Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثلاثة أشهر من تظاهرات الجزائر… أنتجت انقساما شعبيا

الحديث عن الدخول في فترة انتقالية ترعاها المؤسسة العسكرية ويتولى خلالها شخصية مقبولة شعبياً تسيير المرحلة

في تجمع لعشرات من متقاعدي الجيش الجزائري، بساحة البريد المركزي، اليوم الخميس (16-5-2019)، رفعت شعارات مناهضة لكل من مصطفى بوشاشي وكريم طابو، وهما ناشطان يثيران الجدل في الحراك الشعبي، إذ يعترضان على ما يطلقان عليه "بوادر عسكرة الدولة". وعكست هذه الصورة حجم الانشقاق الذي طاول حراك الجزائريين بعد الشهر الثالث، وإحالة 57 وزيراً ومسؤولاً سابقين إلى التحقيق القضائي. والمتقاعدون من صفوف الجيش الجزائري، هم فئة تشكلت من محاربين قدماء، تعودت التظاهر منذ بضع سنوات للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية، وعكست شعاراتهم حجم الانشقاق الذي طاول الحراك الشعبي.

انتقادات

وخص المتظاهرون، كلاً من الحقوقي مصطفى بوشاشي، والناشط السياسي كريم طابو، بانتقادات كبيرة، طالب بعضها بمحاسبة طابو أمام القضاء العسكري، بعد تصريحات أخيرة له يصف فيها قيادة الأركان الحالية بـ"الاستعمار الجديد". ولم يعد خافياً على أحد، تفرق الحراك الشعبي بشكل كبير يصل أحياناً إلى درجة التضاد واستعمال لغة التخوين بين طرفين أو أكثر، ويسود انقسام بارز بين أنصار التغيير الجذري داخل المسار الدستوري، وأطراف تدعم مرحلة انتقالية خارج النص الدستوري. وفي حين كان متقاعدو الجيش، يرفعون الشعارات المؤيدة للمؤسسة العسكرية، كانت محكمة سيدي أمحمد على بعد 500 متر من البريد المركزي، تستقبل تباعاً عشرات كبار المسؤولين ليبلغ عددهم في النهاية نحو ستين، تورطوا في قضايا فساد كبيرة. وشوهد متهمون يصلون إلى المحكمة، بينهم الوزير الأول السابق عبد المالك سلال، وأحمد أويحيى، في قضية يتابع فيها رجل الأعمال الشهير علي حداد.

اعتقالات

كما حضر إلى المحكمة، رئيس الجبهة الشعبية الجزائرية وزير التجارة السابق عمارة بن يونس، والمحافظ السابق لولاية الجزائر العاصمة عبد القادر زوخ، ووزراء سابقون ابتعدوا عن الحكومة منذ سنوات، بينهم عمار تو وكريم جودي ومحمد نسيب، وشغلوا على التوالي وزارت النقل والمالية والموارد المائية. وتُقنع هذه الاعتقالات في صفوف "كبار الفاسدين" بعد "رؤوس العصابة" جزءاً كبيراً من الحراك الشعبي، في حين يعتبرها قلة بـ"المسرحية وتصفية الحسابات"، ما عمق أسباب الانشقاق ودوافعه، ليبدو المشهد في النهاية بين صنفين: الأول مقتنع بفكرة المراحل في تحصيل المطالب، في حين يتهم الثاني الأول بـ"عبادة المؤسسة العسكرية" ولا يثق في الخطوات التي تقترحها. كما استدعي وكيل الجمهورية العسكري، رئيس المجلس الدستوري السابق الطيب بلعيز، كشاهد في قضية السعيد بوتفليقة الذي يتهم بالتآمر على سلطة الجيش والدولة، برفقة قائدي الاستخبارات السابقين، توفيق وطرطاق، إضافة إلى لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال.

مطالب فئوية كسرت الحراك

يقول الناشط، سمير بلعربي لـ"اندبندت عربية" عن أسباب تقسيم الحراك إلى تيارات عدة، إن "المطالب الفئوية كانت سبباً رئيساً في ذلك، بعض الفئات من الحراك كانت تعتقد أنه بإدخال كل من السعيد وتوفيق وطرطاق إلى السجن، قد تحققت جميع المطالب، خصوصاً أن هذه الفئات لم تعد تشارك في المسيرات اليوم". ويسلط بلعربي الضوء، على المؤسسة العسكرية التي كانت بحسبه، محور انقسام آخر بين المتظاهرين. ويقول إن له رأياً مغايراً لكثيرين في هذا الخصوص، حيث شكلت "القداسة" التي يحتفظ بها البعض لهذه المؤسسة في تقسيم الحراك، مع أن جميع الجزائريين يقرون بـ"فضل هذه المؤسسة والإجماع حولها". ويضيف "أنا مقتنع أن من يوجه رسائله للمؤسسة العسكرية ليس اتهاماً أو ظلماً لها، فهي رسائل للمطالبة بالإسراع بما تعهدت به من حلول في إطار المادة السابعة والثامنة من الدستور".

شخصيات برزت ومن ثم قمعت

خلال الأسابيع الأولى من الحراك الشعبي، شعر الجزائريون بنشوة كبيرة وهم يتابعون شباباً يقدمون دروساً سياسية راقية في المسيرات وما تبعها، لكن عملية "التفاف" كبيرة يمكن ملاحظة خيوطها مع دخول الحراك شهره الثاني، ساهمت فيه أطراف عدة يعتقد أنها باشرت حسابات "الاستفراد بالسلطة". وبرزت تباعاً حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، طاولت بشكل مقصود شخصيات يحسبها الجزائريون من التيار "التقليدي المحافظ"، قبل أن يقدم التيار العلماني نفسه وبقوة في مسيرات محافظة الجزائر العاصمة، لتتحول الساحات في المدينة وساحات افتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى فضاءات للمعارك والتشهير بجميع من طرح اسمه كممثل مفترض للحراك. كما ساهمت الأحزاب السياسية التقليدية، في "قمع" ظهور ممثلين من الطبقة الشابة أو من طلبة الجامعات. وفي آخر رأي له قال رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري أن "الحراك يجب أن يبقى من دون تأطير".

بداية مرحلة

ومع بروز فكرة تمثيل الحراك مجدداً، وتزامنها وتوسع عملية "التطهير" داخل سلك القضاء، يمكن توقع مبادرة سياسية للشخصية التي طلبها الجزائريون أكثر، في المسيرات التي تشهدها البلاد كل جمعة، وينتظر أن يتوجه وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي، برسالة إلى الشعب الجزائري مطلع الأسبوع المقبل، يعرض خلالها رؤيته لحل الأزمة التي تعرفها البلاد. ونقل طلبة أكاديميون، التقوا الإبراهيمي أن الرسالة المكتوبة ستوزع على وسائل الإعلام لتصل إلى جميع المواطنين، وهدفها التوجه للمواطنين والقائمين على نظام الحكم بمبادرة تتضمن مقترحات وحلول للأزمة السياسية تجمع بين مبادئ الدستور والحلول السياسية. وينتظر أن "تشدد مبادرة المرشح السابق لرئاسيات 1999 على ضرورة تأجيل الموعد الانتخابي المقرر يوم 4 يوليو (تموز) استجابة لرغبة غالبية الشعب الجزائري". كما سيطرح الإبراهيمي "فكرة الدخول في فترة انتقالية ترعاها المؤسسة العسكرية ويتولى خلالها شخصية مقبولة شعبياً تسيير المرحلة، مع اشتراط أن يكون وصوله لمنصب رئاسة الدولة عبر آليات دستورية ليتولى بعدها رفقة حكومة توافقية، التحضير للانتخابات الرئاسية في ظرف ستة أشهر على الأقل".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي