يبدو أن (وزير الصحة البريطاني الجديد)، ساجد جاويد، انهمك بالتعويض عن الوقت الذي فاته في عالم الحكومة، بعد فترة الضياع السياسي التي أمضاها خارج السلطة، إذ لم يقضِ بعد أكثر من يومين في منصبه الجديد، حتى حظي بعنوان في صحيفة " دايلي ميل" لا يناله سوى الأبطال.
لكن ما السبب الذي حمل الصحيفة على إسباغ صفات بطولية عليه؟ هل إنها الحرية التي يبدو متعطشاً لها؟ إنها في الطريق إلينا! وستصل في موعدها المعلن 19 يوليو (تموز)! إذ يتمسك وزير الصحة الجديد بهذا التاريخ، أياً كانت الصعوبات التي تعترض تنفيذ هذا الاستحقاق. أليس هذا جميل حقاً؟
هل رأيتم الأرقام الأخيرة التي أصدرها "مكتب الإحصاء الوطني" وتفيد بارتفاع الإصابات بما يزيد على 1200 حالة نجمت في معظمها عن المتحور "دلتا" من فيروس كورونا؟ يعادل ذلك أكثر من 50 في المئة من العدد الإجمالي عن حالات الإصابة. يحق للمرء أن يتساءل إذا ما كان ارتفاع تلك الأرقام إلى مستويات أعلى سيجعله يشعر على الإطلاق بوجود سبب يدعو إلى التوقف؟ وباعتبار أن جاويد في الأصل مصرفي استثماري سابق صار الآن وزيراً للصحة، ربما لا ينبغي له أن يجهل تلك البيانات.
وأفترض سلفاً أن الوقت قد فات.
لكن، من الصحيح أيضاً الإشارة إلى أن كل الإصابات لا تضطر المصابين إلى دخول المستشفيات بهدف تلقي الرعاية الطبية، وأعداد الوفيات قد بقيت منخفضة لحسن الحظ (إذاً، لماذا نواصل الحديث عن أن أكبر مشكلة نواجهها تتمثل في إغراق "الخدمات الصحية الوطنية" بالحالات مع أن الناس يموتون موتاً رهيباً في الحقيقة؟).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لدينا لقاحات كثيرة، فشكراً على ذلك، مع أنها لا توفر لنا حماية كاملة، بيد أن النتائج التي تتمخض عنها عمليات التلقيح، خصوصاً بعد تلقي جرعتين، تبقى بصراحة جيدة وأشبه بملعقتين طافحتين من السكر الذي يضاف إلى قهوة الحي الحكومي المرة، أو التي كانت كذلك حين زرته آخر مرة، وسيعتاد وزير الصحة الجديد على تناولها.
يستحق قطاع السفر الشفقة، إذ يسعى منذ فترة باجتهاد وعلى نحو صاخب، إلى توفير مزيد من وجهات سفر في "قائمة الدول الخضراء" الحكومية (تضم البلدان التي يسمح بالسفر منها وإليها من دون حجر صحي). وتكمن المشكلة في عدد تلك الوجهات التي ستضع البريطانيين على "القائمة الخضراء" لديها، كي يمكنهم أن يدخلوها من دون حجر ومتاعب مماثلة؟ لا شك أن بوسع وزارات الصحة في هذه الدول رؤية البيانات عن ذلك الأمر، بمثل الوضوح الذي أراها أنا فيه.
وفي المقابل، إذا رغبتم في الشعور بالهلع، ما عليكم إلا أن تتخيلوا كيف كانت البيانات ستبدو من دون توزيع كل جرعات اللقاح التي جرى توزيعها. بعد أخذ كل هذا في الاعتبار، ثمة نصيحة يجب توجيهها إلى الوزير جاويد كي يفكر بروية حالما ينتهى من "الزعيق" بنبرة عالية منبهاً "ها قد عدت"، في شأن تعريف جميع ناشطي حزب المحافظين الذين يريد كسبهم استعداداً لمحاولته الوصول إلى رئاسة الوزراء مجدداً في المستقبل، (تعريفهم) أنه بات في موقع المسؤولية.
إذاً، يتوجب عليك استعمال عقلك الذي لا بد أن يكون كبيراً ككل المصرفيين الاستثماريين، وابدأ التفكير بشكل بناء.
نعلم أن الشباب يلعبون حالياً دوراً في نشر الفيروس لأنهم ينخرطون في كثير من النشاطات الاجتماعية والمخالطة، ولم تتوفر اللقاحات لهم حتى وقت متأخر نسبياً.
ندرك أيضاً أن من الصعب الوصول إلى الشباب. خلافاً لهؤلاء اليافعين، لقد سارع كل من كان منا في سن الوقوع تحت تهديد ارتفاع خطر الإصابة بالفيروس، أو من يعاني أمراضاً معينة مع تقدم في العمر أو من دونه، (سارع) إلى الترحيب بتلقي اللقاح وتأهب للتوجه إلى عيادة طبيبه العام كي يحصل عليه حالما طلب منه الحضور. وهذا فعلاً ما حصل لي. وحين سألتني موظفة الاستعلامات في عيادة الطبيب "هل أنت مهتم بتلقي لقاح "كوفيد-19"؟ كتمت ضحكتي وأجبت، "هل تمزحين؟ نعم فعلاً أنا مهتم كثيراً".
غير أن هناك آليات مختلفة للتعامل مع الأمر نفسه (تلقي اللقاح) بالنسبة إلى الشباب، ولا سيما أن درجة الخطورة لديهم أقل. إذ أخبرني صديق قديم بات أصغر أولاده أخيراً مؤهلاً لتلقي اللقاح، إن ابنه "يواصل القول، نعم سآخذ اللقاح". وبدا الاحباط جلياً عليه إذ تابع، "نعم سيأخذه، حتى ولو اضطررت لجره إلى مركز التلقيح".
أنا متأكد أيضاً أنها ستفعل. وإذا أردت أن تضحك، تخيل صفاً من الأمهات بوجوه متجهمة يقفن بالقرب من أطفالهن الراشدين المتمردين في طابور تلقي اللقاح. ليس هناك ما يثير السخرية في الحقيقة في شأن أي من هذا، غير أن تلك الصورة جعلتني اضحك.
بطبيعة الحال، هناك الآن عدد أقل من الطوابير مما كان عليه الحال سابقاً، وكذلك تنتشر حالياً مراكز التلقيح التي لا يحتاج المراجع إلى حجز موعد مسبق قبل زيارتها. إن شعار "سارع باقتناص اللقاح" فظيع فعلاً، لكن، فلنأخذ اللقاح مهما كلف الأمر.
ثمة جانب سلبي في اللقاح، إذ يتسبب تلقيه أحياناً للناس بقلق أكبر مما يشعرون به حيال الفيروس نفسه. وقد يلقي اللقاح بثقله على حياتهم الاجتماعية أو الوظيفية، أو العاطفية أو التزاماتهم الجامعية، وقد يضطرهم إلى وضع كل ما يفعلونه جانباً حتى يستطيعوا تلقي الجرعتين. ولا فائدة ترجى من إلقاء المواعظ حول الواجبات المدنية، أو التذمر في شأن الأطفال حالياً. إن ذلك لن يساعد المرء على مواجهة الجائحة أكثر مما تعينه إبر للحقن مصنوعة من مواد غير ملائمة.
يجب توزيع اللقاح. ويضحي ذلك يسيراً عبر مزيد من جرعاته في مخازن سوبرماركت "تيسكو"، على غرار ما حصل الأسبوع الماضي مثلاً في "برادفورد"، ومخازن "ساينزبوري" المماثلة أيضاً، وصيدليات "بووتس"، والصيدليات الموجودة في الأحياء. ومن الممكن توزيع لقاح كورونا على طريقة لقاح الإنفلونزا الذي يجري توزيعه سنوياً، بحسب ما تعلم.
ثمة أمكنة يتردد عليها الجميع في وقت من الأوقات. وفي الأماكن الكبيرة، يمكن استخدام نظام الإعلان الداخلي المستعمل هناك للتواصل مع الزبائن ورواد المكان، بغرض تشجيع الناس على المجيء كي يتلقوا اللقاح. ومنذ بعض الوقت، باتوا يفعلون ذلك في الولايات المتحدة. ويشير موقع "وول مارت" الإلكتروني، إلى أن كل من تجاوز سن الثانية عشرة، يستطيع أخذ اللقاح. وهناك صورة زبونة تبتسم أثناء تلقي اللقاح، ربما كانت عارضة محترفة، لكن ذلك لا يمنع من المضي قدماً في ذلك الأمر.
إنها فرصة سانحة أمام المصرفي السابق المتخصص في الاستثمار كي يظهر أنه ذكي وساخر أيضاً، من وجهة نظر سياسية؛ ويعلم الله إن كان بوسع هذه الحكومة أن تستخدم بعض الذكاء في عملها.
لا داعي للقول أيضاً إن ذلك سيثبت أنه طريقة جيدة في تصيد بعض كبار السن ممن بقوا غائبين عن الساحة حتى الآن. ومع ارتفاع عدد حالات العدوى على النحو الذي تتفشى فيه الآن، فستكون تلك طريقة جيدة تماماً.
© The Independent