ترفض أي حكومة مستقبلية يشكّلونها النفوذ الهندي وستساعد في قمع القومية العرقية البلوشية والباشتونية على طول حدودهم المشتركة.

خلال العقود الفاصلة، تفاقمت هذه الاختلافات التي لم تتم تسويتها. وحتى بعد أن أصبحت باكستان المركز اللوجستي للقوات الأميركية في أفغانستان بعد 11 سبتمبر، كان المسؤولون في إسلام آباد قلقين بشأن نفوذ الهند في كابول. لذا، واصل الجيش الباكستاني دعم حركة "طالبان"، بحجة أن الجماعة تمثل أمر واقع على الأرض لا يمكن لبلدهم، كجارٍ لأفغانستان يمثل امتداداً عرقياً له، أن يتجاهله. وبالنسبة إلى المتعاطفين مع الإسلاميين، بمن فيهم أولئك الذين يعملون داخل المؤسسة، كانت هناك أيضاً متعة خبيثة في إلحاق الأذى بالولايات المتحدة.

 

سيكون لانتصار "طالبان" تأثير كارثي على السلام والأمن الداخليين في باكستان

 عام 2014، أوضح الجنرال حميد غول، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الباكستانية، علانية كيف استخدمت الوكالة المساعدات الأميركية بعد 11 سبتمبر لمواصلة تمويل "طالبان" وكيف استفادت من قرار الولايات المتحدة في البداية تجاهل الجماعة الإسلامية الأفغانية لصالح ملاحقة تنظيم "القاعدة". وفي هذا الصدد، قال لجمهور تلفزيوني عام 2014، "عندما يُكتب التاريخ، سُيشار إلى أن الاستخبارات الباكستانية هزمت الاتحاد السوفياتي في أفغانستان بمساعدة أميركا. ثم ستكون هناك جملة أخرى. هزمت وكالة الاستخبارات الباكستانية أميركا، بمساعدة أميركا".

وفي الآونة الأخيرة، سخر كبار المسؤولين الباكستانيين أيضاً من فشل الولايات المتحدة في القضاء على "طالبان"، ويعتقدون أن انخراط واشنطن الدبلوماسي مع الجماعة الإسلامية يرقى إلى مستوى القبول الضمني بنفوذها في أفغانستان. بعد التوقيع في فبراير 2020 في الدوحة على اتفاق بين الولايات المتحدة والحركة، وهو الاتفاق الذي مهّد الطريق لانسحاب القوات الأميركية، نشر خواجة محمد آصف، وزير الدفاع الباكستاني السابق ووزير الخارجية، على "تويتر" صورة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في لقاء مع زعيم "طالبان" الملا عبد الغني برادر. وعلّق آصف على الصورة، قائلاً "ربما تكون القوة إلى جانبك، لكن الله معنا. الله أكبر!".

عندما كان وزيراً للخارجية، أصرّ آصف على أن علاقات باكستان مع "طالبان" تعكس فقط الاعتراف بقوّتها السياسية في أفغانستان. كما انتقد الولايات المتحدة لتحويلها بلاده إلى "كبش فداء" بعد فشلها في تدمير الجماعة. لكن في لحظة الانتصار هذه، لم يشعر بالحاجة إلى خطاب دبلوماسي مزدوج. بالنسبة إلى باكستانيين مثل غول وآصف، يُعتبر انتصار "طالبان" الوشيك انتصاراً للعمليات السرية الباكستانية أيضاً.

لكن نزوة الانتصار هذه من المرجح أن تأتي بنتائج عكسية. لم يدرك الأميركيون أبداً جدية النظرة الباكستانية للهند كتهديد وجودي، ولهذا السبب لم يفهموا أبداً تفضيل إسلام آباد للإسلاميين البشتون على القوميين الأفغان. على مر السنين، دأب المسؤولون الباكستانيون على إنكار وجود أنشطة باكستانية في أفغانستان بشكل قاطع أو على تقديم تفسيرات مراوغة. وأثار ذلك اتهامات من قبل الأميركيين لباكستان بالعمل المزدوج، مما زاد من تدهور الثقة بالعلاقات الثنائية بين البلدين. كما تضررت علاقات باكستان مع الهند وبقية العالم، فأصبحت تعتمد بشكل مفرط على الصين. فمن مجمل 90 مليار دولار من ديونها الخارجية، تدين إسلام آباد بنسبة 27 في المئة - يعني أكثر من 24 مليار دولار - لبكين. كما اضطرت إلى الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية الصينية منخفضة الجودة بعدما فقدت المساعدة العسكرية الأميركية.

أبعد من أن تكون طبيعية

 أدّى دعم القتال على مدى ثلاثين عاماً أيضاً إلى إثارة الاختلالات الداخلية في البلاد، حيث عانى اقتصادها، باستثناء خلال أعوام المساعدات الأميركية السخية. من ناحية أخرى، حرّض المتطرفون الإسلاميون المحليون على أعمال عنف متفرقة، مثل الهجمات الإرهابية على الأقليات الدينية وأعمال الشغب التي طالبت بطرد السفير الفرنسي بسبب مزاعم الإساءة في بلاده للنبي محمد. وكانت حقوق المرأة عرضة للتشكيك والتهديد العلني، فيما تخضع وسائل الإعلام الرئيسة والتواصل الاجتماعي للرقابة بشكل منتظم، مراعاة للحساسيات الإسلامية المتطرفة، ما اضطر الحكومة إلى "أسلمة" المناهج على حساب دورات في العلوم والتفكير النقدي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المفارقات أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يأتي في ظل وعود باكستانية بالتراجع عن هذه السياسات. قبل أربعة أعوام، أعلن قائد الجيش الباكستاني الحالي الجنرال قمر جاويد باجوا، أنه يريد تحويل بلاده إلى "دولة طبيعية". كما تحدث منذ ذلك الحين عن الحاجة إلى تحسين العلاقات مع الهند وتقليص اعتماد باكستان على الصين.

تضمنت رؤية التحول تلك بذل جهد للتوصل إلى تسوية في أفغانستان. وبدأت باكستان بتسييج الحدود الطويلة والسهلة الاختراق مع جارتها، وقدمت مبادرات إلى حكومة كابول، ووعدت بمساعدة الولايات المتحدة في تحقيق اتفاق سلام. وأشار باجوا إلى استعداد بلاده لتوسيع شركائها في أفغانستان لتشمل الفصائل غير "طالبان". ورتّبت وكالة الاستخبارات الباكستانية اجتماعات بين المفاوضين الأميركيين وبعض قادة "طالبان"، مما أدى إلى اتفاق الدوحة، الذي حدد جدولاً زمنياً للانسحاب العسكري الأميركي مقابل وعود غامضة من الحركة ببدء محادثات سلام مع الأفغان الآخرين ومنع استخدام الأراضي التي يسيطرون عليها لشن هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة.

ليس مرجحاً  أن تسامح الولايات المتحدة قريباً باكستان على تمكينها لـ"طالبان" على مدى عقود

بدلاً من تحفيز العودة إلى الحياة الطبيعية في باكستان، لن تؤدي هذه الاتفاقية إلا إلى تفاقم التحديات التي تواجه البلاد. وبالنظر إلى أيديولوجيا "طالبان" المتشددة، لم يكُن واقعياً أن يتوقع المفاوضون الأميركيون أن تتنازل المجموعة للأفغان الآخرين، بخاصة لحكومة كابول. وعلى الرغم من أن باكستان سهّلت هذه الصفقة على أمل تحسين موقفها مع الولايات المتحدة، من المرجح الآن أن تُلام على رفض "طالبان" وقف القتال والموافقة على تقاسم السلطة. لقد أعاقت السياسات الباكستانية السابقة رغبة باجوا المعلنة بتغيير المسار، وبالنظر إلى علاقة باكستان الضعيفة مع جميع الجماعات الأخرى تقريباً في أفغانستان، ربما لا يكون لديها خيار سوى البقاء مع [دعم] "طالبان" في حالة تجدد الحرب الأهلية عبر حدودها الشمالية الغربية.

كما أن الاتفاقية لن تحقق أهداف واشنطن في مكافحة الإرهاب، إذ كشف تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نُشر في يونيو (حزيران) عن أن الحركة لم تقطع علاقاتها مع "القاعدة" وأن كبار مسؤولي التنظيم قُتلوا أخيراً "إلى جانب شركائهم من طالبان أثناء وجودهم معهم". كما حدد التقرير شبكة حقاني، وهي جماعة وصفها الجيش الأميركي ذات مرة بأنها "ذراع حقيقية لوكالة الاستخبارات الباكستانية،" باعتبارها صلة "طالبان" الأساسية بـ"القاعدة". وجاء في التقرير أن "العلاقات بين المجموعتين لا تزال وثيقة على أساس الاصطفاف الأيديولوجي، والصلات التي نُسجت من خلال النضال المشترك والزواج المختلط".

في غضون ذلك، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن "القاعدة" يمكن أن تعيد رص صفوفها في أفغانستان في غضون عامين من الانسحاب الأميركي. لكن لم يغيّر أي من هذه الحقائق التزام الرئيس جو بايدن سحب قواته.

تتوقع باكستان انتصاراً لـ"طالبان"، حتى مع استمرار قادتها في الحديث عن الحاجة إلى المصالحة بين الأفغان. وعلى الرغم من أن التصريحات العلنية من إسلام آباد ستواصل الإشارة إلى رغبة باكستان بالسلام، من غير المرجح أن يصدق المسؤولون الأميركيون اعتراضاتها على استيلاء الحركة العسكري على السلطة في أفغانستان. ويبدو أن العلاقة بين البلدين مهيّأة لمزيد من تدهور الثقة في الأعوام المقبلة.

احذر كل ما تتمناه

بالنسبة إلى أولئك الباكستانيين الذين يرون العالم من منظور المنافسة مع الهند، فإن انتصار "طالبان" يبعث على قدر من الارتياح. وفي حين أن أداء إسلام آباد في المنافسة مع نيودلهي لم يكُن جيداً على معظم الجبهات، يبدو أن وكلاءها في أفغانستان ينجحون - حتى لو لم تستطِع باكستان السيطرة عليهم بشكل كامل.

لكنه نصر باهظ الثمن، وستُبعد هذه التطورات باكستان أكثر عن سكة العودة إلى حالة "الدولة الطبيعية." وسيؤدي هذا إلى تفاقم الاختلالات الداخلية ويحصرها في سياسة خارجية يحددها العداء تجاه الهند والاعتماد على الصين. من ناحية أخرى، يهدد التشابك المتبادل والطويل الأمد بين واشنطن وإسلام آباد في أفغانستان بإضعاف العلاقات الأميركية الباكستانية. لذا، من غير المرجح أن تسامح الولايات المتحدة باكستان قريباً على تمكينها لـ"طالبان" على مدى عقود. وسوف يجادل الباكستانيون لأعوام مقبلة في ما إذا كان مفيداً بذل كل ذلك الجهد للتأثير في أفغانستان من خلال وكلاء الحركة، عندما كان بوسع بلادهم، بعد 11 سبتمبر، تأمين مصالحها من خلال الانحياز الكامل للأميركيين. 

• حسين حقاني هو مدير منطقة جنوب ووسط آسيا في معهد هدسون، وعمل سفيراً لباكستان في الولايات المتحدة من 2008 إلى 2011.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل