Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي ستحمله الجولة الرابعة من الحوار بين بغداد وواشنطن؟

"هجمات تنظيم داعش الأخيرة تدل بأن العراق ما زال بحاجة لدعم الولايات المتحدة في الجانب الأمني والاستخباري"

انطلقت الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، يوم الجمعة 23 يوليو (تموز)، وسط ترقب كبير لإعلان موعد لإنهاء التواجد العسكري الأميركي في العراق، وإنهاء المهمات القتالية لتلك القوات في البلاد. 

وأكد البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيلتقي رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يوم الإثنين 26 يوليو، ضمن الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين البلدين.

ويعتقد متابعون للشأن العراقي أن التحدي الأكبر الذي تواجهه حكومة الكاظمي ليس الإبقاء على القوات الأميركية في البلاد من عدمه، بل الإجابة عن سؤال جوهري يتعلق بإمكانية إبقاء ملف القوات الأميركية باعتباره ملفاً عراقياً، أو الفشل في تلك المهمة ليتحول إلى ملف إيراني يتحكم فيه صانعي القرار في طهران بالاستعانة بوكلائهم في العراق. 

العراق بحاجة إلى برامج واشنطن

ومع انطلاق الجولة الرابعة، لم تصدر أي تصريحات واضحة بشأن إنهاء التواجد العسكري الأميركي في البلاد من قبل وزيري خارجية العراق والولايات المتحدة الأميركية، بالرغم من التوقعات بإعلان ذلك خلال الجولة الحالية. 

وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الجمعة إن "العراق يثمن الجهود التي تبذلها حكومة الولايات المتحدة الأميركية لتأهيل وتدريب القوات الأمنيّة العراقية وتجهيزها وتقديم المشورة في المجال الاستخباري وصولاً إلى الجاهزية المطلوبة في اعتمادها على قدراتها الذاتية، بما يعزز سيادة العراق وأمنه والحفاظ على مكتسباته بدحر تنظيم داعش الإرهابي".

وأكد أن قوات الأمن العراقية "ما تزال بحاجة إلى البرامج التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية، المتعلقة بالتدريبِ والتسليح والتجهيزِ وبناء القدرات"، مشيراً إلى "التزام حكومة العراق بحماية أفراد البعثات الدبلوماسية ومقراتها ومنشآتها وضمانِ أمنِ القواعد العسكرية العراقية التي تستضيف قوات التحالف الدولي".

وختم حسين بالقول ان "العراق يجدد تأكيده و التزامه بتعزيز شراكته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية بوصفها شريكاً أساسياً في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش".

في المقابل، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على أهمية العلاقة بين البلدين، قائلاً إن واشنطن تمضي قدماً في شراكتها مع العراق على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وأشار بلينكن إلى أن الشراكة مع بغداد أكبر بكثير من الحرب على تنظيم "داعش". 

ردود أفعال من قادة المليشيات

وأثارت تصريحات وزير الخارجية العراقي حفيظة شخصيات بارزة موالية لإيران، حيث وصلت ردود الفعل إلى حد قول زعيم جماعة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي إن "تصريحات وزير الخارجية العراقي بأن القوات الأمنية ما زالت بحاجة إلى مساعدة القوات الأميركية هو تصريح مؤسف للغاية ومرفوض من قبلنا ومن قبل كل عراقي يعتز بمؤسساته العسكرية والأمنية".

وأضاف الخزعلي في تغريدة على "تويتر"، أن هذا التصريح "لا يعكس حقيقة القدرات التي وصلت إليها قواتنا من الجيش، والشرطة الاتحادية، والحشد الشعبي، وجهاز مكافحة الإرهاب، بعد انتصاره على داعش".

وأشار إلى أنه "لا يمكن فهم هذا التصريح إلا أنه تسويق لمبررات استمرار تواجدهم على الأراضي العراقية، والذي يعلم الجميع أن لا علاقة له بمصلحة العراق وإنما مرتبطة بمصلحة الكيان الإسرائيلي الذي يعتبرنا عدوه الأول".

وكان وزير الخارجية العراقي، قد أكد في وقت سابق أن جولة الحوار الرابعة "ستكون الأخيرة"، في حين كشف أن رئيس الوزراء العراقي والرئيس الأميركي سيناقشان عدم الإبقاء على أي قاعدة أميركية في العراق، مرجحاً "عودة العراق وأميركا إلى اتفاق العام 2008 بعد انتهاء جولات الحوار".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلت عن مسؤولين أميركيين أنه من المتوقع أن تعلن الولايات المتحدة والعراق رسمياً إنهاء عمل البعثة القتالية الأميركية في العراق بنهاية هذا العام، وأن يواصل البلدان عملية الانتقال نحو توفير التدريب والمشورة للقوات العراقية.

ملف عراقي أم إيراني؟

وتتزايد التساؤلات بشأن إمكانية أن يكون أي اتفاق حول إنهاء التواجد العسكري الأميركي بادرة لخفض التوتر في البلاد، حيث يرى مراقبون أن كل ما يجري يأتي ضمن الضغوط الإيرانية في البلاد والتي باتت تجبر الحكومة العراقية على الرضوخ لمطالبات المليشيات الموالية لها. 

وبالرغم من حديث مراقبين بأن التواجد العسكري الأميركي لا يمثل الهاجس الأكبر الذي يشغل الرأي العام العراقي في الفترة الحالية، تحاول المليشيات الموالية لإيران تصوره على أنه المعضلة الأكبر التي تواجه البلاد خلال الوقت الراهن.
ويعتقد الصحافي والباحث في الشأن السياسي العراقي، محمد حبيب، أن "قضايا من قبيل عدد القوات الأميركية في العراق وطبيعة مهامها وانتشارها لا تشغل الراي العام العراقي، وهي قضايا ترتبط بحلفاء إيران في العراق وعملها في المنطقة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحاول التيارات الموالية لإيران في العراق تصوير قضية القوات الأميركية على أنها القضية الرئيسة التي تشغل الرأي العام العراقي، حيث يشير حبيب إلى أن هذا الملف، "ليس ملفاً شعبياً الأمر الذي يجعل حكومة الكاظمي أمام تحد بالغ الأهمية يتعلق بالنجاح في إبقائه كملف عراقي وعرقلة تحويله إلى ملف إيراني بناء على طلب وكلاء إيران".

ولعل نجاح حكومة الكاظمي في التعامل مع ملف القوات الأميركية كملف عراقي، بحسب حبيب، سيمثل "بادرة مهمة في تحرير هذا الملف من قبضة الفصائل الموالية لإيران في العراق".

ويتابع أن استمرار تواجد القوات القتالية في العراق "يوفر ذريعة للفصائل الموالية لإيران في استمرار خطابها وأنشطتها"، مبيناً أن تلك الفصائل "باتت تشعر بحرج كبير من احتمالية حسم هذا الملف خصوصاً مع بوادر الرغبة الأميركية في إنهاء تواجد قواتها القتالية في البلاد". 

ويبدو أن كل ما يجري من خطابات تصعيدية من قبل حلفاء إيران في العراق "يرتبط باقتراب الانتخابات المزمع إجراؤها في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل"، حيث يعتقد حبيب أن "حلفاء طهران باتوا بلا خطة أو أي برنامج انتخابي وهو الأمر الذي يدفعهم للتمسك بتلك الذريعة كطوق نجاة لبناء برنامج انتخابي"، مردفاً، "لكن التعويل على هذا الجانب كبرنامج انتخابي لن يكون مجدياً لأنه لا يلامس هموم الشارع العراقي المتشعبة". 

ويلفت حبيب إلى أن "المعادلة الحالية في البلاد مناسبة لكل الأطراف باستثناء العراق، حيث تستفيد طهران من وجود أهداف أميركية تمكنها من استخدامها كورقة تفاوضية في فيينا في حين تستفيد الفصائل المسلحة من بيع العمليات ضد التواجد الأميركي لصانعي القرار في إيران". 

ولعل ما يشكل الخطر الأكبر في المعادلة الحالية، يتعلق باحتمالية أن تقوم واشنطن بحصر تواجد قواتها في مناطق العرب السنة والأكراد وسحب القوات من المناطق الشيعية، كما يشير حبيب الذي يعتقد أن حدوث هذا السيناريو سيكون بمثابة "مغامرة كبيرة" بالنسبة للفصائل الموالية لإيران، والتي "لن تكون قادرة على تهيئة ظروف كفيلة باستمرار عملياتها في البلاد". 

التعاون بين بغداد وواشنطن 

وبالرغم من التسريبات المتعلقة بإنهاء التواجد الأميركي في البلاد، يرجح مراقبون أن يستمر التواجد الأميركي لكن بصيغة مختلفة تقتصر على الجهد الاستخباري والتدريب، فضلاً عن توفير غطاء جوي للقوات القتالية العراقية. 

ويرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن أهمية هذه الجولة ترتبط بأنها "ستكشف عن رؤية الرئيس الأميركي جو بايدن للعلاقات مع العراق، بالاستناد على جولة الحوار الثالثة التي حددت ملامح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة إزاء البلاد". 

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "ستركز الحوارات على استمرار التعاون بين بغداد وواشنطن، مع الأخذ بالاعتبار التحديات التي تشكلها الفصائل المسلحة بالنسبة للوجود الأميركي والحكومة العراقية". 

وبالرغم من ترجيحات التوصل إلى اتفاق لإنهاء التواجد العسكري الأميركي، يعتقد الشمري أن هذا الاتفاق "سيقتصر على سحب القوات القتالية مع التشديد على ضرورة استمرار تدريب القوات العراقية والتعاون الاستخباري والضربات الجوية التي توفرها القوات الأميركية". 

ويشير إلى أن تلك التطورات "لا تمثل رضوخاً من قبل الحكومة العراقية لإرادة الفصائل المسلحة، بل انتقالة في مستوى العلاقة بين بغداد وواشنطن من التركيز على التواجد الأمني إلى التعاون في جوانب الاقتصاد والصحة والطاقة التي ستكون حاضرة في الجلسة المقبلة".

ويلفت إلى أن "هناك رغبة عراقية في حسم ملف انسحاب القوات القتالية الأميركية، خصوصاً أن هذا الملف يمثل إحدى أبرز أولويات الحكومة الحالية، فضلاً عن أنها تمثل محاولة لإنهاء مبررات الفصائل المسلحة لعمليات استهداف المصالح الأميركية في البلاد والتي باتت تربك الوضع الأمني". 

تغيير في شكل التواجد الأميركي 

ويرى مراقبون أن مجرد الإعلان عن انسحاب القوات الأميركية من العراق سيكون كفيلاً بتهدئة الأوضاع في البلاد إلا أنه في الوقت ذاته سيمثل انتصاراً لاشتراطات حلفاء طهران في البلاد وليس وفق الرؤية العراقية.

وبالرغم من الاعتقاد بأن أي اتفاقات بشأن إنهاء التواجد الأميركي في البلاد ستحفز نوعاً من التهدئة، يرى مراقبون أن تصعيد المليشيات لا يرتبط بقضية التواجد الأميركي في البلاد، حيث يمثل في الدرجة الأساس محاولة للضغط على واشنطن للتوصل إلى صيغة جديدة بما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني.

ويرى مراقبون أن استمرار استهداف المصالح الأميركية في العراق تمثل رسالة إثبات وجود من قبل المليشيات الموالية لطهران إلى واشنطن مفادها أنها لا تزال تتمتع بثقل كبير في العراق ويجب ألا يمر أي اتفاق من دون شمولها. 

في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي أن "جولة الحوار الجارية بين بغداد وواشنطن تختلف عن سابقاتها، حيث تدل الهجمات الأخيرة التي شنها تنظيم داعش في قلب العاصمة بغداد بأن العراق ما زال بحاجة لدعم الولايات المتحدة في الجانب الأمني والاستخباري".

ويوضح الفيلي أن "الحكومة العراقية أكدت في أكثر من مناسبة أنها بحاجة إلى الدعم الأميركي خصوصاً في ما يتعلق بالجهد الاستخباري، ما يعني أن ما سيجري يمثل تغيراً في شكل الوجود الأميركي في البلاد وليس إنهاء هذا الوجود بشكل تام". 

ويرجح الفيلي أن تكون الولايات المتحدة "هي من ترغب في حصر مهامها في الجهد الاستخباري وإنهاء التواجد العسكري"، مبيناً أن "انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان يعطي انطباعاً بأن ثمة رغبة أميركية بإنهاء تواجدها العسكري في المنطقة".

وما يزال الترقب يسود الأجواء العراقية، بانتظار ما ستتمخض عنه الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، ومدى إمكانية أن توفر مخرجات الحوار بارقة أمل في إنهاء التوتر في البلاد. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير