Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محنة شميمة بيغوم والزوجات الأجنبيات المنسيات لمقاتلي "داعش"

فيما يحتدم الجدل حول موضوع الترحيل والإعادة إلى الأوطان، تنتظر شميمة بيغوم وهدى مثنى وغيرهما من زوجات مقاتلي "داعش" الأجنبيات إلى الآن في وضع قانوني معلق، ويتيح لهن الوثائقي الجديد "العودة" فرصة رواية قصصهن، لكي يمكننا أن نفهم كيف ساءت الأمور

قد تكون النساء أنفسهن كذلك سلاحاً قوياً في محاربة التطرف (غيتي)

عندما هُزم "داعش" على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في ياغوز في العام 2019، بعد معركة استمرت أشهراً طويلة على أرض مفتوحة لا تزيد مساحتها عن 700 متر مربع، مثّل ذلك الفوز نهاية خلافة الدولة الإسلامية، وكان يفترض بدولة الخلافة أن تشكل جنة للمسلمين، لكنها كانت في الواقع مكاناً مرعباً. 

وفي ذروة ازدهارها، عاش 8 ملايين شخص في القبضة الخانقة لنظام مُجرم استخدم نسخة مشوهة من الشريعة الإسلامية بهدف الحفاظ على سيطرته من خلال الرعب والوحشية. 

بعد سقوط باغوز وانسحاب القوات الغربية وجد الأكراد أنفسهم مسؤولين عن نحو 100 ألف أسير من "داعش"، بعضهم ظل مخلصاً لعقيدة "داعش"، بينما أعرض عنها كثيرون غيرهم، إنما جميع الذين أتوا من الخارج من بينهم تقريباً نبذتهم بلدانهم الأم، فمن الحكومات إلى استطلاعات الآراء وعناوين الصحف، كانت الرسالة الموجهة لأبناء الغرب الذين انضموا إلى "داعش" واحدة تقريباً، ما عاد مرحباً بكم هنا بعد الآن.

فيما يناقش الناس موضوع الترحيل إلى الوطن، تنتظر زوجات مقاتلي "داعش" الأجنبيات وأطفالهن في وضع قانوني معلق داخل مخيمات خاضعة لحراسة مشددة، ومن بينهم شميمة بيغوم الشهيرة، ابنة لندن التي هربت لكي تنضم إلى "داعش" مع صديقتيها عام 2015 حين كانت تبلغ 15 عاماً من العمر، وها هي الآن وقد أتمت عامها الـ 21 وأصبحت الناجية الوحيدة بينهن، معتقلة في مخيم الروج  شمال شرقي سوريا على مقربة من الحدود العراقية، وعاجزة عن العودة إلى المملكة المتحدة بعد سحب جنسيتها البريطانية منها في عام 2019، وتحولها إلى شخص عديم الجنسية.

ومع أن وضع بيغوم ليس فريداً من نوعه، فقد تكون الأشهر من بين زوجات مقاتلي "داعش" اللواتي يظهرن في الفيلم الوثائقي "العودة: الحياة بعد داعش"، الذي يبعث على التفكير لمخرجته الإسبانية ألبا سوتورا كلوا، وهو متوفر حالياً عبر محطتي سكاي للأفلام الوثائقية  "Sky Documentaries" و"Now TV".

ويتناول الفيلم الذي جرى تصويره على مدى سنتين في مخيم الروج الذي يضم نحو 1500 سيدة وطفلة وطفل من 56 بلداً مختلفاً، حياة وخيارات بعض النساء من خلال نظرة رحيمة، وهي صفة اتسمت بها مقاربة المخرجة منذ بدأت عملها لتظهر أن "محور الشر ليس منطقة سكانها أشرار" في أول فيلم لها، ويكشف فيلم العودة الشجاعة الاستثنائية في عمل الكرديات اللواتي كما تقول كلوا تحملن مسؤولية الناس الذين تُركوا، فيما "الحكومات الغربية كانت بعدها تنتظر أو لا تعرف كيف تتصرف، أو حتى أحياناً تنفض يدها من هذا الموضوع".  

كانت كلوا في موقع يسمح لها تماماً بصناعة الفيلم، فقد رأت عن كثب من خلال عملها على الخطوط الأمامية في سوريا ما الذي قد تقترفه "داعش" أثناء تصويرها فيلم القائدة أريان، وهو وثائقي من العام 2018 عن كتيبة نسائية كردية تتقدم باتجاه كوباني، كما كانت موجودة أثناء حصار الرقة عام 2017، وفي باغوز عندما هوت الخلافة وفقدت أصدقاء لها في الحرب، وفي كوباني شاهدت جثثاً متكدسة لنساء وأطفال وشيوخ ارتكب مقاتلو "داعش" مجزرة في حقهم. 

وتقول كلوا عن تصوير القائدة أريان: "كان ثقيلاً للغاية، وربما كان الفيلم الذي ترك الأثر الأكبر في نفسي لأنني عايشت أموراً متطرفة جداً لم أعشها من قبل، وخلق ذلك رابطاً ليس فقط مع منطقة روجافا ذات الحكم الذاتي بأمر الواقع، شمال شرقي سوريا، بل أيضاً مع العمل الذي تقوم به الحركات النسائية الكردية هناك." 

معظم فترة الحرب لم تعتبر كلوا "داعش" بشراً، وتقول: "كانوا فقط أولئك الذين يطلقون النار علينا من وراء الجدران"، لكن ذلك تغير حين التقت بمدنيين يفرون من الرقة أثناء تعرض المدينة للقصف، "فلم أُجر أي مقابلة مع أي منهم، لكنني تأثرت كثيراً بمنظر أم كانت تركض وهي تحمل طفلها بين ذراعيها، وكانت تبحث عن المساعدة لكن عندما وصلت إلى موقعنا كان الطفل قد توفي بالفعل."  

ولاحقاً أجرت مقابلة مع سيدة ثكلى في العراق قُتل ابناها الاثنان عندما كانا يحاربان مع "داعش"، وتذكر كلوا أن الحديث كان صعباً في البداية لأن السيدة مناصرة وفية للتنظيم، "وعند الحديث عن العنف ضد النساء أو الرجم كانت تقول بأن ذلك هو القانون، إنها الشريعة، والسيدة تستحق ذلك بسبب شيء ما فعلته"، ولكن تدريجياً فهمت المخرجة أن "كل مشاعر السيدة ارتبطت بابنيها، وكانت تعتقد ما أملياه عليها وتدافع عنهما لأنهما توفيا". وهكذا ما بدا في أول الأمر أمراً صريحاً وسافراً كان "في الحقيقة يشمل العديد من المشاعر والجراح المفتوحة". 

استوطن الألم في كل مكان بفضل تنظيم "داعش" الذي نشر العنف والكراهية والخوف والانقسام، وتسبب بمعاناة هائلة للأكراد، لذلك وجدت كلوا الأمر قوياً وملهماً للغاية عندما اكتشفت أن النساء الكرديات اللواتي كن يحاربن "داعش"، وهن على الأرجح اللواتي تعرضن لأشد درجات العنف من "داعش"، أصبحن الآن مسؤولات عن مخيمات احتجاز الفارين من الدولة الإسلامية، وعن رعاية نساء كن أعداءهن في يوم من الأيام. وقالت بنبرة إعجاب: "وكن يفعلن ذلك مع حس إنساني هائل يتوافق مع قيمهن الثورية وبُهرت بالأمر."

وعلمت كلوا أن ناشطات كرديات في مجال حقوق النساء كن يدرن ورشة عمل للمعتقلات داخل مخيم الروج في محاولة لتخطي العداوة و "مد جسر الحوار، وحين علمت بهذا الأمر أردت فعلاً أن أرى ما قد يحدث أثناء هذه العملية. كيف سيكون الوضع بالنسبة للكرديات عندما يفتحن قلوبهن أمام مجموعة نساء كن في "داعش"، وكيف ستكون المشاركة في هذا الورشة بالنسبة لهؤلاء النساء اللواتي كن في داعش؟"  

وأملت كلوا من خلال توفير فرصة لنساء مثل بيغوم وهدى مثنى، الأم اليافعة التي ولدت في الولايات المتحدة وحاولت التحريض على وقوع هجمات إرهابية في البلاد عبر "تويتر"، لكي يتحدثن عن أنفسهن بحرية وعمق من خلال وضع قصصهن في سياقها الأوسع، أن تتخطى مسألة الدراما ثنائية القطب بين رغبة النساء في العودة إلى بلادهن ومعارضة ذلك، لكي تتوصل إلى فهم أدق للخطأ الذي وقع، وربما تجد بعض الحلول لمنع آخرين من السير على الدرب الخاطئ في المستقبل.  

"لنتخط هذه الثنائية في النقاش، فكيف يمكننا الانتقال إلى منظور مختلف؟ كيف يمكننا النظر إلى هذا الأمر بطريقة أعمق؟" 

بفضل اتصال هاتفي بين القائدة أريان وقائدة مخيم الروج، حصلت كلوا وفريق عملها الذي يتألف إجمالاً من سيدات كرديات على حرية الدخول من دون قيد التي يحلم بها معظم الصحافيين، ومع ذلك لم تشعر المخرجة بادئ الأمر برغبة في الحديث مع المحتجزات، بسبب غضبها جراء التجارب التي قاستها. 

"كانت عندي أفكار مسبقة كثيرة أيضاً، لم أكن أعلم من هن، فكيف يمكنني إذاً طرح أسئلة عميقة عليهن؟ ولم يكن مستعدات للحديث معي بدورهن. في الأيام الأولى، شعرت بأنهن قد حفظن خطاباً أو رواية عن ظهر قلب بسبب خوفهن الشديد من التفوه بشيء قد يعرضهن للخطر، كما شعرن بأن الإعلام قد أساء معاملتهن، وشعرن بأن الصحافيين حرفوا كلامهن ولم يردن التحدث مع أي صحافي، ولم يكن يعرفننا، ولذلك تطلّب الموضوع عملية طويلة."

وفيما استطاعت كلوا أن تفهم بعض الشيء لماذا وجدت النساء في سوريا والعراق أنفسهن داخل "داعش"، "أصبحت عائلاتهن "داعش"، وأطفالهن تحولوا إلى "داعش"، وبعد ذلك كأنه من الطبيعي أن تشعر والدة بما يدافع عنه ابنها البالغ وتعتنق تفكيره"، ووجدت صعوبة خلال تصوير القائدة أريان في فهم وجه الإغراء الذي وجدته الشابات الغربيات صغيرات السن في هكذا نظام قمعي ومعاد للنساء، وفي الوثائقي يتضح أن إتقان "داعش" للدعاية والتضليل المعلوماتي لعب دوراً كبيراً في هذا الموضوع، فقد صاغت "داعش" رسالتها تبعاً لهوية المتلقي المُستهدف، وبالطريقة التي توقع فيها أكبر أثر ممكن. 

مثلاً، إن كان أحدهم يسكن في بلد يفتقر للتعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية، تقول له إن الدولة الإسلامية ستوفر ذلك، وإن شعرت الأمهات الصغيرات في السن أنهن لا يملكن حرية اتباع الدين الإسلامي وعيشه بالطريقة التي أردنها، لأن بعض الأماكن تحرم لبس النقاب أو لأنهن عاجزات عن تعليم أولادهن على الطريقة الإسلامية، سوف يتمتعن في بلاد الخلافة بحرية دينية كاملة داخل مجتمع يكن فيه محاطات بالمسلمين ومن دون أي ضغط. وتقول كلوا: "خُدع الناس وصدقوا هذا الكلام."  

تذكر بيغوم كما مثنى محنة السوريين التي استغلها تنظيم "داعش" من خلال فيديوهات مروعة صُورت لكي توخز ضمير المؤمنين، وتصبح جزءاً من سبب سفرهم إلى سوريا، ويقلن إنه باعتبارهن مسلمات شعرن بأنه من واجبهن المساعدة.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول كلوا، "يتأثر اليافعون برواية الظلم، فعندما تكون صغيراً في السن وتشعر بأنك تعيش في عالم ظالم، تصبح حساساً جداً إزاء هذا الظلم وتشعر بأنك تريد التصرف بهدف تغييره". 

تقول بيغوم إنها كانت طفلة هادئة لديها ثلاث أخوات منطلقات ومستقلات وقويات يكبرنها سناً، وشعرت بأنها لا تنسجم في المنزل، وبدورها تتكلم مثنى عن شعورها بأنه لا مستقبل لديها في أميركا لأن والداها أحبطا حلمها في أن تصبح سيدة أعمال بعد الجامعة، بسبب رغبتهما في دفعها باتجاه الزواج، وعندما لم تر أمامها أي شيء استسلمت.  

وتضيف كلوا: "أعتقد أنه وضع ينطبق على الجميع، وأن معظم الشابات ربما كن يعشن تلك الحال، وحين تكون في سن المراهقة وتشعر بأن والدتك لا تحبك وأن والدتك لا تفهمك وأن أسرتك لا تصغي إليك، فستشعر بالتهميش ليس فقط لأنك مسلمة تشعر بالتهميش داخل مجتمعها، بل لأنك مراهقة وتشعر بأنك مهمشة ضمن عائلتك ووسط الجميع." 

اعتقدت مثنى بأنها ستحظى بحرية أن تصبح من تريد داخل دولة الخلافة. وتلفت كلوا: "ويا للسخرية، وعوضاً عن ذلك ينتهي بها المطاف في أكثر الديكتاتوريات استبدادية وقمعاً ووحشية، حيث سُلبت كل حرية وأرغمت على الزواج."

تنظر الناشطات الكرديات إلى النساء باعتبارهن ضحايا بعد استدراجهن وتحضيرهن عبر الإنترنت، إذ وقعن في فخ الدعاية الماهرة التي قام بها تنظيم "داعش" لأنها أصابت أكثر المواضع حساسية بالنسبة إليهن، لكن برأي كثير من الناس ستظل بيغوم تلك السيدة التي ترتدي نقاباً أسود اللون، وتقول بكل قسوة لمراسل صحافي بأنها "لم تتأثر" عندما رأت رأس أحد ضحايا "داعش" مُلقى داخل القمامة. 

بعد ثلاث سنوات على ذلك التصريح، تقول بيغوم التي تنفي كذلك ادعاء كونها عضواً مسلحاً في شرطة الآداب التابعة لـ"داعش" باعتباره كذبة من الحكومة، إن صغر سنها ونقص معرفتها الدينية وعجزها عن التحدث بالعربية أسباب كانت تمنعها من الاطلاع بهكذا دور، كما تزعم بأن سبب برودتها وقسوتها هو خوفها من انتقام مناصري "داعش" في مخيم الهول حيث كانت مُحتجزة، وتحثنا كلوا على النظر إلى الوضع العام. 

"أعتقد أنه من المهم جداً وضع تلك المقابلة في سياق المرحلة التي أُجريت فيها. كانت شميمة صغيرة جداً في السن وخرجت للتو من أربع سنوات في ظل دكتاتورية لم تسمح لها بالتفكير، بعد عيشها أكثر من عام في إطار حرب قاسية جداً وفقدانها طفلين، وكانت مصدومة للغاية. وإن أضفت إلى هذا كونها في مخيم الهول الخطير جداً، حيث يقتلون النساء بسبب أقوالهن وأفعالهن، أعني أنه للأسف لا أظن أن هذا السياق أُوضِح للناس."   

ولا شك في أن بيغوم الباكية التي نراها في العودة ألطف وأقل برودة، مع أن الحكم على صدقها يعود للمشاهدين، مر على وجودها داخل مخيم الروج 10 أشهر قبل أن تُجري كلوا مقابلة معها. وتقول المخرجة: "وتسنى لها الوقت لكي تفكر وتتأمل وتشعر بالألم الذي كانت تكبته بسبب حاجتها إلى البقاء، ولذلك أظن أن الاستماع إليها الآن يختلف جداً عما رأيناه في الهول في مارس (آذار) 2019."

ومع ذلك فإن انعدام الندم لدى النساء مزعج، وتعبر مثنى عن شعورها بهول المعاملة التي تلقتها الأيزيديات اللواتي استُعبدن جنسياً، لكن الجميع يركز على وجعهن الخاص، ولا تلقَ معاناة ضحايا "داعش" الأخريات كثيراً من الاهتمام. أما كمبرلي غوين بولمان، السيدة الكندية - الأميركية التي غادر أولادها المنزل ووقعت تحت سحر جهادي جذاب عبر الإنترنت، وتشعر الآن بالنقمة لاحتجازها داخل المخيم، فتشعر حرفياً بالصدمة عندما تقول لها إحدى المرشدات الكرديات إنها ربما لم تقتل أي شخص بنفسها، ولكن يُحتمل أن يكون زوجها قد فعل ذلك. وتقول كلوا لافتة إلى اعتراف بعض النساء الأخريات بارتكابهن خطأ، "إنها أصعب. هي تعتقد حقاً بأنها خُدعت وبأنها لم ترتكب أي خطأ".  

وعلى الرغم من هذا تعتقد كلوا ضرورة إعادة كل النساء اللواتي ظهرن في الفيلم الوثائقي إلى بلادهن. 

"ما فهمته هو أنه تم الاتجار بهن، وكانت بعضهن قاصرات مثل شميمة، وتم تجنيدهن لاستخدامهن كزوجات يوفرن حياة جنسية آمنة ويقدمن أطفالاً لمقاتلي الدولة الإسلامية، ولم يتوقعن استغلالهن بهذا الشكل."

وهي تشبه عقيدة "داعش" بالمجسات التي انتشرت في بلدان مختلفة، وتعتقد بأن احتجاز آلاف النساء من دون محاكمة يعطي المسؤولين عن التجنيد عذراً. 

"يمكنهم أن يقولوا انظروا ما الذي يفعلونه بالنساء المسلمات، يخفونهن هناك. انظروا إلى الأطفال المسلمين الذين يموتون من الكوليرا في الغبار داخل مخيمات مريعة. هذه مشاعر تساعد المجندين في استقطاب أشخاص."

كما تقول كلوا إننا حين نترك أطفالاً في المخيم فنحن نُهيئ لحصول مشكلات في المستقبل، وبعضهم لم يعرف سوى الدولة الإسلامية وأماكن مثل الهول والروج "حيث ما زالت بعض المجموعات المتطرفة للغاية موجودة. هذه قنبلة موقوتة"، كما تقول، "لو أردنا العمل على ضمان أمننا علينا إعادة الأطفال وإعطائهم تعليماً جيداً والفرصة والأمل الذي يستحقه كل طفل". 

وقد تكون النساء أنفسهن كذلك سلاحاً قوياً في محاربة التطرف، فداخل المخيم وللمرة الأولى منذ كن يسكن في مناطق الخلافة، أدركن قوتهن الخاصة كمجموعة، فحضور الورشة كان يعني مقاومة التخويف من قبل مناصري "داعش" المتشددين الذين حاولوا كذلك تخريب الفيلم، ووجدت النساء اللواتي لم يتركن الورشة قوة معاً.

وتشرح كلوا أن "في ظل حكم داعش كان الجميع يعيش مع كثير من هواجس الارتياب، ولم يكن أحد يعرف ما الذي يفكر به الآخر، ولذلك لم تكن لتعبر عن أفكارك وكنت تعتقد بأنك وحدك، لكنهن أدركن في الورشة أنهن لسن وحيدات وأنهن تشاركن بعض المشاعر نفسها تجاه "داعش" والتجارب نفسها مع "داعش"، وكن على استعداد لترك كل ذلك وراءهن والبدء بحياة جديدة، إذ جعلتهن هذه التجربة أقوى ولم تساعدهن فقط في التعبير عن أفكارهن الحقيقية، بل على السير إلى الأمام بوتيرة أسرع." 

وفيما مرت النساء بنوع من التعافي، يبدو أن ذلك حدث مع المخرجة أيضاً، وهي تقول إن البحث بالنسبة لها يعني "أن أكون جزءاً من الواقع الذي سأصوره وهذا يغيرني من ناحية ما، أو يخلق رابطاً قوياً للغاية مع موضوع التصوير مهما كان". وفي هذه الحال، دخلت إلى الروج يتملكها الغضب، ويبدو أنها خرجت منه وهي تشعر بسلام أكبر ولديها وعي أكبر بقوة النساء في محاربة تهديد لم يمكن استئصاله عسكرياً. 

"من خلال الجلوس والإصغاء وحسب، ومحاولة ترك كل هذا الألم جانباً، وإيجاد سبيل للخروج من كل هذا العنف ببساطة، أدركت كم أن وجود النساء في ذلك النوع من العمليات ضروري ومهم، لأنني أعتقد أنه من الأسهل في الإطار النسائي إيجاد سبيل، مهما كانت صعوبته، للخروج من الصراع من دون استخدام الأسلحة."

وفيما يؤكد كثيرون بأنه يجب عدم السماح لسيدة مثل بيغوم بالعودة إلى وطنها، تعتقد كلوا بأن التفاعل جزء أساس من الحل لإضعاف هالة وجاذب "داعش".  

"العديد من هؤلاء النساء مستعدات للمشاركة الفاعلة في برامج تدخل، ويمكنهن أن يساعدننا في التعرف إلى النساء اللواتي قد يكن معرضات لخطر التطرف مثلهن، وأن يكن الصوت الذي تستمع إليه هؤلاء النساء لأنهن خضن التجربة. لقد سرنَ في هذا المسار وسوف يحظين بالاحترام لهذا السبب." 

قد يكون رأياً غير شعبي، لكن كما تقول كلوا: "إن أردنا أن نفهم ما حصل فعلينا أن نعيد هؤلاء النساء إلى الوطن ونسعى إلى فتح نقاش معهن".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات