Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القصف والمشروع الإيراني: العراق يدفع الثمن

طهران تقول لأميركا عبر القصف الذي تتولاه الميليشيات التابعة لها: اللعبة انتهت

قاعدة عين الأسد في غربي محافظة الأنبار العراقية (أ ف ب)

بغداد محرجة، واشنطن محرجة، وطهران تزيد من الإحراج، والهدف مكتوب على الجدار. إيران تقول لأميركا عبر القصف الذي تتولاه الميليشيات التابعة لها: اللعبة انتهت، وتقول للعراق: الأمر لي في ما يتعلق بالوجود العسكري الأميركي، لا لكم بحسب ما يسميه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي "الحاجة الأمنية والعسكرية إلى أميركا". 

وليس تكثيف القصف على السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وقاعدة عين الأسد ومطار بغداد ومطار أربيل وكل موقع فيه قوات أميركية، مجرد ضغط على واشنطن لتقوية الأوراق في مفاوضات الملف النووي، فهذا هدف تكتيكي محدود ضمن هدف أكبر يترجمه "أمر عمليات" إيراني بحرب مفتوحة حتى إخراج القوات الأميركية من "غرب آسيا"، وهو مع البرنامج النووي وإدارة الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن فروع من أساس، ومجرد أهداف ضمن هدف استراتيجي كبير جداً: الهيمنة على العالم العربي كمقدمة لإقامة المشروع الإمبراطوري الإيراني.

هذه خطة معلنة لا سرية، فالجنرال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" الذي اغتاله الأميركيون على الطريق من مطار بغداد، كانت مهمته العمل لتحقيقها، وخليفته في القيادة الجنرال إسماعيل قاآني لا يكتم القول إن وراء أنشطة الفيلق دافعاً أيديولوجياً وتكليفاً شرعياً وارداً في الدستور، فهو أشار إلى أنشطة "حزب الله" و"الحشد الشعبي" وكتائب "زينبيين" و"فاطميين" و"الحوثيين"، ليقول "كل يوم نقوم بخطوة أساسية ضد أعداء الثورة وأميركا والنظام الصهيوني، وسنواصل السير على هذا الطريق حتى قيام الحكم العالمي للمهدي المنتظر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الانسحاب الأميركي ليس ضماناً لإزالة الحواجز الاستراتيجية والجيوسياسية والوطنية والقومية التي تواجه هذا المشروع "الغيبي"، وأول من يدفع ثمن القصف هو العراق، فأميركا تستطيع الانسحاب وحماية مصالحها الحيوية، وهي قررت أصلاً الانسحاب من أفغانستان والعراق ضمن استراتيجيتها الجديدة للتوجه نحو الشرق الأقصى والتركيز على الصراع مع روسيا والصين، أما العراق فمحكوم بالجغرافيا والتاريخ، والميليشيات التي تقصف القوات الأميركية اليوم مرشحة لقصف المراكز العراقية غداً عند أول أمر إيراني أو خلاف زعيم ميليشيا مع مسؤول عراقي.                      

والمفارقة أن هذه الميليشيات ضمن "الحشد الشعبي" الذي أجبر البرلمان والحكومات السابقة على "تشريع" وجوده ودفع الرواتب لأفراده، فلا الكاظمي يستطيع أن يطبق قوله "إذا أردنا بناء عراق حقيقي فيجب حصر السلاح بيد الدولة، وهي ستحارب أي سلاح يهدد كيانها من أي جهة جاء"، مع أنه يقود رسمياً جيشاً من 1.5 مليون جندي، ولا الأجهزة الأمنية تجرؤ بعد كل عملية قصف على أن تعلن في بيان رسمي ما يتجاوز الإشارة إلى "مجموعة خارجة عن القانون" مع أنها تعرفها، فلا هي تستطيع معاقبة الفاعلين خوفاً من إثارة "وكر دبابير"، ولا أميركا يمكن أن تستخدم كل قوتها في الرد على قصف قواتها، وهي قادرة على تدمير الكتائب التي تقصف، لأن عليها أن تأخذ في الاعتبار حسابات بغداد.                                       

صحيح أن الميليشيات التابعة لإيران في كل بلد لها مهمات معلنة خاصة بالبلد، "حزب الله" لمقاومة إسرائيل و"الحشد الشعبي" لضرب "داعش"، والبقية على المنوال نفسه، لكن الصحيح أيضاً أن المهمة العامة الشاملة لكل هذه الميليشيات هي الدفاع عن إيران ومصالحها والعمل لمشروعها الإمبراطوري ولو ضد مصالح بلدانها، وصحيح أن العراق بقيادة مصطفى الكاظمي استعاد عمقه العربي عبر السعودية والقمم الثلاثية التي تجمعه مع مصر والأردن والتركيز على الأمن القومي العربي والتعاون الاقتصادي، لكن الصحيح أيضاً أن حكم الملالي ينظر إلى ذلك بعين حمراء، فالعراق هو درة التاج في المشروع الإمبراطوري، والإمساك الإيراني الكامل به هو هدف المرحلة الجديدة بعد الانسحاب الأميركي، مع أن الجيل الجديد يطرح شعار "لا إيران ولا أميركا"، ومن الممكن أن تقول طهران لواشنطن إن اللعبة انتهت، لكن من الوهم أن تتمكن من تحديد نهاية اللعبة في العالم العربي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل