Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسباب فشل الإسلاميين في إدارة الحكم في تونس

بعد عشر سنوات من وصولهم إلى الحكم إثر ثورات "الربيع العربي"

راشد الغنوشي رئيس حركة "النهضة" (رويترز)

بعد عشر سنوات من وصول الحركات الإسلامية إلى الحكم إثر ثورات "الربيع العربي"، التي اعترف كثير من قادتها بأن مشاركتهم فيها كانت رمزية، عجزت هذه الجماعات عن تحقيق أهداف الثورات التي قامت ضد عجز الأنظمة السابقة عن تحقيق التنمية وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.

"الإسلام هو الحل"

"الإسلام هو الحل"، بهذا الشعار بدأ الإسلاميون حملاتهم متهمين خصومهم بالعداء للدين، ومعتبرين أن وصولهم إلى الحكم وتطبيق "شرع الله" سيحلان المشاكل التي تسببت بها أنظمة الفساد والاستبداد.

يعتبر المتخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي، عبيد الخليفي، أن "جماعات الإسلام السياسي لم تكن أحزاباً وطنية ذات مشروع قطري محلي، بل هي فروع لتنظيم دولي يمتلك قوة تنظيمية ومصادر تمويل كبيرة، ومصدر قوة تلك الجماعات هو الدور الوظيفي الذي لعبته لتفعيل طموحات إقليمية طارئة ودولية ثابتة".

ويضيف الخليفي "كان وجودها في السلطة بعد ثورات الربيع العربي مرتبطاً بتلك التوازنات والخدمات. أما فشلها في إدارة الحكم فيعود أساساً إلى غياب المشروع التنفيذي لديها. فمن رفع شعار الإسلام هو الحل كان يقفز على تفاصيل الحلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولم يتفاعل مع فكرة الديمقراطية والصندوق الانتخابي إلا فعلاً سياسياً انتهازياً للمرور نحو حكم المرشد والجماعة".

الإسلاميون ودور الضحية

فور تسلم مقاليد الحكم في تونس شرعت حركة "النهضة" لتحقيق ما سمته التعويضات لضحايا أنظمة الاستبداد. وقد اعتبرها كثيرون من المراقبين بأنها مطالبة الشعب الذي ثار من أجل إسقاط أنظمة فاسدة ومستبدة بدفع تعويضات لقادتها وأعضائها، على الرغم من أن شعار التحركات الشعبية التي سعت لإسقاط الأنظمة كان "شغل وحرية وكرامة وطنية".

لكن القيادي في حركة "النهضة"، الحبيب خضر، يقول إن "موقفها من موضوع التعويضات هو رد الاعتبار والتعويض والاعتذار". ويضيف "رد الاعتبار معنوياً ومادياً حق وليس منّة، ومن يقول إن هؤلاء ظلمهم الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وعليهم طلب حقوقهم منهما، نقول له إن من ظلمهم فعل ذلك باسم الدولة والقانون والشرعية، ومن حلَّ اليوم محل من انصرف في الدولة ملزمٌ بأن يعوضهم".

الفشل ونظرية المؤامرة

بمرور السنوات فشلت حركة "النهضة" في التأقلم مع الواقع في تونس، وعجزت عن تقديم مشاريع وتصورات تسهم في تحقيق مطالب الشعب بتحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من حضورها القوي والفاعل في الحكومات التي تعاقبت منذ عام 2011.

ويصف الصحافي الصغير الحيدري "نظرية المؤامرة التي تعتمدها حركة النهضة في كل مناسبة تواجه فيها بأنها تبرير لنفسها أمام التونسيين. وما كررته الحركة بعد أحداث 25 يوليو (تموز) الماضي هو امتداد لاستعانتها بنظرية المؤامرة من قبل دول وأطراف تتهمهم لتبرير فشلها أمام التونسيين". ويضيف "ما جرى يومها يفسر حجم الغليان الشعبي تجاه النهضة والعزلة السياسية التي تعيشها، لذلك تطنب في استعمال نظرية المؤامرة".

فشل المشروع

أما الصحافي مراد علالة فإنه يعتبر أن "فشل الإسلاميين في تونس نتيجة طبيعية، لأنه لم يكن لدى النهضة مشروع وطني، وكان الهمّ الوحيد بالنسبة إليها هو ضرب الدولة الوطنية من الخارج لإقامة دولة الخلافة، ونجحت في الوصول إلى الحكم نتيجة أخطاء في التقديرات والسياسات الإقليمية والدولية، ووقف الجميع على حقيقة افتقار الإسلاميين الكفاءة النظرية والعملية للاضطلاع بأعبائه وتسيير الدولة المدنية التي تعاملوا معها بمنطق الغنيمة، علاوة على انكشاف اتجارهم بالدين وتوظيفه لتحقيق مآربهم بالعنف والترهيب والإرهاب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتابع علالة أن "جهد حركة النهضة انصب على الاستئثار بالحكم، وتفرّغت للتمكين والتغوّل في مفاصل الدولة، ووضع اليد على الخطط والمناصب الحساسة في الإدارة سواء بتوظيف أبنائها الشرعيين وفق صيغ عديدة أهمها العفو التشريعي العام، أو بالتعويل على وجوه قديمة في النظام القديم وأخرى قُويضت فبايعت طمعاً في الحماية، وتواصل إيهام الأتباع بالتعويضات في صيغة مشوهة للعدالة الانتقالية بعد تعطيل مقوماتها وأهدافها، وتفاقم الفشل والعجز في تسيير الدولة وتوفير الشروط الدنيا للعيش الكريم نتيجة الافتقار إلى مشروع اقتصادي واجتماعي".

يضيف "بهذا السلوك جثمت النهضة التي عرفت أزمة داخلية حادة جراء استبداد قادتها على المشهد التونسي لعقد كامل من الزمن، كان كافياً لإقناع كثير من التونسيين بالخطر الذي تمثله على حاضر البلاد ومستقبلها".

التحالفات الخاطئة

"مع عودتها إلى العمل السياسي العلني في تونس، اختارت حركة النهضة أن تحدد تحالفاتها وعلاقاتها عبر منظومة جماعة الإخوان المسلمين وتحالفاتها، وتحولت العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة إلى تابع لطبيعة علاقات الجماعة ومن يحتضنها مع دول العالم. ما تسبب بأزمات عدة في علاقات تونس مع كثير من الدول، لأن تاريخ الدبلوماسية التونسية كان مبنياً على مبدأ عدم الدخول في المحاور والعمل خدمة لمصالحها الوطنية وليس لخدمة أهداف دول أخرى على حسابها"، بهذه العبارات يلخص الكاتب محمد العربي حمه تعاطي حركة "النهضة" مع التحالفات السياسية الدولية.

ويذكّر حمه بالأزمة التي تشهدها العلاقات بين تونس وتركيا منذ نهاية عام 2019 عندما زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تونس، وطالب بالسماح بدخول قوات تركية عبر الأراضي التونسية لفك الحصار الذي كان يفرضه الجيش الوطني الليبي على مدينة طرابلس.

ويستعيد حمه ما قاله رفيق عبد السلام، وزير الخارجية الأسبق والقيادي في حركة "النهضة"، إن تونس كان عليها القبول بالمقترح التركي والسماح بمرور القوات والعتاد العسكري التركي إلى ليبيا.

ويسأل حمه عن عواقب مثل هذه التحالفات على علاقات تونس مع أشقائها، بل على تونس ومستقبلها.

كيف ترد "النهضة"؟

كيف ترد حركة "النهضة" على الاتهامات الموجهة إليها بشأن فشل تجربتها في الحكم؟

يقول رياض الشعيبي، المستشار السياسي لرئيس حركة "النهضة" في تونس في حوار صحافي نشر معه، إن حركته "تعترف بالجزء الذي يخصها من المسؤولية عن الوضع المتردي الذي وصلته البلاد قبل 25 يوليو، ولكنها ليست المسؤولة الوحيدة، وكل الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية تتحمّل المسؤولية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية".

ويتهم الشعيبي الرئيس التونسي قيس سعيد، بأنه "تحوّل إلى قوة تعطيلية على امتداد السنتين (منذ انتخابه في 2019)، وعطل كل مناحي الدولة، سواء على مستوى رئاسة الحكومة أو على مستوى الوزراء، فضلا عن خطابه الذي يثير كثيرا من الريبة والشك لدى أجهزة الدولة ولدى المستثمرين الأجانب".

المزيد من تقارير