Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقنين الكهرباء في لبنان أزمة لا تنتهي فصولها

المواطن أمام خيارين إما الوقوع في فخ "العتمة الشاملة" أو التضحية بما تبقى له من أموال مودعة لدى المصرف المركزي

لبنان على موعد مع العتمة (رويترز)

كل الإنفاق وصرف الاعتمادات الذي يتم حالياً سواء للمحروقات أو مؤسسة كهرباء لبنان، يتم من خلال استنزاف أموال الاحتياطي الإلزامي المودعة لدى مصرف لبنان، حيث وقع وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أربعة قرارات اعتماد بقيمة 62 مليون دولار أميركي لشراء الفيول والغاز لمؤسسة كهرباء لبنان وهذه الاعتمادات سترسل تباعاً إلى مصرف لبنان للبت النهائي بها. هذا القرار جاء بعد وضع اللبناني أمام خيارين، إما الوقوع في فخ "العتمة الشاملة" كما قال وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر منذ أسابيع، أو التضحية بما تبقى له من أموال مودعة لدى مصرف لبنان كاحتياطي إلزامي.

وحذر غجر من خطورة ما وصل إليه قطاع الطاقة في لبنان من جراء عدم توفر الأموال لشراء الفيول المطلوب حتى تتمكن مؤسسة الكهرباء من الاستمرارية وتأمين التيار الكهربائي للمواطنين.

سياسات خطأ

الحالة التي وصل لبنان إليها فيما يتعلق بالطاقة والكهرباء نتيجة طبيعية لسوء السياسات التي اعتمدت من قبل وزارة الطاقة طيلة العقد الأخير. وفي هذا الإطار، يوضح المتخصص المالي والاقتصادي بلال علامة في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "كل السياسات التي اعتمدت كانت مليئة بالمشاكل والإنفاق غير المجدي بدلاً من الاستثمار وتحديداً فيما يتعلق باستدراج الكهرباء من البواخر التركية والاستمرار في تشغيل المعامل المهترئة، بدلاً من الذهاب إلى إنشاء معامل جديدة والبحث عن طرق استجرار الكهرباء من الطاقات البديلة الأوفر تكلفة والأكثر استدامة كالطاقة الشمسية والمائية". 

أما فيما يتعلق بالمعامل التي تعمل حالياً كالجية والذوق ودير عمار والزهراني، يشير علامة إلى أنها "معامل قديمة تعمل على المحروقات الثقيلة المكلفة من حيث الإنتاج وأهملت وزارة الطاقة الاستفادة من كل العروض التي قدّمت لتأمين إنتاج طاقة عبر معامل أو طرق حديثة مثل العروض التي تقدمت بها الشركة الألمانية "سيمنز" وشركات أخرى تقدمت ببدائل وعروض لإنتاج الطاقة بتكلفة أقل وفعالية أكثر. في المقابل كل الإنفاق الذي أنفقته الوزارة على إنشاء السدود المائية الفاشلة التي يصل عددها إلى ما فوق الـ10 سدود لم تلحظ إنتاج الكهرباء على الطاقة المائية، والتي أنفق عليها ما يفوق 800 مليون دولار من دون الاستفادة منها لا على مستوى تجميع المياه ولا على مستوى إنتاج الطاقة المائية، من دون أن ننسى أن السدود في حد ذاتها كانت عاجزة عن تحقيق الأهداف الأساسية التي هي تجميع المياه".

أما بالنسبة للإنفاق والهدر في العقد الأخير على القطاع، فيشير علامة إلى أنه "فاق 35 مليار دولار، وكلها من أموال الخزينة اللبنانية والقروض والتسهيلات لحساب وزارة الطاقة. وملاحظ هنا أن هذا الإنفاق ترافق مع عجز كلي بتحسين الجباية وضبطها وتعميمها لتشمل كافة أراضي الدولة اللبنانية، إذ إن الجباية تغطي فقط 40 في المئة من المستحقات والمتوجبات، وتتغاضى عن جباية الـ60 في المئة المتبقية مما تسبب في خسائر إضافية". 

معاناة أصحاب المولدات 

ومع ارتفاع ساعات تقنين التغذية، زاد الطلب على اشتراك المولدات في جميع المناطق اللبنانية. وفي هذا السياق، يوضح نقيب أصحاب المولدات عبدو سعادة المعاناة التي يواجهونها في ظل أزمة الدولار وشح المازوت، قائلاً: "يتم تشغيل العدادات لمدة 14 ساعة في حين تؤمن الدولة من أربع إلى خمس ساعات فقط كحد أقصى. كما نعاني من نقص في مادة المازوت إذ نضطر لشرائها من السوق السوداء وعلى الرغم من أن وزير الطاقة كان قد حدد سعر التنكة الواحدة بـ28 ألف ليرة لبنانية فإن تكلفتها في السوق السوداء تصل إلى 38 ألف ليرة، وبالتالي أصبحنا نخسر عشرة آلاف ليرة في كل تنكة تضاف عليها 1500 ليرة كلفة التوصيل"، محذراً من "الاتجاه نحو العتمة في حال استمر غياب الدعم". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بين التقنين والعتمة الشاملة

وعن دور لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النيابية، يوضح رئيسها النائب نزيه نجم أن "المجلس النيابي وافق وأقر قانون سلفة 200 مليون دولار وأن تمويل بواخر المحروقات للمعامل على مختلف أنواعها يتم عبر مصرف لبنان"، داعياً الأخير إلى "استمرار تمويل هذه العملية كي يستمر إنتاج الكهرباء بالمعدّل الأدنى"، أي بمعنى آخر استمرار التقنين، ولكن مع منع الوصول إلى العتمة الشاملة. 

واعتبر نجم أن "كل الحديث لم يعد مجدياً ما لم تعمد وزارة الطاقة إلى إنشاء معامل متطورة بغية الوصول إلى الإنتاج الرشيد، وبدلاً من أن تستهلك وزارة الطاقة ما يقارب ملياري دولار سنوياً هدراً وإنفاقاً كان من الممكن إنشاء معامل حديثة وتطوير المعامل القائمة بأقل من مليار دولار أميركي". 

وكان وزير الطاقة اللبناني قد رمى المسؤولية في ملعب البرلمان، مشدداً على أن الحل بيد النواب من خلال تزويد مؤسسة كهرباء لبنان بالأموال اللازمة لـ"شراء الفيول"، قائلاً "بعد ما قمنا بمسؤولياتنا، ووجدنا الحلول ووضعنا المناقصات، وبحثنا كل السبل المتاحة لتأمين الفيول، أو الذهاب باتجاه إقرار الموازنة العامة"، مضيفاً "أعتقد أن النواب لن يقبلوا أن يكونوا شاهدين على هذا الأمر".

تأثيرها على القطاعات

وعن كيفية استيراد المحروقات الشهر المقبل، في وقت لم يعد هناك أي قدرة لا على الخزينة ولا على مصرف لبنان لإيجاد الدولارات الكافية لتغطية سعر الصرف، يرى الوزير السابق غسان حاصباني أن "المولدات الموجودة لن تستطيع أن تغطي 24 ساعة وعليها أن تجد الوسائل لتغطية الفرق وإلا سينعكس ذلك سلباً على كل القطاعات بما فيها القطاع الصحي والاتصالات والنقل وبالتالي ستتأثر الطبيعية المدنية بشكل كبير". 

ويعتبر حاصباني أن "النقص يكمن بالقرار السليم في إدارة هذا القطاع وغياب الشفافية والأطر القانونية السليمة"، موضحاً أنه "في ظل وجود التمويل والمساعدات الدولية لتطوير وإنشاء معامل إضافة إلى وجود خطط موافق عليها في مجلس الوزراء، إلا أنه كلما تمت المطالبة بتنفيذ بنود هذه الخطط يعود تركيز وزارة الطاقة إلى بند واحد وهو كيفية تأمين الطاقة المؤقتة من خلال جلب البواخر. للأسف لم نرَ أي نية أو فعلاً حقيقياً منذ سنوات عديدة بل كان كل التركيز على كيفية وضع خطة مؤقتة لزيادة الإنتاج المؤقت"، لافتاً إلى أنه "من المتوقع أن نشهد الشهر المقبل المزيد من التقنين لأنه ربما لن تؤمن كلفة شراء الفيول أويل أو سيتم شراء كمية محدود". 

لا بد من الإشارة إلى أن وزارة الطاقة أهملت الاستفادة من قوانين تتعلق بإنتاج الطاقة البديلة وتحديداً الطاقة الشمسية رغم كل المساعدات والقروض التي قدمت لهذه الغاية من أجل إنتاج إضافي للكهرباء. وبالتالي كل هذه السياسات التي امتدت على 15 عاماً تطرح علامات استفهام على كل المعنيين بهذا الملف الذين لم يعترضوا طوال هذه الفترة على هذه السياسات وعلى الهدر الحاصل. 

آفاق وحلول

وعما إذا كان هناك نوع من مخرج لهذه المعضلة في حال تم استخدام أموال الاحتياطي، يشدد الوزير السابق عادل أفيوني على "ضرورة المحافظة على حقوق المودعين عبر إصدار سندات من الدولة بالمقابل، وهذه السندات تصبح دين الدولة تجاه المودعين لقاء استخدام أموالهم لتلبية مسؤولياتها"، موضحاً أن "الحل ليس باستخدام الاحتياطي، بل الحل كان من خلال برنامج عمل مع صندوق النقد الدولي ولكن للأسف تم تعطيله. وبالتالي، في حال اضطررنا إلى استخدام الاحتياطي أضعف الإيمان تسجيل ذلك كدين تجاه المودعين". 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير