هوت أسهم الشركات الصينية المسجلة في سوق "وول ستريت" بنيويورك منذ بداية تعاملات الأسبوع الاثنين، لتشهد أسوأ هبوط لها في يومين منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وهبط مؤشر "غولدن دراغون" على "ناسداك"، الذي يتابع أكبر 98 شركة صينية مسجلة في السوق الأميركية، بنسبة 15 في المئة في الأقل الثلاثاء. وفقد المؤشر نحو نصف قيمته (أكثر من 45 في المئة) منذ فبراير (شباط) الماضي. وهكذا خسرت الشركات الصينية المسجلة في السوق الأميركية نحو 770 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأخيرة.
وتتعرض الشركات الصينية المسجلة في الخارج، بخاصة شركات التكنولوجيا الكبيرة، لحملة تشديد إجراءات وقواعد نشاط من قبل السلطات الصينية المعنية في الأشهر الأخيرة. وكان أحدث إجراء هو استهداف سلطات تنظيم الأعمال في بكين قطاعَ التعليم الخاص الذي يصل حجمه في البلاد إلى نحو 120 مليار دولار. وتقول المادة الجديدة في قوانين مراقبة وتنظيم الأعمال، "لا يسمح للمؤسسات التي تدرس مواد المنهج التعليمي أن تطرح نفسها للحصول على التمويل، ولا يسمح للشركات المدرجة بالاستثمار في تلك المؤسسات، كما يحظر تماماً أي تمويل أجنبي لتلك المؤسسات".
وعلى الفور بدأت موجة بيع هائلة لأسهم الشركات الصينية المسجلة على المؤشرات الأميركية منذ تسربت الأنباء يوم الجمعة. على سبيل المثال، هوت أسهم شركة "نيو أورينتال إديوكيشين" 70 في المئة منذ يوم الجمعة حتى منتصف الثلاثاء. وعدلت أغلب المؤسسات الاستشارية والبنوك الاستثمارية توقعاتها لأداء أسهم الشركات الصينية بالخفض. وخفضت "غولدن ساكس" تقديراتها لحجم سوق شركات التعليم الخاص الصينية بنسبة هائلة (85 في المئة) حتى عام 2025.
التعليم الخاص
رغم أن هناك حديثاً في الصين منذ فترة عن الحاجة إلى تنظيم قطاع التعليم الخاص، خصوصاً الدروس الخصوصية خارج المدارس الحكومية، فإن الإجراء الأخير فاجأ المستثمرين في شركات التعليم الخاص في بكين. كما أن المستثمرين في الشركات الصينية عموماً اعتبروا ذلك تطوراً في حملة حكومة الرئيس، تشي جينبينغ، لضبط قواعد عمل الشركات عموماً.
تطور قطاع التعليم الخاص في الصين بسرعة في السنوات الأخيرة مع زيادة الطلب وعدم كفاية الفصول في المدارس الحكومية. كما أن التعليم عن بعد في عام وباء كورونا فتح الباب أمام نشاط شركات جديدة تعتمد على الإنترنت في التعليم الخاص. وبالتالي بدأت الحكومة التحرك لمنع أي تأثير خارجي في العملية التعليمية عن طريق المال والاستثمارات. وهكذا استهدفت الإبقاء على قطاع التعليم الخاص، لكن في الوقت نفسه شددت إجراءات تنظيمه بما يحجبه عن أي استثمارات خارجية أو تأثير في تدريس المناهج لأغراض الربح.
ومع تراجع معدلات الزيادة السكانية في الصين، أي ارتفاع أعداد الكبار في المجتمع، تستهدف الحكومة خفض تكاليف رعاية وتربية الأطفال لتشجع الأسر الصينية على الإنجاب أكثر من طفلين. ومن شأن ترك قطاع التعليم الخاص لحركة السوق المفتوحة أن يرفع تكاليف التعليم بغرض تحقيق الأرباح. وإن كان بعض المعلقين يرى أن تلك الإجراءات المشددة لن تفيد كثيراً في خفض كلفة التعليم الخاص في الصين، في ظل زيادة الطلب على العرض، لكنها في الأقل ستحقق هدفاً للحكومة الصينية وهو إبعاد تأثير الأموال الخارجية عن تعليم الأجيال.
شركات التكنولوجيا
منذ العام الماضي، تشن الحكومة الصينية حملة تشديد إجراءات على شركات التكنولوجيا الكبرى لضبط سيطرتها على قطاعات الاقتصاد الصيني بخاصة قطاع التكنولوجيا المالية. وكان انتباه الأسواق بقوة لتلك الحملة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حين ألغي طرح أولي لأسهم شركة "آنت" التابعة لمجموعة "علي بابا"، الذي كان يقدر بنحو 30 مليار دولار. وخضعت الشركة لمطالبات الجهات الرقابية والتنظيمية بتعديل نموذج عملها. كما أن المجموعة قبلت مطلع هذا العام بدفع غرامات وصلت إلى 2.8 مليار دولار، بعدما خلصت التحقيقات الرسمية في نشاطاتها إلى أنها انتهكت قواعد السوق على مدى سنوات.
وفي أحدث الإجراءات، قررت إدارة تنظيم الأسواق الرسمية الصينية فرض قواعد جديدة على شركات وتطبيقات توصيل الطلبات، تستهدف إلزام تلك الشركات والتطبيقات تحسين أوضاع العاملين في خدمات التوصيل، وألا يقل أجرهم عن الحد الأدنى للأجور في الصين. كما ألزمت شركات التكنولوجيا والتطبيقات المختلفة السماح بمشاركة الروابط الخاصة بالمنافسين. وهكذا ستصبح شركات كبرى مثل "علي بابا" و"ميتوان" و"تينسنت" و"وي تشات" مضطرة إلى السماح بوضع روابط منافسين على منصاتها، بعدما كانت تفرض جداراً من الخصوصية لا يسمح بذلك ويكسبها ميزة تنافسية عالية.
لذا هبطت أسهم شركة "ميتوان" في سوق هونغ كونغ، الثلاثاء، بنسبة تزيد على 17 في المئة، بعدما فقدت 14 في المئة من قيمتها في أول أيام الأسبوع الاثنين. كما انخفضت أسهم شركة "تينسنت" بنسبة تسعة في المئة بعدما تضمنت القواعد الصينية الجديدة إنهاء صفقات حقوق الموسيقى الحصرية مع شركات المصنفات الكبرى في العالم.