Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دوروثي أرزنر حطمت نهايات الأفلام السعيدة المتعلقة بالنساء في هوليوود

فيلمها "بفرح نذهب إلى الجحيم" نموذج عن أعمالها التي انتقدت أن يكون الزواج نعمة وقدمت رؤية متمردة جديرة بالزمن الراهن

تمرد فيلم "بفرح نذهب إلى الجحيم" على رؤية سينمائية تقدم الزواج بوصفه نعمة أبدية للمرأة (بارامونت/ كوبال)

لطالما شكل الزواج نهاية سعيدة اختارتها هوليوود ختاماً في أفلامها. وعلى الرغم من ذلك، تمثّل بعض أكثر الأفلام أهمية في تلك التي طرحت سؤالاً عما إذا كان قول "نعم أوافق" [جواب العروس أو العريس أثناء عقد القران بعد سؤالهما عن قبول الزواج بالطرف الآخر] يدل فعلاً على نعمة زوجية لمدى الحياة، أو أنه جواب يبقى عرضة لمخاطر الخيبة والطلاق. "بفرح نذهب إلى الجحيم" (Merrily We Go to Hell)، الذي صنعته دوروثي أرزنر في 1932، يعتبر أحد أفضل تلك الأفلام، وقد ظهر حين كانت التوقعات (الإيجابية) من الزواج أكبر بكثير مما هي عليه اليوم. وحقق الفيلم نجاحاً منقطع النظير في شبابيك التذاكر، كما لا يزال توصيف "الورطة" الذي أطلقه على رابط الزوجية، جارحاً حتى يومنا هذا.

يروي الفيلم قصة جوان، الفتاة الراقية ذات العينين الجميلتين (تؤدي دورها الممثلة المرهفة سيلفيا سيدني) التي تقع في غرام جيري. ويعمل الأخير في صحيفة، ومدمن على الكحول (فريدريك مارش). ويعتقد جيري أن جوان "رائعة"، بل يخبرها ذلك على الدوام، بيد أن قلبه في الحقيقة متيم بقنينة الخمر، وميّال إلى عشيقته السابقة الفاتنة، كلير (أدريان آلن)، الممثلة الشقراء. وتكمن المفارقة في ختام الفيلم. إذ سبق لسيدني ومارش أن عملا في السابق معاً وبينهما كيمياء غريبة تكفي كي تعزّز الآمال المتعلقة بعلاقة الحب المتنامية بينهما. وفي أدائه شخصية جيري المدمن على الكحول، يستغل الممثل مارش قدراته الذاتية في تصوير شخصية انفصامية، وسبق له أن أبرز شخصية مماثلة قبل فترة قصيرة عبر أدائه دور البطولة الأساسي في فيلم "دكتور جيكيل والسيد هايد" (1931) (Dr Jekyll and Mr Hyde)، وحاز جائزة الأوسكار على ذلك الأداء. في المقابل، يمضي مارش قدماً في هذا الفيلم ["بفرح نذهب..."] على غرار أداءات أخرى نهض بها في أفلام للمخرجة أرزنر، نحو مزيد من الدقة الأدائية، وهو يفعل ذلك بطريقة إشكالية.

عن هذا الممثل (فريدريك مارش) تتحدث الدكتورة جوديث ماين، الأستاذة الفخرية في "جامعة أوهايو" التي كتبت بإسهاب عن أرزنر، وتشير إلى أن "لديه تلك القدرة الخارقة على أن يكون جذاباً ومنفراً في الوقت نفسه. إنه يجسد الغموض الذي يمثل أمراً أساسياً في الفيلم. وثمة شيء بالغ الرقة فيه حينما يكون سكران". وفي 1937، عاود مارش أداء دور سكير مأساوي وسيّئ السمعة، حين أدى شخصية نورمان ماين في الفيلم الاستثنائي "ولادة نجمة" (A Star Is Born)، في مواجهة جانيت غاينور.

وجملة "بفرح نذهب إلى الجحيم" تستخدم كمحط كلام في الفيلم، إلا أنها أيضاً تصف خسارة جوان استقلاليتها بفعل استغراقها في الحب، وهيامها بالسحر المتقطع الذي يتمتع به جيري. وتعمل دلائل الكارثة على تلطيخ طريقهما نحو الزواج. إذ يحتفظ جيري بصورة كلير معلقة على حائط في شقته، ويصل حفل القران متعتعاً من السكر، بل نائماً في مقعد السيارة الخلفي. ولا عجب إذاك في ممازحته صديقاً له بصوت عالٍ "هل لي الحق في أن آخذ فتاة رائعة وأجعلها زوجة؟"، ملمحاً إلى أنه من الأفضل للمرأة تجنّب أن تتحول إلى زوجة. وفي الإطار عينه، يأتي مشهد العرس كئيباً، بدل أن يكون مبهجاً، إذ تتخلل لحظة كوميدية محرجة الوقت الذي يتبادل العريسان فيه عهوداً يتلفظانها بتردد. وتتمثل تلك اللحظة الكوميدية بإضاعة جيري خاتم الزواج، إلا أنه يسارع إلى استخدام فتاحة قناني الخمر، التي لا تفارقه بطبيعة الحال، بديلاً عن خاتم الزواج. وكذلك يؤدي الممثل نيل دود دور الكاهن الذي يتولى عقد ذلك القران، وسبق له أداء دور الكاهن في أفلام كثيرة إلى حد أنه اشتُهِر في هوليوود بلقب ديني [وفي الحياة الواقعية، شغل دود موقعاً دينياً]، وقد "عقد قران" مئات الأزواج على الشاشة، وضعفي ذلك العدد في الحياة الواقعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الأفلام التي صنعتها، امتلكت أرزنر الكثير كي تقوله عن حياة النساء، وشكّل "بفرح نذهب..." فيلمها العاشر. لقد كانت امرأة متحررة وذات ميول جنسية غير تقليدية. وعلى مدى أربعة عقود، عاشت قدراً من الحرية أتاحته لها هوليوود مع عشيقتها مصممة الرقص ماريون مورغان. وفي أعمالها السينمائية، يرد كثير من النقد المبطن للزواج وتوقعات المجتمع من النساء. ويشمل ذلك إعلان كاثرين هيبورن نفسها "مكبلة" في شريط "كريستوفر سترونغ" (Christopher Strong) (1933)، وتجسيد الممثلة روزاليندا راسل شخصية من تُعاني ضرراً نفسيّاً في فيلم "زوجة كريغ" (Craig’s Wife) (1936). وحينما يتودّد جيري لجوان [في "بفرح نذهب...]، يغني لها عن أطايب شهية كخبز الزنجبيل وكريمة النعناع والكاتو. في المقابل، حين يجتمعان، نراه يفسد ببلادته الثملة العشاء الذي حاولت جوان إعداده، فتضطر إلى تقديم دجاج المعلبات للضيوف. إذ يمكن للزواج السيئ أن يترك طعم المرارة في الحلق.

في ذلك الصدد، ترى الباحثة جوديث ماين، أن فيلم "بفرح نذهب..." يمثل فيلم أرزنر الأكثر التباساً تجاه فكرة الزواج، وصولاً إلى مشهده الأخير المرهق الذي يستهزئ بفكرة النهايات السعيدة (في الأفلام السينمائية). وبحسب رأيها، "أعتقد أن الناس أحياناً يكونون متحمسين جداً كي يجعلوا من الأفلام الأكثر جدّة تبدو أكثر جذرية وتقدمية مما هي عليه في الحقيقة". وتتابع، "من المفيد دائماً العودة إلى تاريخ هوليوود كي نعرف ما يحصل من ناحية ما فعله المخرجون. وفي الحقيقة، يشكّل ذلك ما فعلته دوروثي أرزنر في سياق المواثيق الراهنة في السينما الهوليوودية".

ومن دون التخلي عن نزعته التخريبية، يأتي المشهد الختامي في "بفرح نذهب..." رومنطيقياً على نحو متصنع، وعميق في تراجيديته. ويترك جميع أسئلة الفيلم، بشأن قدرة الزواج على أن يمنح النساء شيئاً، وحول مستقبل جوان، أسئلة معلقة من دون جواب أو إيضاح.

وفي نقاش فكرة المشهد الختامي، أو النهاية، ترى الناقدة السينمائية هيلين أوهارا، مؤلفة كتاب "نساء ضد هوليوود" (Women Vs Hollywood) "إذا كانت النهاية تهدف إلى أن تكون إعادة صياغة تقليدية لفكرة النهاية السعيدة، فإنك تشعر بأن أرزنر لم تأخذ الأمر على محمل الجد، وهذا حالنا أيضاً". وإذا لم تقدم الحياة الزوجية جواباً عن أحلام الفتاة الشابة، فإن الخروج عن القواعد التقليدية عاجز عن ذلك أيضاً. وحين تشعر جوان أن مشاعر جيري تجاهها لم تعد موجودة تقترح عليه علاقة الزواج المفتوح ("حياة عزوبية للطرفين، سريران، وجرعة بروميد [عقار مهدّئ للأعصاب كان شائعاً آنذاك] ثلاثية صباحاً"). واستطراداً، يبدو ذلك الاقتراح فارغاً كمثل علاقتها التي لم يعد الحب فيها، حتى لو اضطرت إلى مواعدة الشاب الصغير الذي أدّى دوره الممثل غاري غرانت، الذي بدا شديد التأنق في بداية تجربته السينمائية تلك. وعن ذلك المنحى، ترى أوهارا، "ما زال أمر رؤية زواج مفتوح في فيلم هوليوودي صادماً بعض الشيء حتى اليوم. بيد أن ذاك لم يكن إشكالياً في 1932". كذلك تشير أوهارا في كتابها، إلى أن مطلع الثلاثينيات شكّل وقتاً مثالياً للتحدث عن أمور كهذه ومقاربتها، وذلك قبل أن يؤدي فرض "ميثاق الإنتاج" (Production Code) إلى تقليص ما يمكن أن نشاهده، وتحجيم ما يمكن للنساء أداؤه على الشاشة. وكذلك جاء ذلك الفيلم قبل سنوات قليلة من حلول الرقابة التي أنهت الأفلام الغارقة بالسكر والمتغاضية عن الخيانات الزوجية، كالتي انخرطت فيها جوان مع غاري غرانت.

ومن زاوية مقابِلَة، لم يكن هناك إشكالية مع فيلم توجد عبارة "جحيم" في عنوانه. في ذلك الصدد، تشير ماين إلى أن "أرزنر استفادت فعلاً من فترة ما قبل (ميثاق الإنتاج)، كي تتخذ مواقف قوية ضد الزواج".

وضمن الصورة الواسعة، لقد تحدّت أرزنر الأعراف بمجرد عملها مخرجة. إذ جسّدت إحدى النساء القليلات اللواتي عملن في مهنة الإخراج السينمائي أثناء العصر الذهبي في هوليوود، وغالباً ما تأثرت مراجعات الفيلم بتلك الحقيقة. إذ امتدح أحد النقاد فيلم "بفرح نذهب..." لأنه يحتوي "كثيراً من اللحم" بدل "نكهات الحلوى اللذيذة والخيار والسندويتشات (التي) شكّلت حتى ذلك الوقت إحدى سمات أفلام الآنسة أرزنر، المرأة الوحيدة في الحقل السينمائي التي تمتشق الـ(ميغافون) [أداة لتكبير الصوت مباشرة] (أي تتولى الإخراج). وجاءت أفلامها في معظم الوقت مسلية، لكنها أيضاً، بوعي ذاتي، أنثوية".

ومن الصحيح كذلك أن أرزنر عالجت موضوعات تختلف عن التي عالجها أقرانها من الرجال، إلا أن ذلك جاء في مصلحتها. إذ روت أفلامها قصص النساء بطريقة قوية على نحو ملفت. وكذلك عُرِفَ عنها أنها مخرجة تعامل الآخرين باحترام وتقبّل. وتتناول أوهارا ذلك المنحى مشيرة إلى أنه "بالنتيجة، جاءت شخصياتها (السينمائية) أكثر حيوية بكثير من الشخصيات التي عاصرتها".

في سياق متصل، كانت أرزنر خلاقة أيضاً. وحين أصيبت نجمة الأفلام الصامتة كلارا بو بصدمة عصبية أثناء تصوير أول أفلامها ومشاهدها غير الصامتة، عملت أرزنر على تركيب صيغة مبتكرة من الميكروفون المجهز بذراع، مستخدمة قصبة صيد، فمكنت للممثلة النطق بما يتطلبه من دون التأثر بوجود الميكروفون. [كان ذلك أمراً مبكراً، لأنه تطوّر فيما بعد وصار أداة أساسية في التصوير]. وبالمقارنة مع الوقت الذي صنع فيه "بفرح نذهب..."، قدّم الفيلم كاميرا متحركة متميزة، تسمح لنا بالتمايل مع نظرات جيري المتأرجحة حينما يكون مخموراً بالكونياك، أو ملاحقة الشريكين خلال مجادلاتهما المريرة. وأثناء مشهد طويل في بداية الفيلم، نشاهد جوان مخطوفة العقل، إذ ترقص أثناء نزولها على الدرج، فَرِحَةً ورقيقة كأنها فتاة صغيرة.

وكخلاصة، بدت أرزنر مدركة أنها ماهرة فيما تفعله. وشكّل "بفرح نذهب..." آخر فيلم صنعته مع شركة "باراماونت" (Paramount). إذ فضلت ترك شركة الإنتاج المذكورة على أن تقبل تخفيض ما تتقاضاه منها، وجرّبَتْ حظها مخرجة مستقلة. ثم تابعت إخراج الأفلام إلى أن تقاعدت في 1943 لأسباب غير معروفة. في المقابل، تكهن كثيرون بأن تكون مظاهر التحيز الجنسي ورهاب المثلية وضوابط "ميثاق الإنتاج"، قد زادت عدائية هوليوود تجاه تلك المرأة التي نشدت الاستقلالية لا لنفسها وحسب، بل لجميع بطلاتها، اللواتي لا يمكن نسيانهن.

 

صار فيلم "بفرح نذهب إلى الجحيم" جزءاً من مجموعة "كريتيريون كوليكشن بلو- راي" (Criterion Collection Blu-ray) في 14 يونيو (حزيران) 2021. 

© The Independent

المزيد من سينما