تقدم إيران وروسيا نموذجاً للعلاقات قائماً على التحرك من خلال المصالح المشتركة، مع عدم الاعتماد الكامل على بعضهما بعضاً. تحالف غير رسمي وغير مؤسسي، لكنه قائم على التعاون، للحد من تأثير النفوذ الغربي، ومواجهة الضغوط الغربية على كل منهما. ولطالما كان هذا هو مسار العلاقات بينهما، فهل سيستمر هذا النمط خلال ولاية إبراهيم رئيسي أم سيشهد تحولات في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية؟
أوجه التقارب
فمن جهة مساحات التقارب بين موسكو وطهران، يقترب الطرفان ويكونان على نفس الجانب من المفاوضات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، على الرغم من استمرار الخلافات بينهما بسبب تضارب المصالح.
وأسهمت التغيرات المتنامية في الشرق الأوسط خلال العام الماضي في دفع روسيا وإيران إلى التقارب، على الرغم من أن المصالح المتضاربة تمنعهما من أن يصبحا حليفين استراتيجيين. وتنسق موسكو وطهران المواقف في المفاوضات الجارية في فيينا بشأن العودة إلى الاتفاق النووي والتعاون في عدة مجالات لطرد النفوذ الأميركي، فضلاً عن الحديث الدائم بشأن العلاقات العسكرية - الدفاعية التي من المتوقع أن تؤدي إلى صفقات أسلحة.
ومع ذلك، فإن رغبة روسيا في الحد من ترسيخ الوجود الإيراني في سوريا لا تزال قائمة، وتتيح لإسرائيل فرصة للتعاون في هذا الاتجاه مع روسيا. ومع ذلك واصلت روسيا وإيران تقوية علاقاتهما السياسية، فقد عارضت روسيا في مجلس الأمن محاولة إدارة ترمب تفعيل آلية snapback ومنع رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران.
وفي المفاوضات الجارية في فيينا بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من بين القوى الست المشاركة في المفاوضات تعد المواقف الروسية الأقرب إلى مواقف إيران. إضافة إلى أنها أظهرت موقفاً ليناً تجاه انتهاكات إيران المستمرة في مجال تخصيب اليورانيوم، كما أنهم يعارضون الموقف الأميركي بشأن الحد من قدرات إيران الصاروخية، واحتواء سياستها الإقليمية، بالتالي يعارضون المطلب الأميركي بإدراج هذه القضايا في المفاوضات.
ومنذ قريب زار وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، موسكو، بعد فترة وجيزة من تنصيب إدارة بايدن، ووقع اتفاقية تعاون مع روسيا حول موضوع الأمن في مجال المعلومات، الذي يهدف إلى التعاون التكنولوجي بينهما، لا سيما في مجال الأمن السيبراني.
وفيما يتعلق بالتعاون العسكري بين الطرفين، مرّ نحو تسعة أشهر على رفع الحظر عن مبيعات الأسلحة لإيران، من دون أن تعلن روسيا وإيران صفقات جديدة، لكن ربما وراء الكواليس يتعمق تعاونهما في هذا المجال. فربما السبب هو النطاق الواسع للعقوبات الأميركية على إيران وروسيا، ما يدفع الطرفين إلى إخفاء مدى تقدم علاقاتهما العسكرية عن وسائل الإعلام. بالنظر إلى قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات، أي إن الدول التي تحصل على أسلحة من موسكو تخاطر بتحمل ثمن سياسي واقتصادي باهظ، لذا فجانب العلاقات العسكرية بين الطرفين مهم للغاية، فصناعة الأسلحة الروسية في حاجة ماسة إلى السوق الإيرانية، ويمكنها أن توفر لطهران شروط تمويل جيدة وطويلة الأجل تعالج الصعوبات المالية الحالية لإيران.
وفي الأشهر القليلة الماضية كان هناك تعاون عسكري بخاصة في المجال البحري. منذ بداية عام 2021، أفادت التقارير أن البحرية الروسية حمت السفن الإيرانية في البحر الأبيض المتوسط في طريقها إلى سوريا. وتقارير أخرى أفادت بإنشاء آلية تنسيق روسية إيرانية سورية في البحر الأبيض المتوسط، من أجل ضمان إمدادات النفط من إيران إلى سوريا، التي اعتبرتها إسرائيل حينذاك رسالة موجهة إليها في ظل حرب البحار التي نشبت بينها وبين إيران.
أوجه الخلاف
لكن، في الوقت نفسه هناك تضارب مستمر في المصالح بين روسيا وإيران، وهي تؤثر في قدرة البلدين على تعميق علاقاتهما. وهو ما أظهره التسجيل المسرّب الذي اتهم فيه وزير الخارجية الإيراني روسيا بمحاولة منع الاتفاق النووي في عام 2015.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما غضب الإيرانيون من رحلة وزير الخارجية، سيرغى لافروف، في أثناء وجوده بالدوحة كجزء من رحلته إلى دول الخليج في مارس (آذار) الماضي، التي أعلن فيها وضع إطار سياسي جديد يضم روسيا وتركيا وقطر. فطهران منزعجة من تجاهلها من قبل لافروف في هذه الرحلة، كما تنظر إيران إلى علاقات روسيا القوية مع دول الخليج وإسرائيل وقبول روسيا بالهجمات ضد أهداف إيرانية في سوريا على أنها تتعارض مع المصالح العسكرية لإيران.
كما شهدت العلاقات الاقتصادية الروسية الإيرانية حالة من الركود منذ سنوات عديدة، ويرجع ذلك إلى المنافسة بينهما في سوق الطاقة، ولم يجر توقيع اتفاقية إطار عمل استراتيجي جديدة بين روسيا وإيران على غرار الاتفاقية الموقعة بين الصين وإيران.
ومن هنا نجد أن إيران وروسيا يشتركان في مجموعة من المصالح الإقليمية والدولية، على رأسها تقليص الوجود والنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، لكن خلافات عديدة تحد من هذه المصالح.
إلى أين العلاقات بين روسيا وإيران خلال فترة إبراهيم رئيسي؟
يمكن استنتاج عدد من العوامل التي قد تعطي قوة دفع أكبر لاستمرار التعاون الروسي الإيراني في الفترة المقبلة. أولاً، في أي سيناريو يتعلق بمستقبل الاتفاق النووي ستظل علاقات طهران مع الغرب متوترة، إذ لن تكون قادرة على التخلي عن شراكتها مع روسيا أو الصين. لا سيما بالنظر إلى تقوية المعسكر المتشدد في إيران بانتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً.
ثانياً، إذا جرى تجديد الاتفاق النووي، فستتمكن إيران من العودة إلى سوق النفط العالمية، حيث تلعب روسيا دوراً مهماً في تنظيم الأسعار من خلال "أوبك +". لذلك، ستكون هناك حاجة متزايدة إلى تنسيق تعاونهما في مجال الطاقة.
ثالثًا، خروج القوات الأميركية من أفغانستان سيجبر موسكو وطهران على توثيق الصلة بينهما من أجل منع انتشار تهديدات التنظيمات المسلحة إلى أراضي كل منهما. وبشكل عام سيركز رئيسي سياسته الخارجية على استراتيجية "النظر شرقاً"، مما يعني تعاوناً أوثق مع الصين وروسيا بعد توليه منصبه، وستواصل إدارته العمل وفق إطار وآليات التعاون القائمة مع الصين وروسيا.
إجمالأً، تسعى روسيا إلى تعزيز اعتماد إيران على نفوذها الدبلوماسي. لكن في المقابل قد يكون حل الملف النووي بشكل مطلق يتعارض مع المصالح الروسية، إذ إن رفع العقوبات سيسمح ليس فقط للشركات الروسية باختراق السوق الإيرانية، إلا أنه سيجري فتحها أيضاً أمام الشركات الغربية الأكثر قدرة على المنافسة.
هذا المزيج من الاهتمامات المختلفة يجعل التفاعل بين الطرفين مميزاً، فهما يشتركان في أهداف متشابهة، ويحتاج كل منهما إلى الآخر لمساعدته على المناورة في علاقاته مع الغرب.