قال كيفين ماكارثي، زعيم الأقلية (الجمهورية) في مجلس النواب، خلال مؤتمر صحافي عقده، هو ومجموعة من النواب الجمهوريين، الأربعاء الماضي، إنه من بين الأسئلة الأساسية التي يجب طرحها حول التمرد الذي وقع في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي هو، لماذا لم يكن هناك حضور أمني مناسب في مبنى الكابيتول في ذلك اليوم؟ جاء تساؤله بعد ما رفضت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب إضافة النائبين جيم جوردن وجيم بانكس إلى اللجنة المنتقاة لمعاينة أحداث السادس من يناير.
من جهته، رأى جوردن أن "الإنسانة الوحيدة التي يمكنها الإجابة على هذا السؤال.. هي رئيسة مجلس النواب في الولايات المتحدة الأميركية". وأشار النائب الجمهوري، الذي غالباً ما يكون طموحه واضحاً للعيان مثل قمصان لباسه الذي لا تغطيه أي سترة أبداً، إلى أن لديه حدساً بأن السبب في ذلك هو أن الديمقراطيين كانوا وراء اندلاع أعمال العنف خلال احتجاجات حملة "حياة السود مهمة".
وكان جوردن قد صرح لي ولصحافيين آخرين بالشيء نفسه في وقت سابق من هذا الأسبوع، مصراً على أن "الديمقراطيين قد خلقوا هذا المناخ الذي جعل أعمال الشغب والنهب طبيعية، كما جعل الفوضى التي شهدها صيف عام 2020 شيئاً طبيعياً".
للتذكير، فإن الرئيس السابق دونالد ترمب ظل يردد على امتداد أشهر أنه فاز في الانتخابات الأخيرة بأغلبية ساحقة. وجوردن الذي يعتبر مدافعاً شرساً عن ترمب صرح بدوره بأنه "من المستحيل" على الرئيس السابق أن يقر بهزيمته في ديسمبر (كانون الأول). وكان جوردن قد التقى ترمب في البيت الأبيض في وقت لاحق من ذلك الشهر لمناقشة إمكانية استعمال ترخيص الانتخابات في 6 يناير، بهدف إبقائه في السلطة، كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز". غير أن جوردن مع هذا كله، يريد أن يلقي مسؤولية التمرد على عدم توفر الأمن بما فيه الكفاية، وبالتالي على بيلوسي. وهو يفعل ذلك ليس فقط لتبرئة ترمب فحسب، بل ليدفع عن نفسه التهمة أيضاً.
كانت هناك إخفاقات أمنية بالفعل، وينبغي محاسبة الأشخاص المسؤولين عنها. إلا أن محاولة تصوير بيلوسي على أنها السبب الوحيد لتلك الإخفاقات، في الوقت الذي يتجنب فيه الاعتراف بدوره في الأحداث، تمثل ذروة النفاق بالنسبة لجوردن وللكتلة الجمهورية أيضاً. ويبدو أن الحزب الذي يجعل المسؤولية الشخصية من علاماته الفارقة، يتحول هذه الأيام إلى حزب "إلقاء اللوم على الديمقراطيين أولاً"، على حد تعبير جين كيركباتريك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا ينطبق هذا النمط من السلوك على التمرد الذي استهدف مبنى الكابيتول فحسب. فقد أخفق ترمب في التعامل مع جائحة كوفيد -19، وسعى إلى التقليل من أهميتها في الوقت الذي كانت تنتشر فيه عبر الولايات المتحدة خلال العام الماضي. وظل ترمب رافضاً لأشهر ارتداء الكمامة (ما أدى به في النهاية إلى إصابته بكوفيد-19).
وعوض أن يناشدوا الناخبين الجمهوريين على التلقيح، ركز ستيف سكاليز، المسؤول عن الانضباط الحزبي لدى الأقلية الجمهورية، وإليز ستيفانيك، رئيسة المؤتمر الجمهوري، وعدد من أعضاء تجمع الأطباء الجمهوريين، في مداخلاتهم، الخميس، على إلقاء اللوم على بيلوسي لكونها "غير راغبة" في معاينة النظرية القائلة بأن كوفيد-19 قد نشأ بادئ الأمر في مختبر في ووهان بالصين.
وتساءل سكاليز "ماذا تحاول بيلوسي رئيسة مجلس النواب إخفاءه، ولماذا تحاول أن تنفذ أوامر الحزب الشيوعي الصيني بالتستر على الأمر؟"
وفي رده على سؤال من أحد المراسلين أثناء المؤتمر الصحافي حول تشجيع الناس على تلقي اللقاح، أعرب النائب روني جاكسون عن استغرابه لماذا لا تسأل الصحافة الديمقراطيين إذا كانوا قد أخذوا اللقاح. في هذا السياق، نقل ديف ويغيل- الذي يعمل في صحيفة "واشنطن بوست"- عن "سي أن أن" قولها، إن نسبة تلقي اللقاح بين أعضاء الكونغرس الديمقراطيين هي 100 في المئة. ويُذكر أن جاكسون كان طبيب الكونغرس قبل فوزه بمقعد عن ولاية تكساس وانضمامه إلى أعضاء مجلس النواب الجمهوريين.
ويقاوم الجمهوريون على الجبهة نفسها، حيث يلقون باللوم على البيت الأبيض جراء تردد الناخبين الجمهوريين في تلقي اللقاح. وقد كشف سكاليز في وقت سابق من هذا الأسبوع أنه قد أخذ، أخيراً، الجرعة الأولى من اللقاح. وهذا يُحسب له لأنه قد يعزز ثقة الناس باللقاح، لا سيما في ولاية لويزيانا التي يمثلها. بيد أنه في الوقت نفسه، اعتبر أن السبب في التردد الواسع النطاق بتلقي اللقاح يعود إلى انتقادات البيت الأبيض، في ظل بايدن، لطريقة إدارة ترمب في طرح اللقاح. في هذه الأثناء قال السيناتور تومي توبرفيل من ولاية ألاباما، إن المشككين باللقاح لن يتلقوه حتى "تعترف هذه الإدارة بالجهود التي بذلتها الإدارة التي سبقتها". ويذّكر هذا بتلك الأيام التي كان يلاحق فيها الحزب الجمهوري الرئيس باراك أوباما بحجة أنه لم ينطق بعبارة "الإرهاب الإسلامي الراديكالي". وهكذا يبدو الأمر كما لو أن الشعوذة (الكلامية) والتصريحات البسيطة ستكسر التعويذة السحرية.
والتحق السيناتور روجر مارشال من كنساس بالركب، إذ قال لصحيفة "نيويورك تايمز" إنه "في كل مرة تفتح فيها (الناطقة باسم البيت الأبيض) جين بساكي فمها أو يفتح (مدير المعاهد الوطنية للحساسية والأمراض المعدية في أميركا) الدكتور فاوتشي فمه.. يقول 10 آلاف شخص جديد: أنا لن أتلقى اللقاح". لكن هذا الموقف يغض النظر عن أن إدراة ترمب هاجمت فاوتشي بانتظام، الأمر الذي جعله "عدو الشعب رقم واحد" في عيون المؤيدين لشعار ترمب "اجعل أميركا عظيمة من جديد"، وشجع أنصار الرئيس السابق على معارضة أي شيء يقوله فاوتشي.
تتعلق السياسة في نهاية المطاف بالفوز والخسارة. وإن توجيه انتقادات خارج السلطة إلى حزب حاكم نظراً للإجراءات التي اتخذها، هو أمر منطقي وينبغي أن يكون موضع ترحيب أيضاً. بيد أن ما يجري اليوم هو نوع من الجهود التي تبذل للتستر على أخطاء الجمهوريين حين كانوا في السلطة. وهذه محاولة لتبرئة الجمهوريين من المسؤولية عن أخطائهم وذلك بإلقاء تبعة ما فعلوه هم أنفسهم على الديمقراطيين. من غير الواضح ما إذا كان هذا الخطاب مجدياً من الناحية السياسية، لكنه في كل الأحوال لن يكفي لتمكين الجمهوريين من أخذ العبرة من أخطائهم.
© The Independent