Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والعودة إلى مجلس الأمن

قرار طهران بتقليص التزاماتها في الملف النووي قد يشكل هدية لترمب

مروحية عسكرية تابعة للبحرية الأميركية المتواجدة في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

قد تكون الولايات المتحدة الأميركية الجهة الأكثر ارتياحاً للقرار الإيراني بتقليص التزامات إيران بتعهداتها التي نص عليها الاتفاق النووي بالعودة إلى رفع مخزونها من اليورانيوم المخصب والماء الثقيل، والذي جاء كرد فعل على قرار إدارة البيت الأبيض بفرض عقوبات على تصدير الفائض من هذين العنصرين.

فالقرار الإيراني أعطى واشنطن ورقة مجانية، إذ كانت تتوقع أن تلجأ طهران إلى خفض عمليات التخصيب وإنتاج الماء الثقيل حتى لا تتجاوز الحدود المرسومة في الاتفاق النووي، بانتظار التوصل إلى حل للأزمة المتصاعدة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب والحصار الاقتصادي الخانق الذي يفرضه عليها، انطلاقاً من فرضية إدراكها أن الحصار والعقوبات هدفهما إقناع طهران بالعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق جديد يلبي المطالب الأميركية في ما يتعلق بملفات لم يشملها الاتفاق النووي، مثل البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي وفرض آلية تفتيش مباغتة جديدة تشمل المواقع العسكرية والمدنية في إيران.

وهذا القرار قد يشكل هدية مجانية لترمب في نهاية الفترة الزمنية التي حددتها طهران بـ60 يوماً، ليس لواشنطن، بل للدول الأوروبية، كوسيلة ضغط عليها من أجل التوصل إلى قرار نهائي في ما يتعلق بتفعيل آلية التعامل المالي والتجاري (أنستكس) للالتفاف على العقوبات الأميركية. ومن المفترض بهذه الهدية أن تعيد تفعيل عمل آلية الرقابة التي تفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرنامج النووي الإيراني والتحقق من أن إيران لا تخرق الاتفاق والشفافية والسلمية لهذه الأنشطة.

فالتقارير التي رفعتها الوكالة الدولية إلى مجلس الأمن منذ دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ كانت دائماً لمصلحة إيران وتؤكد التزامها وسلمية النشاطات التي تقوم بها، إلا أن كلام مرشد النظام عن الفاصلة أو المسافة القصيرة لامتلاك سلاح نووي ورفع مستوى التخصيب إلى 20 في المئة أو ما فوق، على العكس من السقف الذي حدده الاتفاق بمستوى 3.67 في المئة، إضافة إلى إمكان أن تعمد طهران لتسريع عمليات التخصيب لاختصار المدة الزمنية من أجل امتلاك أكثر من 1000 كيلو من اليورانيوم المخصب، يعني أنها باتت قادرة على إنتاج الكمية الكافية لصنع سلاح نووي بدرجة التخصيب المطلوبة لذلك، والتي تتجاوز مستوى 80 في المئة.

 

الموقف الأوروبي

إعلان دول الاتحاد الأوروبي أنها بانتظار التقرير الذي سترفعه الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الإجراءات الإيرانية الجديدة، يأتي من منطلق أن طبيعة هذا التقرير الذي سيحدد مدى بقاء إيران في حدود التزامها بالاتفاق النووي أو عدمه، بالتالي فإن أي إشارة إلى خروج إيران على السقف المحدد فيه، فإن الوكالة عندها ستكون ملزمة برفع تقريرها إلى مجلس الأمن، ما قد يفتح الطريق عندها، في حال تأكيد الخرق، أمام إمكان إعادة إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، وهذا قد يعني إلغاء الاتفاق الموقع بين هذه الدول مع إيران بشكل آلي. وبالتالي تتحول الخطوة الإيرانية التي قالت طهران إنها تصب في إطار الحفاظ على الاتفاق، إلى خطوة تساهم في إنهائه، وتعيد الأمور إلى المربع الأول للأزمة وتسمح لمجلس الأمن للدخول من جديد على خط أزمة الملف النووي، وهذه المرة لن تكون مقتصرة عليه فقط، بل ستعيد وضع جميع الملفات الإيرانية الصاروخية والإقليمية على طاولة المفاوضات، وبشكل أكثر صرامة. والعودة إلى مجلس الأمن فإن وجود الولايات المتحدة فيه وتمتعها بحق النقض الفيتو سيقطع الطريق أمام صدور أي قرار يدعم أو يؤيد الاتفاق، ما يعني سقوطه وانتهاءه، ويعيد بالتالي تفعيل القرارات السابقة للمجلس التي فرض فيها عقوبات دولية على إيران. وهذه المخاطر قد تكون هي التي دفعت وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى القول، إنه من المستبعد أن تستطيع إيران الحفاظ على الاتفاق النووي بهذا الأسلوب وهذه القرارات.

يمكن القول إن الإصرار الإيراني على رفض التفاوض مع واشنطن، واللجوء إلى خطوات تصعيدية في البرنامج النووي، واختيار تحدي الإرادة الدولية المنادية والداعية للحفاظ على الاتفاق التاريخي، قد يزداد تعقيداً بعد انتهاء مهلة الأيام الستين، وما قد يتبعها من خطوات لاحقاً برفع مستوى التخصيب، بالتالي سيضع طهران في صف الدول المارقة التي تتحدى الإرادة الدولية، أو على حد تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بأن العالم سينسى الإجراءات والعقوبات الأميركية وقرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق وسيتذكر فقط ما قامت به طهران.

موقف الرئيس الروسي وإعلانه عن إمكان لعب دور في الوساطة بين إيران والمجتمع الدولي، يأتي مترافقاً مع تشكيكه بعجز الدول الأوروبية على لعب دور إيجابي في هذه الأزمة، مع تأكيده أن بلاده لا يمكنها أن تحل الأزمات التي لا علاقة لروسيا بها.

كلام الرئيس الروسي الذي دعا في طهران للبقاء في الاتفاق النووي والحفاظ عليه، يكشف عن مرحلة جديدة من الاستعداد الروسي لقطف ثمار الأزمة بين طهران وواشنطن، وأن الرهان الإيراني على دور لموسكو لن يكون مجانياً، ولا بد لطهران من أن تقدم تنازلات لموسكو قد لا تكون بحجم التنازلات التي قد تقدمها في مفاوضاتها مع واشنطن، إلا أنها لن تكون أقل أهمية، وتحديداً في ما يتعلق بالملف السوري الذي تطمح روسيا إلى تحجيم النفوذ الإيراني على هذه الساحة، إضافة إلى مشاركتها في ملفات الشرق الأوسط الأخرى من العراق وصولاً إلى فلسطين، ما يجعلها أحد المستفيدين الأساسيين من حزمة العقوبات الأميركية الجديدة سياسياً واقتصادياً، في ظل انشغال الصين في التصدي للهجمة الاقتصادية الأميركية وفرض الضرائب على بضائعها.

المزيد من آراء