Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فتحات التهريب" تحقق حلم الفلسطينيين بالترفيه والاستجمام

300 ألف فلسطيني دخلوا إلى إسرائيل للسياحة خلال أيام عيد الأضحى

أنشأت تل أبيب جدار الضم والتوسع عام 2002 (اندبندنت عربية)

لا فرق بين الثمانيني عيسى الريان وحفيده الصغير ابن العاشرة أمام بحر يافا (أقدم وأهم مدن فلسطين التاريخية)، فكلاهما يرقص فرحاً، لرؤيتهما واحتضانهما أمواجه. فعيسى الذي وُلد في يافا وفر منها مع والدته عام 1948 خوفاً من العصابات الصهيونية، آنذاك، يعود إليها من جديد، وعلى الرغم من هشاشة عظمه، وضعف بصره وبُطء خطواته، فإنه تمكّن بمساعدة أحفاده من القفز داخل أحد الثقوب في السياج الأمني الإسرائيلي، التي أحدثها فلسطينيون قرب قرية حبلة (شمال الضفة الغربية)، والجري ألف متر تقريباً، من أجل الدخول لمسقط رأسه بطريقة تعتبرها تل أبيب غير شرعية (من دون تصريح أمني).

ويقول الريان، لـ"اندبندنت عربية"، إن "حلم العودة إلى يافا يرافقني منذ أن كنت طفلاً، وعلى الرغم من أن التهريب عن طريق الفتحات يحمل في طياته مخاطر كبيرة وبعض الإصابات، فإن الأمر يستحق التجربة والعناء. فور أن لمست أصابعي رمل البحر وأمواجه، تذكّرت وجه أمي وابتسامتها في كل مرة كانت تحدثني فيها عن يافا وبحرها الأزرق، عن برتقالها وليمونها وسوق السمك فيها. الحمد لله الذي أكرمني برؤية يافا قبل أن أموت".

تهريب للترفيه

عشرات الفتحات في السياج المكون لجدار الضم والتوسع الذي أنشأته تل أبيب عام 2002، أحدثها شبان فلسطينيون على فترات مختلفة للمرور من خلالها، بعد أن تعذر عليهم الحصول على تصاريح عمل قانونية من السلطات الإسرائيلية.

وفي حين شكّلت هذه الفتحات فرصة ذهبية لسماسرة نقل العمال الفلسطينيين مقابل مبالغ مالية باهظة، أحدث آخرون فتحات أخرى في مختلف القرى المتاخمة للجدار، لتصبح متنفساً لمئات الآلاف من الفلسطينيين الراغبين بالاستجمام عند البحر، بل وغدت ملجأ لبعض الشركات السياحية المحلية التي تعاني جراء فيروس كورونا، لتنظيم رحلات يومية إلى المدن الساحلية (يافا وحيفا وعكا) داخل إسرائيل.

صاحب إحدى تلك الشركات، الذي رفض الكشف عن اسمه، يقول، "منذ عام ونصف العام تقريباً، ونحن ننظم رحلات شبه يومية إلى داخل إسرائيل عبر التهريب من الفتحات، إذ يعمل أحد موظفينا على مراقبة الجنود وتحركات دورياتهم، وفور مغادرتهم منطقة السياج الحدودي تصل إلينا إشارة بضرورة التحرك سريعاً قبل عودتهم، وهنا تبدأ مسابقات الجري بين الفلسطينيين المستعدين لدفع الغالي والنفيس من أجل رؤية قراهم ومدنهم التي هجروا منها أيام النكبة الفلسطينية عام 1948. خلال دقائق نصعد إلى حافلة إسرائيلية يتم الاتفاق معها مسبقاً لتقلنا، حيث نظمت الرحلة، وذلك مقابل مبلغ مالي معين وعدم تبليغ السلطات الإسرائيلية التي قد تقوم بسجننا إذا كشف الأمر".

غض الطرف

تراخي الجيش الإسرائيلي عن سد تلك الثغرات في السياج الأمني، وغياب التصريحات من المسؤولين في تل أبيب حول ظاهرة الفتحات العشوائية وتدفق الفلسطينيين بالآلاف للعمل والترفيه، يحملان في طياتهما أبعاداً متعددة حسب المتخصص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، الذي يقول إن "السلطات الإسرائيلية تسعى إلى خلق متنفس مقصود للفلسطينيين، في محاولة لدراسة وتقييم سلوكهم وتصرفاتهم، أي إن غض الطرف عن تلك الفتحات التي تقدر بالعشرات، كان من أجل بناء سياسات إسرائيلية لاحقة، تركز على نبذ العنف مقابل السلام والهدوء والتسهيلات".

ويضيف، "المواطن الفلسطيني المحاصر بالسلطة الفلسطينية وسياساتها المتخبطة، والوضع الاقتصادي المزري، والأحداث الداخلية الصعبة في الضفة الغربية، يبحث عن متنفس ويقتصر تفكيره على تأمين احتياجاته والعيش بسلام. الحكومة الإسرائيلية الحالية تدعم الجانب المعتدل للسلطة الفلسطينية، وتعزز التوجهات السلمية بإشغال الناس بقضايا حياتية ويومية. ووفق معتقدات المسؤولين في الجانب الإسرائيلي، كلما كان الوضع الاقتصادي جيداً كان الانخراط في العنف والمقاومة أقل".

الاقتصاد مقابل الأمن

يؤكد محللون أن القوة الشرائية للسياح الفلسطينيين الذين يدخلون إسرائيل حالياً بعيدة كل البعد عن أن تكون رافعة نمو للاقتصاد الإسرائيلي، الذي تصل صادراته لقرابة 80 مليار دولار حول العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول المحلل الاقتصادي نصر عبدالكريم، لـ"اندبندنت عربية"، إن "قرابة 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية دخلوا إلى المدن الساحلية خلال أيام عيد الأضحى، وتقدر أموالهم بين 20 و30 مليون دولار، ما يعني أنها أرقام غير قابلة للمقارنة أو الاهتمام. كما أن الضفة تفتقر لأماكن سياحية مؤهلة قد تغني الفلسطيني عن الذهاب للبحر للاستجمام والترفيه".

وبحسب عبدالكريم، فإن "تل أبيب مطمئنة أن لا ضرر من وجود تلك الفتحات، سواء لتهريب العمال أو الباحثين عن الترفيه والتسوق، فالمبدأ الجوهري القائم لديها هو (الاقتصاد مقابل الأمن)"، مشيراً إلى أن "العزوف عن العمل الوطني هو المحرك الأساسي لبقاء تلك الفتحات، فمع نهاية كل يوم يعود الفلسطينيون إلى منازلهم من دون أي أحداث تذكر على الصعيدين السياسي والأمني".

تقصير حكومي 

قدرت السلطة الفلسطينية خسائر إيرادات السياحة، التي تشمل السياحة الوافدة من الخارج والداخلية، بنحو مليار ونصف المليار دولار أميركي خلال العام الماضي والحالي، بسبب تداعيات جائحة كورونا وتدابير مكافحتها.

ويرى متخصصون أن غياب الدعم الرسمي للقطاع السياحي الداخلي، وعدم تقديم تسهيلات ائتمانية وبنكية للنهوض به، سيدفع بالفلسطينيين لاختيار فتحات التهريب للذهاب إلى البحر والتسوق داخل إسرائيل.

وينتقد رئيس جمعية السياحة الوافدة في الأراضي المقدسة، طوني خشرم، غياب الدعم الحكومي، بقوله إن "عدم تقديم البنوك الفلسطينية القروض والتسهيلات الائتمانية الميسرة للقطاع السياحي الفلسطيني أسوة بما يفعله الإسرائيليون، يعرض المكاتب والشركات السياحية الفلسطينية إلى إعلان حالة الإفلاس، في مقابل انتعاش خدمات المكاتب السياحية الإسرائيلية التي لم تفلس، لأنها حظيت بدعم حكومي. وزارة السياحة تقاعست عن دعم وتأهيل أماكن السياحة الداخلية في الضفة الغربية، ولم تروج لها بالشكل الذي قد يشجع الفلسطينيين على زيارتها".

ويشير رئيس جمعية الفنادق العربية في فلسطين، إلياس العرجا، إلى أن "حجم الخسائر التي تتعرض لها مدن الضفة الغربية السياحية، وأبرزها مدينة بيت لحم، تقدر بـ300 مليون دولار شهرياً، حيث لم تتجاوز نسبة الإشغال في الفنادق العاملة منذ بداية هذا العام 2 في المئة، خلافاً لما كانت عليه سابقاً، في حين أن هناك خمسة آلاف غرفة فندقية موزعة على 73 فندقاً في بيت لحم وحدها تكبدت خسائر فادحة، وسرح ما يقرب من 95 في المئة من العاملين في القطاع بالمدينة، لعدم قدرة أرباب العمل على دفع أجورهم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير