انسوا الموجة الثانية، إنها الموجة الرابعة من كورونا.
في وقت تترنح فيه الولايات المتحدة الأميركية على وقع طفرة جديدة من "كوفيد-19" تضع حملاً ثقيلاً على مسؤولي الصحة والمستشفيات، وتترك الرئيس جو بايدن أشبه بمن يتوسل السكان لأخذ لقاحاتهم، تزداد التصدعات في الأزمة الجديدة وضوحاً، ما يسمح لنا بالوقوف على جوانبها.
على الرغم من وجود استثناءات طبعاً، تندرج الغالبية الساحقة من حالات "كوفيد-19" الجديدة في الولايات المتحدة، التي تضاعفت ثلاث مرات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بين صفوف الأشخاص غير المطعمين. وتمثل المتحورة "دلتا" أكثر من 80 في المئة منها، علماً أنها أكثر عدوى بأشواط مقارنة مع نظيراتها، ولديها القدرة تالياً على التسبب بأعداد أكبر من الوفيات.
"أعتقد أننا نخوض الفترة الأكثر صعوبة في جائحة كوفيد"، قال أنتوني سانتيلا، بروفيسور في الإدارة والسياسات الصحية في "جامعة نيو هافن" الأميركية، في حديث إلى "اندبندنت".
ويذكر أنه بعد الأيام المظلمة التي سادت البلاد العام الماضي والجزء الأول من 2021، بدا أن وصول لقاحات واسعة الانتشار وسهلة المنال سيقود المعركة "ضد جائحة كورونا".
مع ذلك، يعتقد البروفيسور سانتيلا، على غرار كثر من زملائه، أن ذلك في النتيجة قد حمل الناس مجتمعين على التخلي عن حذرهم. في مايو (أيار) الماضي، رأى "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" CDC أنه لم يعد ضرورياً ارتداء الكمامات، في توصية يُصار إلى تغييرها الآن، وانتهز جو بايدن فرصة احتفالات الرابع من يوليو (تموز) في الولايات المتحدة لإعلان "استقلال أميركا عن كوفيد"، كما قال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن للأسف، حلم بايدن تلقيح 70 في المئة من الأميركيين بحلول 4 يوليو الماضي لم يُكتب له النجاح. حالياً، يبلغ عدد الملقحين 50 في المئة فقط، وتأخذ إصابات "كوفيد" بالارتفاع مجدداً في أوساط غير المحصنين من السكان، لا سيما في أماكن من قبيل أركنساس وألاباما وميزوري وميسيسيبي. وكثير من هذه الولايات يسجل بعضاً من أدنى معدلات التطعيم في الولايات المتحدة، علماً أن بعضها لم يكن الأسوأ تضرراً بالإصابات خلال العام الماضي خلافاً للبؤر الأكثر سوءاً.
يقول سانتيلا إن أميركيين كثراً اقتنعوا بإجراءات مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، لكن حمل الناس على أخذ لقاح مضاد كان أكثر صعوبة.
"مع التحرك البسيط إنما القوي ضد التطعيمات المضادة لكورونا، باتت الخطوة التي يفترض أن يخوضها الناس من دون أدنى تفكير مسبق، ألا وهي أخذ اللقاح، تشكل التحدي الراهن"، وفق كلمات البروفيسور سانتيلا.
وتؤكد هذه الحال خرائط متوافرة على موقعين إلكترونيين.
تبين خريطة منشورة على موقع "مايو كلينك" Mayo Clinic الإلكتروني الأميركي حالات "كوفيد" اليومية لكل 100 ألف شخص. نلاحظ ولايات أركنساس وفلوريدا وميزوري ولويزيانا وقد تلونت بالأحمر، الذي يشير إلى النسبة الأعلى من الحالات.
في خريطة أخرى، يتولى تنظيمها وعرضها "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، تظهر الولايات بحسب عدد التطعيمات لكل فرد من السكان. من بين الولايات التي تلونت بالأزرق الداكن، واشنطن ونيو مكسيكو ونيويورك ونيوجيرسي. لا يندرج أي منها ضمن بؤر الموجة الرابعة من الحالات.
في وقت سابق من الشهر الحالي، قال بايدن في معرض تشجيعه شعبه على أخذ اللقاح، "انظروا، الجائحة الوحيدة لدينا تستعر بين السكان غير الملقحين".
أما الدكتورة روشيل والينسكي، مديرة "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، فكانت أكثر حزماً، إذ أدخلت تحديثاً على توصياتها يقول إنه على الملقحين عدم التخلي عن ارتداء الأقنعة الواقية في الأماكن الداخلية في بعض الولايات الأميركية، وفي حالات معينة.
وذكرت في هذا الشأن أن "شاغلنا الأكبر أننا سنظل نشهد إصابات، وحالات دخول إلى المستشفيات، وللأسف، وفيات بين غير الملقحين، على الرغم من أنه في المستطاع تجنبها".
الدكتور تشارلز هينكنز، بروفيسور وأحد كبار المستشارين الأكاديميين في "جامعة فلوريدا أتلانتيك" الأميركية، في مدينة بوكا راتون، يقول إن الولايات المتحدة بعدما قاست أكبر عدد من الحالات والوفيات في العالم، يبدو أنها تقود المواجهة عبر توزيع اللقاح.
يقول الدكتور هينكنز إن الولايات المتحدة واجهت حاجزين، متحورة "دلتا" من جهة، والأفراد الذي يُعرِضون عن أخذ تطعيماتهم من جهة أخرى. و"المفارقة أن في بعض الأماكن، نجد أن عدد الأشخاص الذين يقفون في المستشفيات في انتظار الحصول على دواء لـ(كوفيد) أكثر ممن يلجؤون إلى التطعيم"، كما جاءت كلماته.
ولكن كيف للدكتور هينكنز أن يقنع المعارضين للجرعة التحصينية أو المتخوفين بشأنها أن يحصلوا عليها؟
أحد الأساليب، في رأيه، أن تمضي "إدارة الغذاء والدواء" (FDA) الأميركية قدماً بإعطاء الترخيص التام للقاحات المختلفة المتاحة.
أما التكتيك الثاني فيتمثل، كما يقول هينكنز، في الاستفادة أكثر من مقدمي الرعاية الصحية، ذلك أن هؤلاء من بين الأشخاص الذين يثق بهم الأميركيون أكثر من غيرهم، فيما ليست لديهم ثقة في الحكومة. لذا على مقدمي الرعاية الصحية أن يحثوا مرضاهم على أخذ اللقاح.
ولما كان بايدن يدرك الحساسية الكبيرة التي تتتسم بها المسألة، وأن الخطر الأكثر إلحاحاً يكمن، على ما يبدو، في الولايات التي صوتت لصالح دونالد ترمب في المعركة الرئاسية عام 2020، نجده يتبع مساراً حذراً.
حالياً، يحظى الرئيس الأميركي بدرجة عالية من التأييد فيما يتصل باستراتيجيته في مواجهة الجائحة- لا يريد أن يخسر ذلك القبول، ولا أن يضيف وفيات جديدة إلى ما يربو على 610 آلاف أميركي سبق أن فقدوا أرواحهم.
يخشى بايدن أن ارتكان الحكومة الفيدرالية إلى أسلوب شديد وصارم، ربما سيولد رد فعل عنيفاً، يفاقم عدم الإقبال على التطعيم لدى القلقين من اللقاحات أصلاً. مثلاً، قوبلت حملة تلقيح متنقلة تجول على بيوت السكان بمعارضة شديدة من وسائل إعلام يمينية وبعض السياسيين الأميركيين، أدت إلى تعثرها.
في هذا السياق، زعمت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين، أن إدارة بايدن كانت في أدائها أشبه بالنازيين، وفق توصيفها. في الوقت نفسه، ادعى عضو الحزب الجمهوري عن ولاية كارولينا الشمالية ماديسون كاوثورن، الفائز بمقعد في الكونغرس للمرة الأولى، أن حكومة بلاده يمكن أن تسعى أيضاً (بعد حملة التلقيح المتنقلة على البيوت) "إلى أخذ أسلحتك، [أو] أناجيلك".
وكان بعض السياسيين الجمهوريين صريحين بشكل لافت بشأن المخاطر التي تواجه ناخبيهم. توجه أحد المراسلين في سؤال إلى كاي آيفي، حاكمة ألاباما، بشأن ما يمكن القيام به لزيادة معدلات التطعيم في ولايتها، التي تسجل أحد أقل معدلات التلقيح في الولايات المتحدة.
فجاء ردها، "لا أدري. أخبرني أنت. يُفترض أن يتمتع الناس بالمنطق السليم. حان وقت إلقاء اللوم على الأشخاص غير الملقحين، لا على نظرائهم العاديين (من تلقوا لقاحاتهم). الأشخاص غير الملقحين يخذلوننا".
بيا ماكدونالد، عالمة في الأوبئة والأمراض المعدية في "معهد البحوث المثلثية" RTI International ، منظمة غير ربحية تصب تركيزها على البحوث الصحية، اعترفت بالجهود الحثيثة التي بذلت فيما يتصل بتوزيع اللقاح، ولكنها كما تقول، تعرضت الآن لركود.
وتشير ماكدونالد إلى أنه من الأهمية بمكان أن تتصدى الأمة لموجة حالات "دلتا" قبل أن تزداد سوءاً، موضحة أنه في المستطاع إقناع من لم يتلقوا لقاحاتهم بعد بأن يحصلوا عليها، بيد أنه عمل صعب ومكلف.
وتعتقد ماكدونالد أن مفتاح النجاح يكمن في إدراك أن الأسباب التي تدفع الناس إلى التردد في أخذ اللقاحات تختلف وتتباين، حتى داخل المجتمعات نفسها.
وتختم قائلة، "حريٌّ بنا أن نتناول هذه النقاشات بطريقة حساسة ومحترمة".
© The Independent